الانتخابات الرئاسية في الجزائر لم توقف الحراك
محمود إسماعيل

أسفرت الانتخابات الرئاسية في الجزائر التي جرت منذ حوالي أسبوع عن فوز رئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبون من الدورة الأولى، بنسبة 58% من الأصوات في سباق مع أربعة مرشحين من داخل مؤسسة الحكم.
لكن صدقية العملية الديمقراطية ومداها التمثيلي وانعكاسها على الواقع السياسي ارتبطت بنسبة التصويت الضئيلة التي لم تصل إلى 40% وسط إغلاق العديد من مراكز الاقتراع، خصوصاً في منطقة القبائل تلبية لدعوة الحراك الشعبي إلى المقاطعة واستمرار الاحتجاجات وتصعيدها في يوم الانتخاب وما تلاه.
تعتبر عملية الاقتراع هذه أول اختبار للرئيس الجزائري العتيد. فهو يدرك أنه ما زال أمامه الكثير من العمل ليرى فيه شعبه وشركاؤه الأجانب محاوراً موثوقاً به، وعليه أن يعمل على كسب ثقة الجزائريين وأن يقدم على تطوير النظام تدريجياً إذ لم يعد بالإمكان تجاهل الحراك.
إن الحرس القديم الذي تجاوز الـ ٧٥ عاماً من العمر مصيره التقاعد ما قد يتيح للرئيس تبون إعادة هيكلة الجيش، والأمر منوط أيضاً بقيام نخبة سياسية جديدة قادرة على تغيير موازين القوى بين العسكر والسياسيين والشعب.
استناداً إلى ما جرى من تحركات في العاصمة الجزائر منذ يوم الجمعة الماضي من اعتقالات وقمع في مدينة وهران ثاني أكبر مدينة في البلاد، يتبين وكأن هذه الانتخابات لم تحصل وأن الحراك المتصاعد منذ شباط/ فبراير الماضي لم يخمد، ولا يبدو أن حركة الاحتجاج السلمية الأوسع في تاريخ الجزائر في طور الانتهاء.
من الواضح أن نداء الرئيس الجزائري العتيد الموجه للحوار لم يجد صداه، خصوصاً لدى جيل جديد يمتلئ بالغضب من نظام يوصف بالتحجر منذ الاستقلال. ربما هناك صراع أجيال في خلفية المشهد السياسي ما بين رئيس منتخب في منتصف السبعين من العمر وحاكم فعلي هو رئيس أركان الجيش الوطني أحمد قايد صالح الذي هو في العقد الثامن من عمره، في بلاد يشكل فيها الشباب تحت سن الثلاثين ثلثي السكان تقريباً.
اللافت أن إرادة الحراك لا تلين، وأن إجراءات مكافحة الفساد لا تبدو كافية، فلا يزال الشارع المحتج يموج بآلاف المتظاهرين كل أسبوع للمطالبة برحيل جميع رموز المرحلة السابقة، رافضاً أي خريطة طريق للخروج من الأزمة المفروضة من قبل الدائرة المقررة في الحكم.
حسب أوساط المتابعين، لم ينضج الحراك خلال ١٠ أشهر ليتحول إلى ثورة عارمة ولا يزال في طور الانتفاضة ويلزمه المزيد من الوقت لتحقيق أهدافه، شرط عدم الانحراف عن السلمية والسقوط في فخ لعبة الرهانات الخارجية. في المقابل، تبرز تحليلات تركز على الواقعية السياسية، وإن كان التعامل مع الرئيس المنتخب يعد رافعة من أجل التوصل إلى تحديد آليات حكم انتقالي كي لا يستمر حوار الطرشان والحلقة المفرغة. إن مهمة الانتقال بالجزائر من مرحلة إلى أخرى ليست سهلة ولكنها ليست مستحيلة.