الكيان الصهيوني المستفيد الأول من التطبيع المتسارع مع المغرب
توفيق المديني

الكيان الصهيوني المستفيد الأول من التطبيع المتسارع مع المغرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توفيق المديني
ـــــــــــــــــــــ
المتابع لحركة التطبيع بين الكيان الصهيوني والنظام المغربي، يكشف تلاحق زيارات المسؤولين الإسرائيليين للرباط وتوالي اللقاءات المشتركة مع وزراء ومسؤولين مغاربة بما يؤكد تسارع وتيرة التطبيع بين إسرائيل والمغرب.
ففي 25 تموز/ يوليو 2022، تزامن وصول وزيرين إسرائيليين إلى المغرب هما وزير العدل جدعون ساعر وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج. ووقّع ساعر مذكرة للتعاون القضائي مع نظيره المغربي عبد اللطيف، كما عقد لقاءات أخرى مع وزراء ومسؤولين مغاربة آخرين من بينهم فوزي لقجع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، وبحث معه سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
ويُعَدُّ وزير القضاء الإسرائيلي من المؤيدين بالمطلق للجنود الصهاينة الذين يواصلون ارتكاب جرائهم وعدوانهم الغاشم على الشعب الفلسطيني في غزة. وقد ركز وزير القضاء الإسرائيلي في زيارته هذه للمغرب على البعد الأمني للعلاقات المغربية – الإسرائيلية، علماً أنَّ الأمن ليس من اختصاصه، باعتباره وزيراً للقضاء. أما فريج وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، فقد فقاد وفد المباحثات مع مسؤولين مغاربة تناولت سبل تعزيز التعاون في شؤون البلديات.
وفي 18 من يوليو 2022، حل رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، في زيارة عمل للرباط، التقى فيها كبار المسؤولين العسكريين المغاربة ناقشت تعزز التعاون الثنائي في مجال الدفاع بين وزارتي الدفاع الإسرائيلية والمغربية.
ويوم الإثنين 20 يونيو 2022، زارت وزيرة الداخلية الإسرائيلية أييليت شاكيد الرباط، في ثالث زيارة رسمية لوزير إسرائيلي إلى المغرب منذ توقيع اتفاق السلام.
وكان الكيان الصهيوني قد وقّع مذكرة دفاع تفاهم دفاعية مع المغرب، في نهاية نوفمبر 2021، الأمر الذي مهد الطريق للمبيعات العسكرية والتعاون العسكري بينهما لا سيما بعد رفع البلدين مستوى علاقاتهما الدبلوماسية في العام الماضي.
وجاء توقيع المذكرة خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس للمغرب، حيث عقد غانتس محادثات مع عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني ومسؤولين آخرين. وينص هذا البروتوكول بشكل خاص، وفقاً للجانب الإسرائيلي، على "تسهيل حصول المغرب على التقنيات من الصناعة العسكرية الإسرائيلية القوية".
البعد الأمني والعسكري للتطبيع
منذ تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والمغرب في 10 ديسمبر 2020، وإعلان إسرائيل والمغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد توقفها عام 2000، إثر تجميد الرباط العلاقات جراء اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والمغرب هو رابع دولة عربية توافق على استئناف التطبيع مع إسرائيل خلال 2020، بعد تطبيع الإمارات والبحرين والسودان، بينما ترتبط مصر والأردن باتفاقيتي سلام مع تل أبيب، منذ 1979 و1994 على الترتيب، احتل المجال الأمني والعسكري مركز الصدارة في العلاقات الإسرائيلية - المغربية.
فمن وجهة نظر إسرائيلية، يشكّل البعد العسكري والأمني اليوم المفتاح لأي علاقات مع الدول العربية، بعد أن كانت في سنوات ماضية تقبل بكل سرور بأي شكل من أشكال التعاون في أدنى مستوياته. وفي الحالة المغربية، يلمس المراقب بوضوحٍ أنَّ المغرب ليس دولة مواجهة مع الكيان الصهيوني، وهو بعيد من الناحية الجغرافية عن أرض الصراع العربي - الصهيوني، ومع كل ذلك، ونظراً لطبيعة النظام الذي يقوده الملك محمد السادس، وتركيزه بشكل رئيس على قضية الصحراء، بوصفها القضية التي تعدُّ من وجهة نظره أكبر من القدس وقضية فلسطين، فإنَّه أصبح يستقوي بإسرائيل ليس في نطاق التطبيع فقط، وإنما كحليف استراتيجي من أجل مواجهة الدولة الوطنية الجزائرية الحليف الرئيس والداعم العسكري والسياسي والديبلوماسي لجبهة البوليساريو، التي لا تزال ترفض الحلّ المغربي لقضية الصحراء في إطار الحكم الذاتي.
ويستغلّ الكيان الصهيوني خلافات الدول العربية مع الأطراف الإقليمية القوية في كل من المشرق العربي والمغرب العربي لكي يطرح نفسه ليس كوسيط فقط، وإنما كطرف في النزاعات.
ففي المشرق العربي، أصبحت إيران القوة الإقليمية الصاعدة الداعمة لحركات المقاومة العدو الرئيس لبعض الدول الخليجية، لذا قامت هذه الأخيرة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وإقامة علاقات ديبلوماسية كاملة معها، ووقّعت معها اتفاقيات عسكرية وأمنية واقتصادية، بل والاستقواء بها كحليف استراتيجي إقليمي بعتادها العسكري والسيبراني، وأجهزتها الأمنية.
وفي منطقة المغرب العربي، تحوّل الكيان الصهيوني إلى المزود الأول للسلاح للمغرب، من خلال الصفقات التي زوّدت بواسطتها إسرائيل المغرب بوسائل قتالية ومنظومات دفاعية وبرامج هجوم سيبرانية، (مثل برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" من تطوير شركة "أن أس أو" (NSO).، حيث ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أخيراً أن المغرب استخدمه للتجسس ضدّ الصحافيين والإعلاميين والسياسيين الذين يعارضون سياسة الملك محمد السادس في الداخل والخارج، وكذلك استخدم للتجسس على هاتف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
فبحسب تقرير لصحيفة "هآرتس"، نشر بالتزامن مع زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي للرباط في 18 من يوليو 2022، التي التقى فيها كبار المسؤولين العسكريين المغاربة، فإن العلاقات والتعاون الأمني والاستخباراتي بين إسرائيل والمغرب يعود لسنوات طويلة إلى الوراء، منذ ما بعد حرب يونيو/ حزيران 1967، حتى إنه كان للموساد مكتب ومقر في المغرب. وفي تلك الفترة باعت إسرائيل المغرب مخلّفات عتادها العسكري فرنسي الصنع، ولا سيما الدبابات والمدافع، عدا عن تزويد المغرب بخبراء ومستشارين عسكريين في حربه ضد جبهة "البوليساريو" في الصحراء.
وفي عام 2014، اشترى المغرب من إسرائيل طائرات بدون طيار من طراز "هارون" بـ 50 مليون دولار. وفي 2021 زوّدت إسرائيل المغرب بوسائل قتالية ومنظومات دفاعية، كما اشترت المملكة من إسرائيل "مسيّرات انتحارية" من طراز "هاروب".
وفي مطلع العام الحالي أفادت تقارير بأن الصناعات الجوية الإسرائيلية ستزوّد المغرب بمنظومات دفاعية من طراز "براك إم إكس" المضادة للطائرات وكل أشكال التهديد الجوي، من المروحيات والمسيرات وانتهاء بالصواريخ الموجهة.
يأتي كل هذا الدعم الأمني والعسكري الإسرائيلي للنظام المغربي، في سياق المخطط الأمريكي - الصهيوني، الذي يستهدف تفكيك وإسقاط الدولة الوطنية الجزائرية، التي لا تزال تناصر القضية الفلسطينية، وتدعو إلى احتلال سورية مقعدها الطبيعي في جامعة الدول العربية.
المغرب يتنكر للقضية الفلسطينية
على الرغم من أنَّ الملك محمد السادس هو رئيس لجنة القدس، ويتباهى بولاء الجالية اليهودية المغربية التي استوطنت في فلسطين المحتلة للمغرب، فإنه يتجاهل أنَّ يهود المغرب الذين جُلِبوا إلى فلسطين في خمسينيات القرن الماضي، قد استوطنوا في قرى وبيوت الفلسطينيين الذين طردهم الاحتلال الصهيوني من أرضهم، كما يغضّ الطرف عن أن المستوطنين من اليهود المغاربية قد محوا حياً مغربياً كاملاً، قرب باحات المسجد الأقصى لصالح بناء أول بؤرة استيطانية في محيط الحرم القدسي عند باحات ساحة البراق، إلا أن كل هذه العبارات التي تقوم على "الحنين للماضي ليهود المغرب" ليست أكثر من شعارات وبيع للوهم من جهة ومحاولة ترسيخ "علاقة أخوية" بين الشعب المغربي وبين المجتمع الإسرائيلي الصهيوني، ومحاولة كسر تقليد السلام بين الأنظمة، للقفز إلى سلام بين الشعوب.
تُعَدُّ دينامية تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية خنجراً مغروساً في ظهر القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من التعهدات المغربية بالتوسط لاستئناف مفاوضات السلام، لكنَّها لم تقدّم شيئاً لصالح الشعب الفلسطيني، بل إنَّ العلاقات الثنائية بين الرباط وتل أبيب تصبُّ لصالح الإسرائيليين حتى الآن. فإسرائيل تفضّل التحالف مع المغرب، وهذا ما لن يقبل به الشعب والنُخَب في المغرب.
وتعمل إسرائيل على دقّ إسفين في العلاقات الأخوية بين الشعب المغربي والشعب الفلسطيني، من خلال استعدادها لجلب آلاف العمال المغاربة في شتى فروع أعمال البناء، لسدّ النقص في العمالة المحلية، بفعل الحصار والحواجز والشروط التي تفرضها دولة الاحتلال على منح تصاريح للعمل في إسرائيل للعمال الفلسطينيين، مع اعتماد دولة الاحتلال على ما تفترضه مسبقاً بالأجور المتدنية للعمال المغاربة مقارنة بالفلسطينيين.
وفي ظلّ العدوان الصهيوني المستمر على الشعب الفلسطيني في غزة، والذي خلّف أكثر من 43 شهيداً، وصف بيان وزارة الخارجية المغربية العدوان الغاشم على شعبٍ أعزل بأنه "أعمال عنف" و"اقتتال". وفيما فضّلت أحزاب الأغلبية الحكومية، وتلك التي تساندها الصمت، صدرت بيانات قوية مندّدة بالعدوان، ومنتقدة أيضاً موقف الخارجية المغربية، عن عدة أحزاب يسارية معارضة: التقدّم والاشتراكية، والاشتراكي الموحد، وفيدرالية اليسار، والنهج الديمقراطي. كما صدرت ردود فعل قوية مندّدة بالموقف الرسمي المغربي عن هيئات سياسية ومدنية، أبرزها موقف جماعة العدل والإحسان الإسلامية، والفعاليات المغربية المساندة لفلسطين والمناهضة للتطبيع.
يقول الكاتب المغربي علي أنوزلا في مقالته المنشورة بصحيفة العربي الجديد تاريخ 10 أغسطس 2022، والذي ينتقد فيه بيان وزارة الخارجية المغربية الهزيل: إذا كانت نظرة الحكومة المغربية إلى قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد تغيّرت منذ توقيعها على اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، فإن الموقف الشعبي المغربي من هذا الصراع لم يتغير، فأغلبية الرأي العام المغربي لا تزال مؤيدة بقوة للقضية الفلسطينية، وما زالت هذه القضية قادرة على تعبئة شرائح واسعة من المغاربة، ولولا قرارات منع الفعاليات المؤيدة للقضية الفلسطينية في المغرب، لشهدنا خروج مسيرات حاشدة مناصرة للحق الفلسطيني ومدينة للعدوان الإسرائيلي وكل المتواطئين معه. وعلى الرغم من كل قرارات التطبيع التي يجري فرضها على الشعب المغربي، ما زال للقضية الفلسطينية تأثير كبير على شرائح واسعة من الرأي العام في المغرب. وأكثر من ذلك، ما زالت القوى التقدّمية والديمقراطية، يسارية وليبرالية وعلمانية وإسلامية، تربط بين تأييدها للقضية الفلسطينية، على اعتبار أنها قضية عادلة، ونضالها من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة في بلدها المغرب.