الصين وروسيا تحذران من التداعيات: بدء الخطة العملية لاتفاقية أوكوس
ابتسام الشامي

الصين وروسيا تحذران من التداعيات:
بدء الخطة العملية لاتفاقية أوكوس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
تمضي الولايات المتحدة الأمريكية في خطة تطويق الصين وخلق تحديات أمنية لها، وما الانتقال إلى الشق العملي من اتفاقية أوكوس سوى محطة جديدة من محطات عسكرة البيئة الاستراتيجية للدولة التي ترى أنها تشكل تهديداً خطيراً لمكانتها العالمية.
نحو المزيد من التسخين
في لحظة سياسية فارقة، يكاد العالم ينزلق معها إلى حرب عالمية ثالثة ربطاً بتطورات الصراع الروسي الأطلسي في أوكرانيا، ارتأت الولايات المتحدة الأمريكية فتح جبهة جديدة ضدّ الصين، وبعد تايوان وبحر الصين الجنوبي وتحريض الدول المشاطئة وتسليحها لصدّ النفوذ الصيني، تفرض واشنطن على بكين تحدياً أمنياً إضافياً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال إطلاق مسار الترجمة العملية لاتفاقية "أوكوس"، في تطور خطير يؤشر إلى نوايا التصعيد الأمريكي ودفع كرة النار الملتهبة في أوكرانيا نحو صراع بلا كوابح، مفتوح على احتمالات حرب تنخرط فيها المزيد من دول العالم مختارة، أو مضطرة بدافع من حماية أمنها أو الدفاع عن نفسها.
وعلى الرغم من أن اتفاقية أوكوس، سبقت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بعدة أشهر، إلا أن تصميم واشنطن على التفعيل العملي لبنودها في هذا التوقيت، يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ماضية في تطبيق بنود استراتيجيتها للأمن القومي، التي تضع الصين في قائمة التهديد الواجب التعامل معه، بعدما شرعت في عملية إضعاف روسيا عبر توريطها في أوكرانيا، وهي التي تضعها الاستراتيجية ذاتها في دائرة الدول المهددة للهيمنة الأمريكية وإن بمستوى أقل من التهديد الصيني.
اتفاقية أوكوس
وعلى خلفية الرؤية الحاكمة لتلك الاستراتيجية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وضعت خطط تطويق الصين عسكرياً ونقل التحدي إلى بيئتها الاستراتيجية ضمن هدف احتواء نفوذها الآخذ بالتعاظم وإشغالها عن التطلع لعالم متعدد الأقطاب تحتل فيه موقعاً متقدماً ينسجم وقوتها المتنامية اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً، وعلى مستوى تحالفاتها الدولية وشراكاتها الاقتصادية. وبهذا المعنى فإن اتفاقية أوكوس، التي تضم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا وبريطانيا، ما هي إلا عامل مزعزع للأمن القومي الصيني بما تحمله من تحديات كامنة لبكين في المستقبل القريب. فالاتفاقية التي جرى التوصل إليها في أيلول من عام 2021 لا تضر في شبكة علاقات الصين في محيطها الاستراتيجي فحسب وإنما تحول دولة كبيرة كأستراليا من شريك اقتصادي إلى عدو أو في الحد الأدنى خصم. فبموجب الاتفاقية وهي "تحالف دفاعي" وأمني طويل المدى بين الدول الثلاث كما جرى التعريف عنها، ستقدّم الولايات المتحدة وبريطانيا غواصات نووية بتكنولوجيا متقدمة إلى أستراليا، لمواجهة ما تعبّر عنه كل من واشنطن ولندن "بالتوسع العسكري الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
وإذا كانت الصين قد رأت في الاتفاقية لحظة الإعلان عنها، تقويضاً "خطيراً للسلام والاستقرار الإقليميين" من شأنه، أن يؤدي إلى "تفاقم سباق التسلح" والإضرار بالجهود الدولية لمنع الانتشار، فإنها رفعت من سقف مهاجمة الاتفاقية على ضوء "مراسيمها التطبيقية" المعلن عنها الأسبوع الماضي في قمة جمعت في الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، ورئيس الوزراء الاسترالي أنتوني ألبانيز. فقد كشفت القمة الثلاثية عن تفاصيل جديدة حول خطة تزويد أستراليا بغواصات تعمل بالقوة النووية. حيث جرى الاتفاق على أن تزود واشنطن كانبيرا بثلاث غواصات أمريكية ذات دفع نووي، موجودة حصراً لدى كل من أمريكا وبريطانيا، فضلاً عن إنشاء أسطول جديد من الغواصات الهجومية، ويشمل استخدام مفاعلات نووية تنتجها شركة "رولز رويس" البريطانية. ومن مميزات هذا الطراز من الغواصات، إضافة سرعة حركة الأسطول، تمكين أستراليا للمرة الأولى في تاريخها من توجيه ضربات عابرة للقارات. كما جرى الاتفاق خلال القمة الثلاثية على تدريب جنود من البحرية الأسترالية، في قواعد للغواصات النووية، تمهيداً لاستقبال قاعدة "بيرت" الواقعة غرب أستراليا الغواصات الأمريكية والبريطانية العاملة بالطاقة النووية اعتباراً من عام 2027، على أن تتسلم كانبيرا عام 2030 ثلاث غواصات من طراز "فيرجينيا".
ردود الفعل
ومع الإعلان عن تفاصيل خطة تزويد أستراليا بغواصات نووية، سارعت الصين إلى إدانة ما وصفته "الطريق الخاطئ والخطر" الذي تسلكه الشراكة المبرمة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا. وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان لها، إن "صفقة الغواصات الأمريكية الأسترالية البريطانية تنتهك معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية". كما اتهمت بعثة الصين في الأمم المتحدة الحلفاء الغربيين بـ "عرقلة جهود الحد من انتشار الأسلحة النووية".
بدوره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حذّر خلال مشاركته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التأسيسي للحركة الدولية "محبو روسيا" في موسكو، من أن "اتفاق الغواصات ضمن تحالف أوكوس سيؤدي إلى "مواجهة تستمر لسنوات" في آسيا".
وفي وقت كشف فيه رئيس الوزراء الاسترالي، عن أن خطة التزود بالغواصات ستكلّف بلاده 243 مليار دولار أمريكي على مدى ثلاثين عاماً، مبرراً "أكبر استثمار في القدرة الدفاعية لأستراليا في كل تاريخها" بمتطلبات دفاعية، طرح خبراء ومحللون سياسيون استراليون علامات استفهام حول الخطة.
وفي هذا الإطار، جمعت صحيفة "SMH" الأسترالية، في مقال، عدداً من الآراء المنتقدة للتحالف الأمني، والكلفة المالية المرتفعة للصفقة. وكتب ستيفاني دوريك، أن "حتمية الحرب" مع شريكنا التجاري الرئيسي، الصين، هو أمر تغذيه الدعاية التي تقودها الولايات المتحدة، وهذا يصب في مصلحة واشنطن، وليس مصلحة كانبيرا"، مضيفاً "في الوقت نفسه، هناك كل الأسباب التي تجعل أستراليا رائدة في منطقتنا للسلام الذي تحقق من خلال التعليم والصحة والتجارة، وأيضاً من خلال العمل المناخي التعاوني والمبتكر"، متسائلاً "كان لدينا خيار، مفاده أن نكون قوة غير حزبية من أجل الخير. فلماذا لا نتبعه؟".
بدوره، قال ستيفن غي إن "رئيس الوزراء الأسترالي السابق، سكوت موريسون، قدم هذه البطاقة الجامحة لمحاولة هزيمة حزب العمال والفوز في انتخابات أخرى". وأضاف أنه "لسوء الحظ، وافق حزب العمال، على ذلك. والآن، أستراليا عالقة مع هذا الكأس السام: إعطاء شيك على بياض للولايات المتحدة، ومصادرة استقلالنا، وشراء أيديولوجية الحرب العالمية الثانية".
أما باري لانغ، فقال، من جهته، إن "صفقة الغواصات تجري بتكلفة مذهلة، لكن أستراليا للأسف ليس لديها حتى شبكة طاقة تخدم احتياجاتها في فترة الانتقال المتجددة، ولا خطة بنى تحتية للفيضانات بسبب تغير المناخ"، مضيفاً أن ما يجري خطأ كبير، ذلك أن "التهديد الرئيس (تغيّر المناخ) يحصل على بضع مليارات، لكن الغواصات تحصل، على جبل من الذهب".
وفي السياق ذاته، تساءل برايان هايزمان: "ماذا سنفعل بثماني غواصات زائدة على الحاجة؟ هل سنحولها إلى سفن سياحية؟".
خاتمة
ما سبقت الإشارة إليه من آراء خبراء ومحللين استراليين حول إتفاقية أوكوس، وما حذّرت الصين وروسيا من تداعياته، لا يعكس سوى حقيقة واحدة، وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى جاهدة إلى توريط المزيد من الدول لتحقيق أهداف استراتيجيتها للأمن القومي، حتى لو أدى ذلك إلى المزيد من الفوضى العالمية وصولاً إلى الحرب. وهي تعتقد أن بإمكانها كما في الحربين العالميتين الأولى والثانية، الاستثمار في نتائج حرب عالمية جديدة، لتثبيت مكانتها العالمية الآخذة في التراجع والانحسار.