مواجهة روسيا تستنزف الغرب عسكرياً

ذخيرة أمريكية لأوكرانيا من مخازن خاصة بالكيان المؤقت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ابتسام الشامي

ــــــــــــــــــــــــــــ

على مسافة شهر من الذكرى السنوية الأولى لبداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، لا تلوح في الأفق نهاية قريبة لما يجري في الدولة السوفياتية السابقة، بعدما تحولت إلى ميدان مواجهة اطلسية روسية مفتوحة على كافة الاحتمالات، وسط إصرار طرفيها على كسب المعركة، نظراً لما في الهزيمة من تداعيات استراتيجية.

حرب عالمية ثالثة!

تخرج العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من حدودها الجغرافية، لتطال بتداعياتها العالم بأسره، وقد بات بين مشارك فيها بشكل أو بآخر، أو متأثر بتداعياتها ومترقب لنتائجها وما ستحمله من تغييرات في شكل النظام العالمي ومنظومة العلاقات الدولية، ولعلّ هذا التشابك القائم بين مجريات الحرب بما فيها من فاعلين ومتأثرين، يدفع الكثير من الخبراء والمحللين إلى وصف ما يجري بأنه حرب عالمية، ويغذّي بالتالي دوافع الانخراط فيها، والحثّ على ذلك، وهو ما رمى إليه رئيس جمهورية الشيشان، رمضان قديروف، عندما وصف النزاع في أوكرانيا بأنه حرب عالمية ثالثة. فبحسب قديروف، وهو الداعم بقوة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإنه "إذا اعتبرنا أن الدول الأوروبية التي تشارك اليوم في النزاع في أوكرانيا، وهي حلف الناتو والدول الأخرى التي لديها علاقات معهم، هي دول المجتمع الدولي، فيمكننا القول إن هذه هي الحرب العالمية الثالثة".

وبعيداً عن التوصيفات، وما يرمي إليه مطلقوها، فإن ما يجري على الأرض يؤكد بوضوح أن الدول الغربية وتحت ستار تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا لتمكينها من "الدفاع عن نفسها"، إنما تخوض مواجهة بشكل غير مباشر مع روسيا وهي توفر ما أمكنها من إمكانيات عسكرية وخبرات فنية ولوجستية للقوات الأوكرانية المقاتلة، وقد سبق لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن أوردت في شهر تشرين الثاني الماضي معلومات تفيد "أن القتال في أوكرانيا يستنزف مخزونات المدفعية والذخيرة والدفاع الجوي لدول الناتو"، مشيرة إلى أن "نحو ثلثي دول الحلف قد استنفدت مخزوناتها من الأسلحة بشكل شبه كامل.. وأن دول الأطلسي التي زودت أوكرانيا بعدد كبير من الأسلحة، خصوصاً لدول خط المواجهة مثل بولندا ودول البلطيق، تبين أن عبء استبدالها ثقيل".

أمريكا تزود أوكرانيا بقذائف من مخازن خاصة بالكيان المؤقت

على أن استنفاد مخزونات بعض الدول الأطلسية من الذخيرة والمدفعية، لم يكن ليحول دون استمرار تدفّق السلاح الأوروبي باتجاه أوكرانيا، وهو ما أكدته مؤخراً أحدث التقديمات العسكرية، وكذلك الوعود الغربية "بمساعدات" إضافية. وفي مؤشر على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة الأمريكية للمواجهة العسكرية مع روسيا، كشفت صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين أن "البنتاغون سيلجأ إلى مخزون هائل إنما غير معروف من الذخيرة الأمريكية الموجودة في اسرائيل، للمساعدة في تلبية حاجة أوكرانيا الملحّة للقذائف المدفعية". وتوضح الصحيفة أن "الاضطرابات في مخزونات الولايات المتحدة، وعدم تمكّن صانعي الأسلحة الأمريكيين حتى الآن من مواكبة وتيرة عمليات ساحة المعركة الأوكرانية، لجأ البنتاغون إلى مخزونَين بديلَين لسد الفجوة: أحدهما في كوريا الجنوبية والآخر في إسرائيل" مشيرة إلى أنها "المرة الأولى التي يبلّغ فيها عن استخدامه في الحرب الأوكرانية". وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن "شحن مئات الآلاف من قذائف المدفعية من هذين المخزونَين للمساعدة في الحفاظ على الزخم الحربي لأوكرانيا، يسلّط الضوء على نقطتين، الأولى محدودية القاعدة الصناعية الأمريكية، والثانية الحساسيات الديبلوماسية التي ستطاول اثنين من حلفاء الولايات المتحدة الحيويين، الذين كانوا قد التزموا علنا بعدم إرسال مساعدات عسكرية قاتلة إلى أوكرانيا".

أوروبا تقدم مفخرة صناعاتها العسكرية

الاندفاعة الأمريكية، لدعم "الصمود" العسكري الأوكراني، ترافقه اندفاعة أوروبية مماثلة، حَدَتْ ببعض الدول الأوروبية، إلى تجاوز خطوط حمر كانت قد وضعتها لتزويد أوكرانيا بالسلاح وصولاً إلى "إيثار" الأخيرة على نفسها. ففي هذا السياق قررت الدنمارك أن تمنح أوكرانيا 19 مدفع "سيزر" بعيدة المدى فرنسية الصنع، علماً أن بعضها لم تتسلمه كوبنهاغن بعد، وفق ما أعلنت الحكومة. أما ألمانيا التي كانت من أشد المعارضين الغربيين لتزويد أوكرانيا بالدبابات، فقد ألمحت إلى أنها تقترب من المواقفة على إمداد كييف بدباباتها القتالية الحديثة" ليوبارد2" بموازاة حصول الأخيرة على تعهد بإمدادها بمزيد من صواريخ باتريوت الدفاعية. وبحسب الحكومة الألمانية فإن هذه المسألة (تزويد أوكرانيا بالدبابات) ستكون أول قضية يبتّ فيها وزير الدفاع الجديد، بوريس بيستوريوس. والدبابات التي تعد بها برلين كييف، موجودة في نحو 20 دولة، وتعتبر واحدة من أفضل المجنزرات في الغرب. حيث أن إصابتها الأهداف على مسافة تصل إلى خمسة كيلومترات هي واحدة من أبرز مميزات الدبابة الثقيلة المزودة بمدفع عيار 120 مليمتراً.

بدورها كشفت بريطانيا أنها في صدد "إرسال 600 صاروخ بريمستون إلى أوكرانيا لدعمها في مواجهة روسيا". وقدم وزير الدفاع البريطاني بن والاس تفاصيل حزمة من الدعم العسكري لأوكرانيا، كان قد أعلن عنها سابقاً، بما في ذلك إرسال دبابات تشالنجر، وأضاف "يمكنني القول إننا سنرسل 600 صاروخ آخر من طراز بريمستون إلى مسرح الأحداث، والتي ستكون مهمة جداً في مساعدة أوكرانيا على السيطرة على ساحة المعركة". على أن الأهم في كلام الوزير البريطاني ما انطوى عليه من مؤشرات حول المدى الطويل للمعركة "إذا كان الرئيس بوتين يراهن على شعورنا بالملل هذا العام، فهو مخطئ. سنخطط لهذا العام والعام المقبل والعام الذي يليه وما بعد ذلك".

خاتمة

لا تعكس التقديمات العسكرية الغربية لأوكرانيا المشار إليها آنفاً، سوى حقيقة أن العالم بات في مواجهة مفتوحة قد تتدحرج لأن تصبح حرباً عالمية مباشرة بين أطراف ارتأت حتى الآن أن تخوض المواجهة مع روسيا بالوكالة. وبقدر ما يؤشر تدفق السلاح النوعي الغربي إلى ساحة المواجهة في قلب أوروبا "عزم" الدول الداعمة لكييف الانتصار فيها، يؤشر أيضاً إلى قوة موسكو وقدرتها على استنزاف أعدائها في ساحة المعركة العسكرية، بعدما عطّلت مفاعيل الحرب الاقتصادية المفروضة عليها.