ما أروع أن تُفْتحَ صفحاتٌ.. ما أصعبَ أن نطوي صفحات
غسان عبد الله

أول الكلام
ما أروع أن تُفْتحَ صفحاتٌ.. ما أصعبَ أن نطوي صفحات
عذراً.. جئتُ من الأبعادِ أقلبُ في أوراق الصمتْ.. أفتحُ صَفْحَاتٍ للفكرِ وأرتجُ بوابات الأمسِ، أتلمّس عبرَ الوقتِ الهاربِ.. عبرَ حدودِ خيالٍ بكرٍ.. درباً بان بدون ملامح.. فيه غبارُ رحيلِ العمرِ غداةَ رحلتُ والطيفُ الجاثمُ فوقَ وعاءِ السُّهد ينادي عذراً سنواتِ الترحالِ وعذراً يا شطآنَ النفسِ من ذا يقبعُ في الأبعادِ ويسلخُ جلداً كالثعبان؟.
تنتابُ الروحَ همومٌ شتى في الترحالِ كما الأحزان عذراً يا سنواتِ العمرِ وعذراً يا بحرَ الوجدانْ ألقيتُ عصاي بُعَيْدَ العَودِ هناكَ بعيداً في الأصقاع. وركبتُ جناحَ الْوُدِّ النازفِ منذ سنين.
كم كان يزاحِمُ فيَّ الإحساسُ شعوراً في عتماتِ اليأس، وصراعُ النفس غريبٌ يقرعُ في الآذان.. أسلستُ قيادَ المُهرِ الراحلِ دون عناءْ.. وقطعتُ بأمرٍ دون نكوصٍ أو إبطاءْ.. وعبرتُ فلاةً كِدتُ أكونُ لها سنداناً.. تتوالى طرقاتٌ كالهولِ وتزعق في خوفٍ كجبان.. وسماءُ الغيم النازفِ بالقطراتِ السودِ تتوشَّحُ أرديةَ الربانْ وتُزمجِرُ في كلِّ الطُّرقاتِ وعيونُ الذِّئبِ الرابضِ عند مسيلِ النهرِ تحملِقُ في كلِّ الأرجاء.. والمهرُ انطلقَ غداةَ انهارتْ كلُّ حصونِ البُعدِ وزالت كالأوهام.. يتباهى في مشي الخيلاِء ويسابقُ آلاف الأقدامِ ويجوسُ خلال الزمنِ الزّاهدِ بالأعوامِ نحو الإنسانِ لأرضِ الشَّهدِ ونبعِ العِطرِ ومسرحِ آمالِ الشبّانِ في كلِّ طريقٍ يمثُلُ فجرٌ من شُرُفاتِ فضاءِ الكونِ في كلِّ شعاعٍ يبزُغُ نورٌ يشرِقُ من عينِ الأفراحِ يتهلّلُ بالأملِ المنشودِ ويُفْتحُ للآتينَ ذراعَ وخلال البوحِ المرِّ وهمسِ العاشقِ للمعشوقِ يكون هناكَ حديثُ حنينٍ ومناجاة... ما أروع أن تُفْتحَ صفحاتٌ.. ما أصعبَ أن نطوي صفحات. من كلٍّ منها حقبةُ عمرٍ أو تأريخٌ للإنسان.
الرحلةُ بدأت والأفكارُ تتالت.. تزحمُ كلُّ نزوعٍ وتلوحُ على أفقِ اللحظاتِ بروقٌ تُومِضُ كالأجرامِ ورقيبُ الغربةِ لا ينفكُّ يعزِّزُ تأجيجَ الترحالِ ويسارِعُ بالخطوِ الوثّابِ ويتركُ أعباءَ الأقدارِ أرخى للمهرِ عنانَ السَّبْقِ وطارَ على صفحاتِ الماءِ وغزا في الّليلِ جناحَ الليلِ وأشْعلَ في الظُّلماتِ حريق.. ما زال يغامر في التجوالِ ويعبُرُ آلافَ الأميال.. لحظاتُ العَوْدِ حنينٌ ينفُذُ للمجهول.
تتداعى كلُّ حصونِ المالِ وتركعُ جاثيةً خجلى ويصيحُ نداءٌ بعدَ نداءٍ في خفقات القلبِ رهيب وأوارُ الحبِّ تمرَّدَ في ذعرٍ ونحيبٍ والصمتُ اجتاحَ حدودَ الصمتِ وأعلنَ عن بدءِ الإعصارِ.. ما زال صراعٌ في الأحشاءِ يثور على نغم المزمار.. ما زال يعاندُ سِحْرَ الزهوِ ويجنح في عنف للنار.. ما زال يباعِدُ كل رتيبٍ أوْغَلَ في عشقِ الأسفار.. كم حط على شطآنِ الصبحِ ونامَ على زَنْدِ الأقدار؟ كم قلَّبَ في البلدانِ شراعاً لاحَ وكان هو البحّار؟.. وعلى كتفيه تدلّت أشلاءُ التّذكارِ وانْسدَلَ ستارٌ دون الغربِة بعد ستار.. ما أجمَلَ أن تزهو النجماتْ.. ما أعذَبَ سلسالَ الأفكار.. امضِ يا مهرُ فها قد عدتُ إلى الأحباب وها قد جئتُ إلى الأقمار.
ما أروعَ أن تُفتحَ صفحاتٌ.. ما أصعبَ أن نطوي صفحات.. امضِ يا قلبُ وانهلَ من رضابِ العشقِ غيثاً.. واعطِ للتربِ من غيثِ الصبِّ قطراتْ.
غسان عبد الله