الأسرى الفلسطينيون ومعركة الحرية المستمرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هيثم أبو الغزلان

ــــــــــــــــــــــ

يقف الجميع مذهولين أمام الفعل البطولي للأسرى الفلسطينيين الأماجد، وصمودهم الرائع، وتحدّيهم للسجان، وإصرارهم المنقطع النظير على التمسك بصناعة الحياة. ففعلهم وصمودهم يمسّ كينونة البشر، ويُحرّك الضمائر إن كانت لا تزال على قيد الحياة والكرامة.

جسر عبور

لقد وصف الروائي المغربي "الطاهر بن جلون" في روايته "تلك العتمة الباهرة"، المعاني الإنسانية، وتمسّك الإنسان بكرامته كي لا تمس "فالكرامة هي ما تبقّى.. لنا.. كلٌّ منا يبذل ما بوسعه لكي لا تمسّ كرامته.. وتلك هي مهمتي أن البث واقفاً أن أكون رجلاً". فالصبر والمواجهة والصمود هي زاد الأسير في معركة الأسر ضد السجن والاحتلال. فمِن صبره ولحمه الحي يصنع الأسير جسرَ عبور في معركة الحرية للتخلص من السجن والسجّان والاحتلال، وانعتاقه من كل قيد قد يُدمي معصميه، لكنه لا يكسر إرادةً، ولا يقضي على أمل معقود على مقاومين يقبضون على السلاح ويخوضون المعركة بوعيِ من يحافظ على نهج المقاومة سبيلا للخلاص.

برنامج نضالي

وفي إطار مواجهة إجراءات وزير الأمن الداخلي "الإسرائيلي" الفاشي إيتمار بن غفير، يواصل الأسرى الفلسطينيون، خوض خطوات (العصيان) وفقاً للبرنامج النضاليّ الذي أقرّته لجنة الطوارئ العليا للحركة الأسيرة، وصولاً إلى الإضراب الشامل مطلع شهر رمضان المبارك، والذي بدأ تنفيذه منذ أكثر من شهرين تحت عنوان: "بركان الحرّيّة أو الشهادة"، ويتضمن البرنامج عدة خطوات أبرزها إرجاع وجبات الطعام، وارتداء اللباس البني (زيّ الشاباص)، والاعتصام في السّاحات، وإغلاق أقسام المعتقلات، والإرباك الليليّ من خلال التكبير والطرق على الأبواب، وعقد جلسات تعبئة خلال ما يسمى بإجراء (العدّ)، وتأخير الخروج إلى الباصات حين نقل الأسرى من السّجون إلى المحاكم أو إلى سجون أخرى. وستكون ذروة تلك الإجراءات بالوصول إلى الإعلان عن الإضراب الشامل في اليوم الأول من شهر رمضان، وذلك رفضاً لتطبيق الإجراءات التنكيلية بحق الأسرى الذين يبلغ عددهم في سجون الاحتلال نحو 4780، من بينهم 160 طفلاً، و29 أسيرة، و914 معتقلاً إدارياً.

إجراءات

اتخذت إدارة سجون الاحتلال بتعليمات من بن غفير سلسلة إجراءات ضد الأسرى أبرزها: التحكم في كمية المياه التي يستخدمونها وتقليص مدة الاستحمام بحيث يسمح للأسرى بالاستحمام في ساعة محددة، كما وُضِعت أقفال على الحمامات المخصصة للاستحمام في الأقسام الجديدة في سجن (نفحة). وتزويد الأسرى بخبز رديء، ومُضاعفة عمليات الاقتحام، والتفتيش بحقّ الأسرى، والأسيرات مؤخراً، واستخدام القنابل الصوتية، والكلاب البوليسية خلال عمليات القمع والاقتحامات، وكذلك مضاعفة عمليات العزل الانفرادي بحقّ الأسرى، وسحب التلفزيونات من أقسام الموقوفين الذين يقبعون في أقسام ما تسمى (المعبار)، والتصعيد من عمليات نقل قيادات الحركة الأسيرة، وأسرى المؤبدات بشكل خاصّ، وإغلاق المرافق العامة في بعض السّجون المركزية، كما جرى في سجن (النقب)، وفرض تضييقات على إدخال الملابس. وصولاً إلى المصادقة بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون حرمان الأسرى من العلاج، وبعض العمليات الجراحية، ومصادقة الكنيست بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يقضي بإعدام الأسرى الذين نفّذوا عمليات مقاومة ضد الاحتلال.

خضر عدنان

وعلى الدرب ذاتها، يخوض الأسير القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الشيخ خضر عدنان موسى (45 عاماً)، من بلدة عرابة، جنوب جنين، شمال الضفة الغربية، ومنذ لحظة اعتقاله في الخامس من شباط/فبراير 2023، إضراباً مفتوحاً عن الطعام مطالباً بحريته، وعلى الرغم من تراجع وضعه الصحي ونقله إلى مستشفى الرملة الاحتلالي، لكنه صامد وقوي في مواجهة ظلم الاحتلال، ويستميت دفاعاً عن كرامته.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها الشيخ عدنان إضراباً عن الطعام، بل هي المرة الخامسة، فقد خاض في العام 2004 إضراباً مدته 25 يوماً ضد عزله انفرادياً، ثم خاض نهاية عام 2011 وبداية عام 2012 إضراباً مدته 67 يوماً ضد اعتقاله الإداري، وفي العام 2015 خاض إضراباً مدة 58 يوماً للسبب نفسه، وعام 2018 خاض إضراباً جديداً مدته 54 يوماً، أمّا إضرابه الرابع فكان عام 2021 لمدة 25 يوماً، والإضراب الحالي هو الخامس.

معركة مستمرة

يحاول الاحتلال بكل الوسائل منع الأسرى من الوصول إلى خطوة الإضراب المفتوح عن الطعام خشية فقدان السيطرة على الأوضاع داخل السجون، وبالتالي عدم القدرة على ضمان الأمن لعناصره وضباطه في ظل الاحتقان الشديد التي وصلت إليه السجون مع استمرار العقوبات المتتالية بحق الاسرى. فالاحتلال يدرك جيداً المخاطر التي يمكن أن تواجهه في حال الوصول إلى خطوة الإضراب المفتوح عن الطعام. وقد خَبُر سابقاً خلال الـ 25 إضراباً جماعياً التي خاضتها الحركة الأسيرة، والـ 410 إضرابات فردية، أنّ إرادة أسرانا لا تنكسر، وأنّ إيمانهم الطافح بالحرية سيضيئ كل المساحة المُعتمة.