مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: "بداية محاكمة رياض سلامة والادّعاء عليه من قبل الدولة اللبنانية هو خطوة في الاتجاه الصحيح نأمل أن تصل إلى النتائج المرجوة"

العدد رقم 380 التاريخ: 2023-03-17

ما بعد الحداثة.. تمرُّدٌ على الحداثة!

غسان عبد الله

هامش ثقافي

ما بعد الحداثة.. تمرُّدٌ على الحداثة!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غسان عبد الله

ـــــــــــــــــــــــ

بدأت النخب الثقافية والفكرية في العالم، مع حلول تسعينات القرن الماضي، وكأنَّها على موعد مع ما يمكن وصفه بـ (بيبلوغرافيا النهايات) أو الـ (ما بعديات)، فمِن (ما بعد الاستعمار) إلى (ما بعد التاريخ) مروراً بـ (ما بعد الإسلام السياسي) و (ما بعد الصهيونية).. إلى غير ذلك من المفاهيم التي كانت باكورتها ذات زمن سبعيني مع مفهوم (ما بعد الحداثة).

بيد أن هذا الاستسهال (الما بعدي) إن صح التعبير سرعان ما توارى، وانكفأ على نفسه بعد أحداث تاريخية كبرى، أعادت الأمور إلى شاطئ الصواب بعدما غرقت في بحر السورياليات اللُّجي.

تاريخياً، جاءت فلسفة ما بعد الحداثة كردّ فعل على أحادية البعد وإمبريالية المعنى وواحدية اللغة والرؤية إلى العالم والحقيقة في الفلسفة الحديثة.

يؤسس روّاد ما بعد الحداثة لحقبة فكرية جديدة، قوامُها التمرّد على الحداثة برسم مسارات جديدة في الفكر والواقع، بيد أن الواحد منهم لا ينفك يجد ذاته محاصراً بمتوالية من الأسئلة الإشكالية، فما معنى نهاية الحداثة؟ ثم ما الذي انتهى من الحداثة وماذا بقي منها؟ وهل ما بعد الحداثة أطروحة تستوعب الحداثة لتصحيح أخطائها بغية تجاوزها أم انقلاب على المشروع الحداثي، وقطيعة كلية مع الفكرة الحداثية؟ ثم أليس صرحُ ما بعد الحداثة مجرّد قصرٍ رملي على شاطئِ الحداثة أو شطحاتٍ فكريةً في الهواء لافتقاده لنسق متكامل يؤطره؟... إلى غيرها من الأسئلة التي نجح بعض ما بعد الحداثيين في التصدي لها على المستوى النظري دون أن تكون لها فاعلية وأثر في الجانب العملي.

إذ بالعودة مثلاً إلى المعنى الغامض لكلمة (ما بعد) في مفهوم ما بعد الحداثة، يحق لنا أن نستفسر عن أي جزء من الحداثة تركته ما بعد الحداثة وراءه، كله أم فقط جزء منه؟ ثم ماذا أخذت من الحداثة، مفهوم المساواة بين الناس أم فكرة التقدم التاريخي أو ربما الاعتقاد في الحرية الشخصية والضمير إلى جانب سيادة الفكر... ثم ما العلة وراء هذا الاختيار القائم على نفي جوانب من الفكرة الحداثية مقابل إثبات جوانب أخرى. صحيح أن بعض أجزاء الحداثة قد سقطت نظرياً، ولكن الأمر ليس كذلك عملياً. لكن ما بعد الحداثة يفشل عادة في إدراك أن ما يصلح على المستوى الأيديولوجي لا يصلح على مستوى الواقعي.

 فالمؤكد أن النظام المعاصر ما يزال في حاجة ماسة إلى الفرد المستقل الواعي بذاته في قاعة المحكمة أو في كُشك الانتخابات... وما إلى ذلك من المواقف التي تفترض حضور ذات واعية مستقلة حقيقية، وإن كان ليس بذات الدرجة في وسائل الإعلام أو في المجتمع التجاري، ففي هذه القطاعات تصبح التعددية والرغبة والتفتت متأصلة.

تدَّعي ما بعد الحداثة الانفتاح على الآخر غير أنها منغلقة على نفسها، بل لا تتوانى في التحول إلى نظام أرثودوكسي تقليدي، فهي تسمح بالكلام عن الحضارة وليس عن الطبيعة الإنسانية، وعن النوع (ذكر/أنثى) وليس عن الفرد، وعن الجسد لا عن الأحياء، وعن السعادة وليس العدل، وعن الغرائز لا عن القيم... إلى غير ذلك من الثنائيات الصارمة التي تعمل وفقها.

فهي تضع الاختلاف والتعدّد... وغيرها من الاصطلاحات المرتبطة بالنظرية، مرصوصة في خط واحد على أحد جانبي أسوار النظرية، على اعتبار أنها إيجابية دون أي إبهام. وتضع عكسها، أي الوحدة والهوية والشمول... مرصوصةً بصورةٍ بغيضةٍ على الجانب الآخر. وقبل التحام الجانبين تكون هذه المفاهيم الذهنية المحارَبة ذات السمعة السيئة قد تمّ النيل منها لدى المتلقي.

لن نتوقف طويلاً عند المناورات التي يهتدي إليها أنصار ما بعد الحداثة بغية التأسيس لرفض الحداثة دون (التورط) أو ادّعاء فعل ذلك، من خلال نقطة تطور تاريخية أفضل مما قد يعني السقوط ضحية لتصنيفات الحداثة نفسها. لكن ينبغي التنبيه إلى أن تقديم فكرة ما بعد الحداثة كحقيقة سلبية للحداثة أمر غير سليم، ولا يستقيم لأن مع مرتكزات الحداثة بحسّها النقدي الذي ينظر إلى انحرافات الحداثة وأخطائها الجسيمة كسيرورة تعلم مستمرة.

يقول بعض الوكلاء المحليين لبهلوانيات ما بعد الحداثة بأن القناعات القوية لعصر الحداثة انتهت في (ما بعد الحداثة)، وتمّ التحوّل من العصر الصناعي إلى عصر الخدمات والمعلومات، واستقرت تسمية (ما بعد الحداثة) عنواناً لعصر آخر أو مرحلة أخرى غير الحداثة.

كيف يمكن إذن لما بعد الحداثة أن تواجه بـ (تسيُّبِها) النظري وهلامية طرحها الذي يفتقد إلى أسس ومحدّدات يستند إليها لمواجهة متغيرات واقع يزداد تأزُّماً وتعقيداً، وكذا مدرسته الأم (أي الحداثة) التي يعيش على نتائجها وفي ذات الآن يتنكر لها. كيف لهذا التيار أن يصمد في وقت ما تزال شرعية الولادة تتبعه؟.

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

تقدم إيران في البرنامج النووي.. هل توجد استراتيجية مواجهة بديلة؟

تقدم إيران في البرنامج النووي.. هل توجد استراتيجية مواجهة بديلة؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في مقابلة نشرت في صحيفة ...

إقليميات

الرئيس تبون ومحاربة الفساد في الجزائر

الرئيس تبون ومحاربة الفساد في الجزائر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توفيق المديني ـــــــــــــــــــــ قبل ثلاث سنوات شهدت الجزائر حراكاً شعبياً كبيراً، وكانت مطالبه تتمثل في المطالب المتعلقة ...

دوليات

الدبابات الثقيلة الى الميدان.. الغرب يطيل أمد المواجهة العسكرية مع روسيا

الدبابات الثقيلة الى الميدان.. الغرب يطيل أمد المواجهة العسكرية مع روسيا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ بموافقة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا تزويد أوكرانيا ...

محليات

بعد قرارات البيطار وارتفاع سعر الصرف هل تنجح واشنطن والرياض في إشعال الفتن ونشر الفوضى الداخلية؟!!

أوساط سياسية للبلاد: بعد قرارات البيطار وارتفاع سعر الصرف هل تنجح واشنطن والرياض في إشعال الفتن ونشر الفوضى الداخلية؟!! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد الضيقة ــــــــــــــــــــــ إن الثابت الوحيد ...