تسخين العلاقات بين السعودية وإيران يشكل تهديداً على الاستراتيجية الأمنية لإسرائيل

تسخين العلاقات بين السعودية وإيران
يشكل تهديداً على الاستراتيجية الأمنية لإسرائيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خُلِطت الأوراق، أسبوع تلو أسبوع ونحن نتحدث عن التحولات العالمية، الخطوات التي تحدث أمام أعيننا بسرعة تقطع الأنفاس. هذه الوتيرة تستوجب منا تغيير ليس فقط رأينا بما يحدث، بل تغيير أيضاً زاوية نظرتنا. إن إسرائيل في أواخر الشتاء لا تشبه إلى حد بعيد إسرائيل في منتصف الخريف على سبيل المثال، لكن إسرائيل ليست سوى حلقة صغيرة في السباق.
عندما نصل إلى نهاية السنة، إذا وصلنا، ماذا سنتذكر من الأسبوع الثاني من شهر آذار؟ هل سنتذكر الصفقة الدبلوماسية السعودية - الإيرانية برعاية الصين؟ أم هل نتذكر هجوم الصواريخ الخارقة لسرعة الصوت الروسية على أوكرانيا؟ أو ربما نتذكر ماذا سيحصل (إذا حصل) صبيحة يوم الاثنين، عندما تفتح الأسواق المالية في الولايات المتحدة من دون معرفة إذا كانت الحكومة الفدرالية تنقذ مودعي بنك وادي السيليكون الفاشل؟.
وليس من مانع في الطريق، من منظومة أوسع، الأحداث الثلاثة هذه ستكون مرتبطة الواحدة بالأخرى بشكل أوثق بكثير من تضافر ظروف بالصدفة في تقويم السنة. كيف؟ بهذا المعنى ستضيف طعم ضعفٍ مؤسساتي واستراتيجي متزايد للولايات المتحدة وحليفاتها.
نصيحة أوباما لبلطجي الحي
من الصعب أن نقرر ما الذي كان مدهشاً أكثر في البيان حول استئناف العلاقات بين السعودية وإيران: نفس الاتفاق، مفاجأته، أو بشكل عام الرعاية الصينية غير المسبوقة التي تقف وراءه. تعتمد الإجابة بشكل شبه كامل على الزاوية التي ينظر منها.
نفس هذا الاتفاق يذكرنا بتصريح صادر عن باراك أوباما في العام 2016. فقد دعا حينها السعوديين إلى "تقاسم المنطقة مع الإيرانيين". ولم يكن من الصعب معرفة مصدر إيحائه هذا. فقبل أن يدخل إلى السياسة، كان أوباما مرشد شباب في أحياء شيكاغو. مهمته كانت ضمان الهدوء في المناطق المعروفة بالعنف. طريقة واحدة كانت لوقف إطلاق النار بين عصابات الشوارع. في سنة 2016، أوباما كان قد أصبح يعرف الكثير عن العالم الخارجي. لكنه فضّل مناشدة رؤساء العصابات بأن يكونوا واقعيين، وتقاسم مناطق النفوذ.
أوباما حمل اقتراحه هذا إلى السعوديين عندما أنهى الاتفاق النووي مع إيران في ربيع العام 2016. سبع سنوات بعد ذلك، بلطجيو الحي يجتمعون. سواء كانت هناك بروتوكولات سرية حول مناطق النفوذ (ربما من النوع الذي تم توقيعه عام 1939 بين ريبنتروب ومولوتوف) أم لا، فإن هذا الاتفاق يضمن شيئاً واحداً على الأقل: الوضع الراهن. بعد سنوات من العداء الذي غذى الصراعات في الشرق الأوسط، تنازلت السعودية عن المعارضة النشطة لتوسع النفوذ الإيراني.
بن سلمان طعن الولايات المتحدة
كثرت في السنتين الأخيرتين المؤشرات حول اهتمام سعودي متزايد في تغيير الوجهة. جو بايدن كرر إدانة ولي العهد السعودي قبل أن ينتخب للرئاسة. وقد تعهّد بمعاقبة محمد بن سلمان على قتل جمال خاشقجي، وعزل السعودية عن الشعوب. صحيح في السنة الثانية على توليه منصبه، ذهب إلى الرياض لمصالحة الأمير. لكن بعد وقت قصير على ذلك، بن سلمان وضع سكيناً في ظهره، عندما اتصل مع روسيا لمنع انخفاض أسعار النفط. الولايات المتحدة ذهلت. البيت الأبيض أعلن عن "إعادة تقييم" العلاقات الأمريكية السعودية. الحلف الاستراتيجية الذي يبلغ من العمر 75 عاماً بدأ يتهاوى.
كتبنا حينها: "يجب على الإسرائيليين إبداء الاهتمام الخاص لعملية تفكير ولي العهد وأهدافه. إذا كان يريد إلحاق الهزيمة الاستراتيجية بالولايات المتحدة وحلفائها، فأي مستقبل استراتيجي يتوقعه للشرق الأوسط؟ هو يريد دعوة روسيا والصين لملء الفراغ؟ هل هو مستعد لتخصيص مكان مركزي لإيران في التقمّص التالي من علاقات القوى الإقليمية؟".
هذه الأسئلة تمت الإجابة عليها نهاية الأسبوع الماضي: ولي العهد صحيح أنه يريد إلحاق هزيمة استراتيجية بالولايات المتحدة وحلفائها؛ وهو حقاً يريد دعوة روسيا والصين لملء الفراغ؛ وهو مستعد لتخصيص مكان مركزي لإيران.
إسرائيل أخطأت في فهم المعادلة. وخطأها لم يبدأ أول من أمس، بل قبل عقد من الزمن، في الأيام الأولى من الحرب الأهلية السورية. عندما وزير الأمن إيهود باراك، تنبأ بسقوط فوري للرئيس السوري بشار الأسد. في ذات الوقت، رفعت إسرائيل كتفيها، على الأقل كما فهم أنه لا يغير شيئاً من يكون يده العليا في سوريا.
تراجع باراك أوباما عن تعهّده الشهير بمعاقبة الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية، واستجاب لمبادرة روسيا الكاذبة "إزالة الأسلحة الكيميائية عن الأراضي السورية". "الإزالة" ضمن بقاء الأسد، وفتح الباب أمام مهيمنين جديدين بين نهر الفرات والبحر الأبيض المتوسط: روسيا وإيران. إسرائيل بالطبع لم تُرد إيران، لكنها أقنعت نفسها بأن هناك أساس لإنجاز أعمل مع فلاديمير بوتين.
إلى أين تصل الصواريخ الخارقة للصوت الروسية؟
النتيجة غير النهائية لعدم الفهم الاستراتيجي هو حلف عسكري فعلي بين روسيا وإيران. طائرات إيرانية تساعد روسيا في تخريب مدن أوكرانيا. وأيضاً إعلان سفارة إيران في الأمم المتحدة أنه تم التوقيع على صفقة شراء إيرانية لطائرات "سوخوي 35"، الموازية الروسية (غير الكاملة) لطائرات F-15 الأمريكية.
وقد زعمت مؤخراً مصادر في واشنطن أن روسيا تُرسل إلى إيران أسلحة غربية متطورة تركها الأوكرانيون في ميدان القتال، من أجل "هندسة عكسية". على مر سنين العقوبات، الإيرانيون نجحوا في هندسة عكسية لأسلحة غربية.
أطلقت روسيا صواريخ خارقة للصوت ضدّ بنية تحتية للطاقة في أوكرانيا. إنه سلاح مهدِّد جداً، بسبب سرعته وتطبيقاته. تملك روسيا والصين تفوّقاً ملحوظاً على الولايات المتحدة في تطوير الفرط صوتي. ليس هناك حتى الساعة وسائل دفاع من هذه الصواريخ. ماذا سيحدث إذا زوّدت روسيا إيران بصواريخ فرط صوتية، أو أعطتها التكنولوجيا؟ إيران تزعم منذ مدة طويلة قدرة فرط صوتية. يمكنها أن تحسّنها فقط.
وفي النهاية الصين، إنها تدخل إلى الشرق الأوسط، وهي تطور بداهةً حضوراً اقتصادياً، لكن أيضاً بالتدريج وجوداً عسكرياً. إنها في منافسة عالمية خطيرة مع الولايات المتحدة، وأدهشت في صنعها مصالحة السعوديين والإيرانيين. البيت الأبيض أعلن أن المصالحة "غير مرتبطة بالصين"، لكنها بالطبع مرتبطة جداً. الصينيون والروس في "حي" أوباما هم مواطنون غير مرحب بهم، إن لم نقل مثيرون للقلق. بل في الحقيقة لماذا لا نقول مقلقون جداً.
ظِلٌّ ثقيل يخيم الآن على الاستراتيجية الأمنية القومية لإسرائيل. وهو ثقيل إلى حد يكفي لتبرير سجال قومي حول المستقبل.
موقع غلوبس – يوآف كارني