مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: "تفاجأنا بتأييد أصدقائنا في التيار الوطني الحر لجهاد أزعور وهو من قالوا عنه بالأمس: "أن الإبراء له مستحيل" فكيف تحول إلى ممكن بين ليلة وضحاها؟!!"

العدد رقم 392 التاريخ: 2023-06-09

إنها المقاومةُ نور الله في أرضنا

غسان عبد الله

عند بدايات أيار هذا.. وبجانِبِ الشاطئ‏ الذي رأيتُهُ مرةً واحدةً هذا العام..‏ استَعَدْتُ أخيلتي‏ كي أروّضَ السهوبَ..‏ وكي أودِّعَ ما تبقى لي من اللغةِ..‏ فلربما‏ يغادرني وجهي‏ لألتقِطَ الرائحةَ التي ستُمَهِّدُ للخلاص أو للخراب..‏ ولأمتشقَ الفرار‏ كي يدخل بإصرارٍ موئلَ البرودةِ.. بجانبِ الشاطئ‏ سيكونُ للنفير‏ بهجةٌ نائمةٌ‏ وانحناءةٌ مبجّلة‏..

أنا خَشَبٌ صامتٌ‏ وانقسامٌ تحوَّل إلى ما لستُ أدري.. ومن حولي‏ قد يظلّ البياضُ بطيئاً‏ ودافئاً‏ ومذاباً كارتعاشةٍ.. ثم هذه الرطوبةُ حولَّتني إلى اشتعالْ‏.. وإلى نشيدٍ يرتدّ كصخرةٍ..‏ وإلى‏ صدى خائفٍ.. وإلى محاولةٍ تجيءُ على شكل قمر‏.

سأفترضُ جهةً عليلةَ الهواءِ.. وممتلئةً بالورودِ‏ وتعرِفُ‏ متى أستيقظ ومتى يكون دمي على هيئة مخملٍ جيّد‏.. وحين أمتلئُ بضوءٍ عابرٍ لن يكونَ للأزمنةِ‏ جهاتٌ‏ كي تظلَّ تبحثُ عن بقاءٍ‏ أكثرَ عمقاً من الشهداء‏.. وعلى كلِّ حال‏ أنا ضدّ الافتراضِ وضدّ أي شيءٍ‏ يشبه أي شيءٍ آخر‏.. وأنا أيضاً‏ لا أستطيع إلاّ أن أكون جبلاً مثَلَ مقاومٍ‏ لأتعلَّمَ الدعاءَ‏ وكيف أشتعل.. أنا‏ متَّهمٌ بهدفي.. وبإضاءةٍ‏ قضمت سلاحنا العميق.‏. بمقاومةٍ لا أُنكِرُها.. لكنني عاشقٌ حدَّ الثمالةِ فماذا أصنع؟. ‏

وحدَها هذه المقاومة هي التي عرّفتنا بلونها‏ وباختزالِها للعدم..‏ في عمقِها‏ نعضُّ العتابَ‏ لنرى مجرانا فيها‏.. دلالتُها‏ تحتَنا‏ وبحاجةٍ إلى ترسّبٍ يغلّفها‏ وبحاجةٍ أيضاً‏ إلى غذاءٍ راكد‏.. جراحاتُنا‏ لها‏ وفيها‏ ننام‏.. لا سرّ فيها‏ كي نكون أحراراً‏ نراقبها‏ لترتفع..‏ ومن أحزاننا‏ سنعرف كلَّ شيءٍ‏ عن‏ بعضنا البعض.. لا بدَّ من فاصلةٍ لهذه الحبيبةِ الأبديةِ التوقُّدِ.. لا بد من فاصلةٍ للمقاومة.‏

في شهرِ أيار من كل عام.. يفِدُ هذا الضياءُ العظيم.. وثمة من يريدون أن يطفئوا هذا النور.. كيف؟؟.. هل يتأتّى أن يطفئوا نور الله.. إنها المقاومةُ نور الله في أرضنا.. لن يطفئوها أبداً.

ثمة من شعارهم للانتخابات المقبلةِ نزعُ سلاحها!!.. لا لشيء فقط لأنها تبعثُ بالضياء يعمُّ أرجاء الوطن وهم الذين عملوا عمراً ليطفئوا كلَّ بصيص ضوء كي لا يكون.. هذا الضياءُ الذي عرَّجَ عليَّ أحْرَجَ خزائني الفارغةَ ومقترحاتِ الغناء التي افترضْتُها لشعبي والصفحات التي زينتها بالموسيقى.. الضياءُ الذي عرَّجَ عليَّ أشار إلى عينيَّ.. فنمتُ.. أشارَ إلى منامي.. حَلُمْتُ.. أشارَ إلى حلمي.. فتطايرَ المكان.

مرَّ بي على بقايا البلادِ.. أطلالٌ، وغرقى، توابيتُ معتَّقةٌ، وخيولٌ عمياءُ يلتهمها الحريق.. سياسيونَ من الطرازِ المندثِرِ على عتباتِ الذُّل.. منظماتٌ للمجتمع المدنيِّ تعملُ وكأنها عساكرُ للدول المهيمنة.. الضياءُ عرج إلي وأدْخَلَ القمرَ إلى غرفتي وأشعلَ سكوني.. أراني البحارَ تتحطَّمُ.. وحين خَلَدَ الرُّبّانُ إلى النومِ أقلعَ بنا القاعُ.. ونسينا تنفُّسَنا على المراكبِ نفتّش عن أدلائنا ونمسحُ الخسارةَ بالسكوت.

هذا الضياءُ يا أحبَّتي.. تذوّقَ قلبنا وأخرجَ من الجليدِ مراكبنا وتوابيتنا الناشفة وأشعلَ بيوتنا وبحارنا وأمكنتنا ضخَّ الدمَ إلى وريدنا شدّنا إلى اليقظة من أثوابنا فاشتعلنا نبحثُ في الأماكِنِ كالحريقِ عن رصاصِه المغرِّدِ على مئذنات عزتنا.

يا ذا الضياءُ الذي وفَدَ.. وعرَّجَ على الذاكرةِ يُوقِدُها.. تذكَّرْ من هنا مرّوا، ومن هنا اندحروا، ومن ها هنا، يبتدئُ الزمانُ رحلَتَهُ نحو الألقِ الأبديِّ في أفقِ عذاباتِنا، من ها هنا مرَّتْ جحافلُهم، ومن ها هنا اشتعَلَتْ بنادِقُ الأحبةِ في صدورهم فكان الفجرُ، وتوقَّفَتْ دورةُ الأحزانِ بقلبي.. فكن يا ذا الضياءِ رفيقاً بي.. واتركِ التفاصيلَ للصباحاتِ القادمةِ، غداً بعد الخامس عشر من أيار سيكون فجرٌ لا مكانَ فيه للنجوم والأقمار، وحدها الشمسُ ستأخُذُ بتلابيب الفضاء، ووحدهُم الأبطالُ يفرشون الترابَ للضياءْ.

إخترنا لكم من العدد