مناورات واشنطن وسيول العسكرية: الرسائل لبيونغ يانع والعين على بكين
ابتسام الشامي

مناورات واشنطن وسيول العسكرية:
الرسائل لبيونغ يانع والعين على بكين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
على مدى الأسبوع الأخير من شهر آب الماضي أجرت القوات العسكرية الأمريكية مناورات مشتركة مع نظيرتها في كوريا الجنوبية، حملت الكثير من رسائل التصعيد والردع، لم تكن كوريا الشمالية المعني الوحيد بها وإنما الصين أيضاً، في ما بدا استفزازاً أمريكياً جديداً يستكمل ما تقوم به واشنطن في تايبيه ضد بكين.
استئناف المناورات
ليست المرة الأولى التي تجري فيها القوات العسكرية الأمريكية مناورات مشتركة مع القوات العسكرية في كوريا الجنوبية، لكنّ التوقيت السياسي للمناورات وما حملته من رسائل، أضفى عليها المزيد من الخصوصية، لاسيما وأنها تأتي في ذروة التطورات الجارية في أوكرانيا على خلفية الصراع الروسي الغربي، وما يخلّفه من تداعيات عميقة في مشهد النظام العالمي الجديد الآخذ في التشكّل على أنقاض الأحادية الأمريكية التي تحكمت بإدارة العالم منذ نهاية الحرب الباردة.
المناورات المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية، وهي الأكبر بين البلدين منذ عام 2018، حملت اسم "درع الحرية - أولتشي"، وجاءت بمثابة انطلاقة جديدة للمناورات المشتركة بعد توقف قصري فرضه تفشّي وباء كورنا، وخطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بمحاورة كوريا الشمالية لوقف أنشطتها النووية. وبين الثاني والعشرين من آب الماضي والثلاثين منه، أجرت القوة المشتركة من القوات الكورية الجنوبية والأمريكية، تدريبات بالذخيرة الحية، على بعد أقل من 20 كيلومتراً من الحدود المحصنة مع كوريا الشمالية، وشملت المناورات التدريب على المدفعية والدبابات وأسلحة أخرى، وشاركت فيها طائرات وسفن حربية ودبابات، كما تخللها تدريب على كيفية التعامل مع "أي عدوان" وذلك بعد اسبوع فقط من إعلان وزارة الدفاع الأمريكية أن كلّاً من واشنطن وسيول وطوكيو "أنهت مناورات بحرية مشتركة بالقرب من هاواي، للرد على التحديات الآتية من كوريا الشمالية"، تدرّبت خلالها القوات المشاركة "على التحذير من الصواريخ، والبحث عن الصواريخ الباليستية وتتبعها".
الأبعاد السياسية للمناورات
المناورات العسكرية المشتركة بين قوات كوريا الجنوبية والقوات الأمريكية لم تخلُ من الرسائل السياسية والردعية، على الرغم من حرص الجنرالات المشرفين عليها التأكيد على طابعها العسكري. ففضلاً عن إجرائها في ذروة الاشتباك الغربي الروسي في أوكرانيا، ظللها تقدير لدى كل من واشنطن وسيول بأن بيونغ يانغ تعتزم إجراء تجربتها النووية السابعة، وبالتالي يمكن الاستنتاج أن توقيتها السياسي، حمل رسالة ردعية لكوريا الشمالية من مغبّة تنفيذ التجربة وما يمكن أن يترتّب عليها من تداعيات، لاسيما في ظل العبر المستفادة من التجربة الأوكرانية. وفي هذا السياق قال الكولونيل الأمريكي، براندون آندرسون، "إن التدريبات لا تستهدف أي خصم، وإن الغرض منها محاكاة قتال عدو يمكنه مضاهاة الحلفاء في القدرات. وأضاف قائلاً "نحن نتدرب على عمليات قتالية واسعة النطاق". مشيراً إلى أن "الصراع في أوكرانيا أعطى دروساً عن أهمية تحسين قدرات المدفعية البعيدة المدى والمراقبة والاستطلاع".
وبعيداً من التسويق الإعلامي والعسكري الأمريكي بأن كوريا الشمالية بصدد إجراء التجربة النووية السابعة، وبالتالي حصر رسائل التدريبات العسكرية "بالدولة المارقة"، بدا واضحاً أن المناورات تستهدف بشكل أو بآخر الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية الراعية السياسية لكوريا الشمالية وأنشطتها النووية، خصوصاً إذا ما أخذنا بالاعتبار المعلومات التي تتحدث عن عودة الولايات المتحدة الأمريكية الى نشر أصول نووية في سيول كانت قد أزالتها بطلب من الأخيرة عام 1991، ويعني هذا التطور الذي تبرّره واشنطن وسيول بتجارب بيونغ يانغ النووية، يعني استفزازاً كبيراً للصين التي تحاول الولايات المتحدة تطويق نفوذها وجغرافيتها الواسعة من مختلف الاتجاهات.
على أن الحديث عن نشر أصول استراتيجية نووية أمريكية في كوريا الجنوبية، لم يصدر بناءً لتحليلات خبراء واستراتيجيين وإنما بناء لمعلومات رسمية، لمح إليها مؤخراً بيان مشترك لوزارتي الدفاع الأمريكية والكورية الجنوبية بعد اجتماعات جرت بين مسؤولين من الوزارتين لتدارس تفعيل التحالف الوثيق بين الجانبين. حيث لفت البيان إلى أن المسؤولين الأمريكيين أعادوا التأكيد على "التزام بلادهم الصارم بالدفاع عن كوريا الجنوبية، والاستفادة من النطاق الكامل للقدرات العسكرية الأمريكية، لتشمل القدرات النووية والتقليدية والدفاع الصاروخي والقدرات غير النووية المتقدمة الأخرى". وكان لافتاً في البيان اللغة التهديدية التي حملها لكوريا الشمالية في حال إجرائها تجربة نووية، "فإن الجانبين - أي الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية - سيتدخّلان في رد ثنائي قوي وحازم". وأشاد البيان بالتحسينات التي أدخلت على نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي، "ثاد"، الموجود في كوريا الجنوبية منذ عام 2017، "لحمايتها من صواريخ كوريا الشمالية"، وهي المنظومة التي تعارض الصين وجودها على مسافة قريبة منها وتعتبرها تهديداً مباشراً لها، وهو ما أشار إليه خبراء تحدثوا لصحيفة "ساوث تشاينا مورننغ بوست". في هذا السياق تنقل الصحيفة عن المحلل السياسي في مؤسسة "راند" الأمريكية، سو كيم، قوله، إن البيان المشترك أظهر أن التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يتطور ويتوسع في ما سماه مواجهة التهديدات، قبل أن يستدرك بملاحظة مهمة وهي أن "سيول قد لا تكون على استعداد للذهاب إلى المواجهة بالمستوى الذي تريده الولايات المتحدة أن يشكل تحدياً للحكومة الصينية" التي تعتبر أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية. لافتاً إلى أن تردّد الرئيس الكوري الجنوبي في مقابلة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، شخصياً في زيارتها الأخيرة لبلاده، "كشف عن حساسيات سيول المستمرة إزاء رد فعل بكين".
خاتمة
في استراتيجيتها لتطويق الصين ومنع تمدُّد نفوذها المهدِّد لمكانتها الدولية، تستنفر الولايات المتحدة الأمريكية كلّ طاقاتها وعلاقاتها وتحالفاتها، وتضع العالم على حافة حرب كبرى جديدة، ومغامرة عسكرية كمغامراتها السابقة التي زرعت الكون دماراً وقتلاً وتشريداً، لأجل أن تتربع وحدها على عرش العالم. ولعل جموحها الحربي في هذا التوقيت يؤشر بعمق أن ذلك العرش القائم على أعمدة الإرهاب والحروب، يهتز بقوة تحتها ويضع حداً لأحاديتها.