عصيٌّ على الموتِ.. "إلى الفتى الفلسطيني الشهيد"
غسان عبد الله

آخر الكلام
عصيٌّ على الموتِ..
"إلى الفتى الفلسطيني الشهيد"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غسان عبد الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عُدْ سالماً مثلما جئتَ مرتدياً معطفَ الغيمِ الشتوي
وَعُدْ سالماً تحت جنح عقيق الغروبِ،
لئلا يباغتَ ليلٌ غريبٌ خطاكَ، ويسرقَ منك سرير المساءْ.
عصيٌّ على الموتِ.. يا بطلي،
بعد بدرين، أو فلنقل بعد حلمينِ، تصبحُ عصفاً طويلَ المدى،
لا تَسيرُ وفوقَكَ غصنٌ يمرُّ..
لأنَّ الطّيورَ ستتعبُ حتى تحطَّ على كتفيكَ
عصيٌّ على الموتِ.. يا بطلي،
ويعزُّ على جبّةِ الأزرق السرمديِّ اختطافُك من روحك العلوية
ما زلتَ أَيسرَ من أيّ عصفورةٍ في الظلامِ على الصَّيدِ
أهونَ من زهر لوزٍ على غضبة البردِ
لكنك صعبُ المراس... وهجك قبسٌ من كف العباس..
عُدْ سالماً.. لا يليقُ بعينين لوزيّتينِ
سوى فتح نافذة لرؤاها بصدر السمواتِ
كي تُسقِطَا نجماتِ اليهودِ بكأسِ يديكَ
فترقصُ من رنّةِ الضوءِ حين تلامس قمحَ خدودكَ
عد سالماً.. قبل ينتشرُ الشوكُ تحت لحاءِ الطريق ويخرجُ ماردُ ليل البكاءْ.
عصيٌّ على الموتِ..
بضعٌ وعشرون نجمةً عَلَّقتَ في عقدِ عمركَ
لم تأخذ وقتاً لتحفظَ عشبَ الحدائقِ عن ظهر قلبٍ
وتلعبَ مع حفنةِ الغدرِ في كرةِ النار،
وقتاً لترسم قوساً على صفحة النصر
أنت وأرجوحةٌ تتشبثُ كلتا يديها بغصن صنوبرةٍ
ثم وقتاً لتنسى سذاجة دمعكَ حين يدبُّ النعاسُ على كفِّ جفنكَ
وقتاً لتتركَ للقادمينَ قليلاً من اللّعب الغاليات على ذكرياتكَ
عُدْ سالماً قبل أن يركبَ الموج أفراسَهُ
غادِرِ الآن رملَ قلاعكَ كيما تعودَ غداً
ويداك أشدُّ اسمراراً وأرحب من ملعب الكونِ
عُدْ حين تغدو البحارُ بلا عملٍ غير ترتيبِ ثوب السماءِ على وجهِ مرآتها
حين تبدو الملوحةُ وادعةً كعجوزٍ تصفِّف أيامها الباقياتِ بصنّارة الصوفِ
عُدْ حين تحفظُ كلَّ الأسامي وتنبتُ من شفتيك الفراشاتُ بعد الغناءْ.
ستكبرُ قبلَ النجوم البعيداتِ والمدنِ الساهراتِ بلا قمرٍ
والقلوبِ التي قُطفت من ظهورِ الحجارةِ
فاغفُ على سيرة السنديانِ ولو غيمةً
لتهبَّ الرياح الصبيّةُ سمراءَ من غير سوءٍ كشال الذهبْ.
ستكبر ما بين بدرينِ أو فلنقل بين حلمينِ،
فاترك لذرّاتِ حبرٍ جليلٍ مكاناً
لتدرك كيف تفيق مآذن كفّيكَ حين ينام التَّعبْ.
وما بين حلمينِ خذ بِيَدِ الكلماتِ وَدَعْهَا تدُقُّ كؤوس المعاني
ودعها تشمّسُ أحلامَها فوقَ حبلٍ يسيلُ كدمعِ الغمامْ
من الغيثِ حتى السنابلِ
حبلٌ له الأرضُ خضراءُ.. خضراء حتى يكلَّ الربيع الصغيرُ
فيهديه جوريةً يستعين بها حين يخجل خداهُ
خذ بيد الكلماتِ ودعها تعيدُ عليك الحكايةَ:
اِقرأْ... فلا ترتعشْ وتزمَّل بسرب شقائق نعمان حتى تهزَّ جذوع الكلامْ.
وخذ بيدِ القبّرات بعيداً عن البحرِ تهديكَ طبعَ الغمامْ.
ستأتي يا بطلُ قبل أن يعقد البحرُ ألسنةَ الموجِ
لا تبتئسْ فلديكَ من العمر متسعٌ.. ولديك من الأرضِ متسعٌ خلف هذي المقابرِ..
في العمر متسعٌ للخيامِ ومتسعٌ ليطير الحمامْ.. وتسيرَ القبَّراتْ.
عصيٌّ على الموتِ.. يا بطلُ.... وعلى صمتِ الجهاتْ..
كم أودُّ لو أنك حين تغيبُ تموتُ الملوحةُ في البحرِ
ثم تدور بنا الأرضُ حلماً، وزيتونةً، ويماماً، فتهطلُ على يبابِ العمرِ سماؤنا..
وترشُفُ الأرضُ من دمك الجليلِ قطرات..
لتُنبتَ شجيرة العزِ أوراقها دموع الأمهات.