جنين كاشفة العورات

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

هيثم أبو الغزلان

ــــــــــــــــــــــ

تكتب جنين بكتيبتها المقاتلة، ورصاص مجاهديها تاريخاً جديداً مرصعاً بغار المجد، وعلياء الطّهر: أنّ فلسطين لا تستسلم، وأنّ باب المقاومة والجهاد، هو باب المجد والانتصار.

في المقلب الآخر، لا تزال تفلقنا الدعاية العربية المستمرة منذ عقود، القائلة إنّ العرب سيَرمون "الإسرائيليين" في البحر، وحضّر حالك يا سمك لوجبات كثيرة ودسمة! لكنّ الواقع ظلّ مختلفاً؛ فلا رمى العرب "الإسرائيليين" في البحر، ولا السمك الجائع قد شَبِع! وبقينا جميعاً نسير وفق المثل القائل: "حيّك منديله".

واقع الاحتلال

فمنذ نجاح بنيامين نتنياهو في الانتخابات التي جرت في كانون الأول/ديسمبر المنصرم، وبعدها تشكيله لحكومة هي الأكثر يمينية وتطرفاً ووضوحاً في برنامجها الصهيوني الاستعماري الاحلالي، وكثيرون أصبحوا مضبوعين وخائفين، وكأنّ هذه الحكومة ليست تعبيراً عن واقع الكيان، تحديداً تجاه الشعب الفلسطيني، والأرض الفلسطينية؛ قتلاً واستيطاناً، وتهويداً وأسرلة، واعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية.. ضمن برنامج واضح يحمله ويعمل على تحقيقه على أرض الواقع عتاة المتطرفين من اليمين الديني والقومي الفاشي.

ولقد أغرقنا المحللون بعد فوز نتنياهو وائتلافه بهذا المتغير المتمثل بوجود بتسلئيل سموتيرش وإيتمار بن غفير، وما يمثلانه. هذا الرصد والتحليل هو مقبول في حدود دراسة هذا المتغير الحاصل، وطبيعته، وارتداداته حاضراً ومستقبلاً، ولكن لا يمكن تجاهل، أو إغفال العامل الثابت والأساس في السياسة الثابتة للحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة، المتمثّل باستخدام العنف والمجازر ورفض وجود الشعب الفلسطيني على أرضه، ومحاولات اقتلاعه بكل وسائل العنف والإجرام. والمتابع لا يحتاج إلى أمثلة، فهي موجودة وبكثرة قبل وبعد ما حصل في 1948، 1967، والحروب على غزة.. والمجازر العديدة: كفر قاسم، دير ياسين، بحر البقر، صبرا وشاتيلا، وقانا، والمنصوري..

برنامج واضح

وعلى الرغم من هذا الوضوح في الحرص الصهيوني على تنفيذ برنامجهم الواضح، لا يزال البعض يراهن على التمييز في تعامله السياسي بين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وبن غفير؟! متناسين أنّ هذه الحكومة المُشكّلة من اليمين الفاشي تُهدّد بإشعال حرائق تمتد من غزة إلى طهران. والعمل العدواني الإسرائيلي - الأمريكي المُتمثّل بالمناورات العسكرية الجوية والبحرية المشتركة، إنّما يأتي في سياق تعميق اضطرابات المنطقة، ويشجّع دولة الاحتلال على مزيد من العربدة. وتؤكد على عمق العلاقة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم بلا حدود هذا الكيان، على الرغم من الإعلان المتكرر عن وجود تباينات إزاء بعض القضايا. وهي تأكيد لكل الواهمين أنّ أفق الحل السياسي إزاء حل الدولتين، وما يسمى الموقف المتوازن لأمريكا، إنّما هو في حقيقة الأمر يكشف عمق العلاقة بينهما، وتوزيع الأدوار حول ذلك. فلا حلّ للاحتلال، ولا استقرار في المنطقة بوجود الاحتلال. وما يجري في الضفة والقدس خير دليل، على استبسال أبطال كتائب سرايا القدس: كتيبة جنين، وكتيبة نابلس، وعرين الأسود.. وكل أبطال الشعب الفلسطيني، أنّ المقاومة هي الخيار في تحرير الأرض ودحر الاحتلال. ومن جهة أخرى تكشف سياسة كيان الاحتلال عبر الممارسة العملية للاستيطان، والتهويد، وتدنيس المقدسات، ودوره في إيجاد وتعميق الخلافات في المنطقة، ومحاولات زج أطراف المنطقة بالحرب المشتعلة في أوكرانيا، ومحاولات حسم الصراع عبر تهويد الجليل والنقب والضفة بهدف فرض واقع جغرافي - ديمغرافي جديد تسعى حكومة الاحتلال إلى فرضه.

جنين المجد والبطولة

إنّ ارتقاء 9 شهداء في مخيم جنين والعديد من الجرحى في عدوان صهيوني استهدف كتيبة جنين في سرايا القدس، وما رافق ذلك من تصدٍّ بطوليٍّ واشتباكات عنيفة خاضها مجاهدو كتيبة جنين والأقصى والقسام، إنّما يؤكّد على أن المقاومة هي خيار شعبنا، وأنّها أصبحت تدفّع الاحتلال ثمن جرائمه، وأنّ الاقتحامات والاعتداءات لن تمر دون ردّ ودون تدفيع لثمن الجرائم.

تكتب جنين بدم شهدائها وبطولة مجاهديها فصلاً جديداً من بطولة شعبنا الممتدة منذ الشهيد عز الدين القسام، وفرحان السعدي، ومحمود طوالبة، وجميل العموري.. ولن ينتهي ذلك إلا بانتهاء وجود الاحتلال.

وتبقى جنين، كما القدس، كما فلسطين.. كاشفة لعورات المتخاذلين!