"إسرائيل" وأذربيجان عدوٌّ على حدود إيران
هيثم أبو الغزلان

"إسرائيل" وأذربيجان عدوٌّ على حدود إيران
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هيثم أبو الغزلان
ــــــــــــــــــــــ
وصفت وزارة الخارجية "الإسرائيلية" في بيان لها موافقة البرلمان الأذربيجاني فتح سفارة لدى "إسرائيل" في تل أبيب، بأنّه "تاريخيّ". ويأتي هذا القرار في سياق ما عمِل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو للحصول عليه. فهو يعمل على الاستفادة من مسار التطبيع مع دول عربية وإسلامية عديدة لتسريع قطار التطبيع.
فقد قام في تشرين الأول2019، بأوّل زيارة علنيّة إلى سلطنة عُمان، وفي شباط 2020 التقى رئيس المجلس السّيادي في السودان، عبد الفتاح البرهان، في أوغندا.. وصولاً إلى قرار البرلماني الأذربيجاني.
علاقات تاريخية
تعود العلاقات بين "إسرائيل" وأذربيجان إلى العام 1991، حين اعترفت "إسرائيل" باستقلال أذربيجان، وفي العام 1992 بدأت بينهما علاقات دبلوماسية، في أعقاب مؤتمر مدريد لما سمي "السلام"، وانهيار المعسكر الاشتراكي الشرقي وانتهاء الحرب الباردة. وفي العام 1993 افتتحت "إسرائيل" سفارة لها في العاصمة الآذرية باكو، التي لم تفتتح لها سفارة في ذلك الوقت في "إسرائيل"، وظلّت تدار العلاقات عبر مكتب شركة الطيران الوطنية الآذرية، وذلك لتجنّب الضغوط الإسلامية ولا سيما من قِبَل إيران بسبب العلاقة المستجدة آنذاك مع "إسرائيل". ولا يمكن وصف العلاقات بينهما إلا أنها تقع ضمن الإطار الإستراتيجي. فقد أثنى وزير الحرب "الإسرائيلي" بيني غانتس على تعزيز الشراكة الأمنية في السنوات القليلة الماضية بين البلدين، الذي يعكس الصداقة العميقة بين إسرائيل وأذربيجان".
وتستند العلاقة بين البلدين على مجموعة كبيرة من المصالح المشتركة، والمصالح الذاتية القومية؛ فإسرائيل تعتبر أذربيجان ساحة أمامية لها في حربها ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. والمفارقة أن ربع سكان إيران هم من أصل آذري. وتمتلك "إسرائيل" بحسب صحيفة الصانداي تايمز، مواقع متقدمة في أذربيجان للتنصت على إيران وجمع المعلومات الاستخبارية عنها، وربما تنفيذ عمليات اغتيالات وتخريب داخل الجمهورية الإسلامية. وقد اعتبر البروفسور دان شابيرا من قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان في تصريحات صحفية أن التحركات في الفترة الأخيرة تشير إلى أن احتمال مواجهة عسكرية بين أذربيجان، وإيران يقترب.
الرد الإيراني
وإزاء هذه التهديدات لم تقف إيران مكتوفة الأيدي فقد أجرت أكبر مناوراتها العسكرية منذ ثلاثين عاماً على الحدود الأذربيجانية في العام 2021. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إن إيران "لن تتسامح مع وجود الكيان الصهيوني (إسرائيل) بالقرب من حدودها، وستتخذ الإجراءات الأمنية التي تراها ضرورية".
لا شك أنّ التطبيع واستخدام "إسرائيل" سياسة "شد الأطراف" له تأثيرات على إيران؛ فـ "إسرائيل" عملت على أن تتحوّل إلى قوة إقليمية مهيمنة في الشرق الأوسط، تسيطر على الموارد، وتبسط نفوذها السياسي على منطقة مجزّأة طائفياً ومذهبياً وعرقياً، كما لو أنّها جزء من نسيج المنطقة. وقد وثّقت "إسرائيل" علاقاتها وفق سياسة "حلف المحيط" واستطاعت أن تقيم علاقات خاصة مع دول عديدة منها أذربيجان. الدولة التي اعترفت بها "إسرائيل" منذ العام 1992، ليشكّل الاختلاف العرقي مع إيران والمذهبي مع تركيا مرتكز العلاقة التحالفيّة بين البلدين، من أجل الوصول إلى مركز نفوذ في الشرق الأوسط، والتأثير بتشكيل الإستراتيجيات في مناطق العالم، والحضور في بلاد آسيا الوسطى الإسلامية، ومنع النفوذ العربي والإسلامي هناك. وعلى هذا فإن الخلاف بين إيران وأذربيجان اعتبرته "إسرائيل" أرضية خصبة لمد وتعزيز نفوذها في منطقة بحر قزوين ودول القوقاز وآسيا الوسطى، من أجل محاولة إكمال "طوق النار" "الإسرائيلي" حول إيران، وهذا تطبيق لمشروع "إسرائيلي" سري يعمل على تهويد أجزاء واسعة من العاصمة باكو، وإعطاء الآلاف من الوحدات السكنية لليهود، واتفاقها مع تل أبيب على اتخاذها مقراً إستراتيجياً رئيسياً لتحقيق سياستها في المنطقة.
وفي دراسة أعدّها الجنرال المُقرّب من "بنيامين نتنياهو" "إيال زامير"، ونشرها "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، وأعاد نشرها موقع (الخنادق 6 تموز/يوليو 2022) تحت عنوان: "مواجهة استراتيجية إيران الإقليمية، نهج طويل الأجل وشامل". وتتلخص بأنّ الرّد المُنسّق على ما وصفه بالعدوان الإيراني (محور المقاومة والقدس)، أن يحافظ على المصالح الأمريكية والغربية، ويعزز حلفاء أمريكا من العرب وإسرائيل، وتعزيز الاستقرار الإقليمي. هذا الاستقرار الذي تسعى إيران بحسب زامير إلى زعزعته وبسط نفوذها في المنطقة، مضيفاً أنّ حرس الثورة الإسلامية اعتمد على استراتيجية "العواصم الأربع" التوسعية لطهران، والتي ركزت على بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. وأنّ الحرس الثوري الإسلامي استغل في كل هذه الأماكن، الحروب الأهلية والصراعات بين الدول، لكي ينشر نفوذه السياسي والاقتصادي والعسكري. ويرى "زامير" في دراسته أن إيران تشكل تهديداً للكيان المؤقت بثلاث نقاط أساسية: نجاح حرس الثورة الإسلامية في إيجاد بنية تحتية عسكرية في عمق سوريا، ونشر صواريخ متطورة للغاية وطائرات مسيرة انتحارية تهدد أمن الكيان. وتصوره في كيفية التعامل بطريقة مناسبة مع القضية الإيرانية، بحيث أوصى بزيادة إلحاق الأضرار بالحرس، عن طريق التعاون مع تحالف إقليمي يتم تشكيله، بمشاركة دول الخليج ومصر والأردن. مؤكداً على ضرورة الاستمرار بتوجيه الضربات الخفية لإيران، بما في ذلك الأضرار التي لحقت بالمصانع العسكرية الإيرانية والأعمال العدائية الأخرى... ويزعم "إيال زامير" أنّ الهجمات التي تشنها "إسرائيل"، على مطار دمشق، قد أدّت إلى تعطيل المسار الجوي المانع لوصول الأسلحة إلى سوريا وحزب الله. ويتحدّث أنّ المسار البحري لا يزال نشطاً، زاعماً أن ناقلات النفط التي تحمل شحنات أسلحة، مستمرة في الوصول من إيران إلى سوريا، وفي هذا تهديد مُبطّن بتنفيذ عمليات ضد ناقلات النفط الإيرانية تحت هذه الذريعة، والتي قد لا تقتصر على "إسرائيل" فقط، بل ربّما تساعدها في ذلك أمريكا وبعض الدول العربية.
وجود كوابح
إنّ الكيان "الإسرائيلي" مستمر في عملياته العسكرية ضمن ما يُطلق عليه إجراءات "الـمعركة بين الحروب"، بهدف إحباط أو تحييد أو تقليص تهديدات داخلية وخارجية، ويستمر كذلك في الاشتباك الأمني والمواجهة البحرية ضد إيران في البحار المفتوحة وكذلك في الجغرافية السورية والعراقية.
والواضح أنّ إيجاد "إسرائيل" لشبكة من المصالح والقواسم المشتركة لمواجهة إيران ومحور المقاومة، لا يلغي وجود كوابح تمنع وصول قطار التطبيع إلى مرحلة مستقرة. فهذا التطبيع يلقى ممانعة عقدية وتاريخية وشعبية ونفسية وله من الأسباب الواقعية ما يمنع من استمراره أو نجاحه، بل يُجذّر هذا الرفض لوجود "إسرائيل" في المنطقة.