نجاح المحادثات في منزل الرئيس حاسمة لأمن إسرائيل

نجاح المحادثات في منزل الرئيس حاسمة لأمن إسرائيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تواجه دولة إسرائيل منعطفاً حرجاً من وجهة نظر أمنية. في تصوّر أعدائها، يتعلق الأمر بنقطة قرار داخلي لنكون أو لا نكون، لا أقل من ذلك.
دعونا نفحص تصور أعداء إسرائيل وصورة القوة التي تعكسها للخارج، يجب أن نفصل أنفسنا عن تصورنا لأنفسنا ونأخذ في الاعتبار أن أعداءنا قد يكونون مخطئين في تقييمهم لتماسكنا الداخلي. قد يؤدي مثل هذا الموقف إلى زيادة احتمالية سوء التقدير الذي شهدناه بالفعل في الماضي.
تقدير شعبة الاستخبارات الذي نشر مؤخراً حدّد أن معقولية الحرب ارتفعت، لكنه لم يحدد أن ذلك حتمي أو أن إسرائيل عشية حرب شاملة. وفي هذا السياق، من المناسب مواءمة خطاب الأيام الأخيرة. أسمع العديد من الإسرائيليين يعبّرون عن قلقهم من أننا عشية حرب شاملة. لا، اسرائيل لا تواجه سيناريو يوم الغفران والجيوش العربية لا تنتفض للإجهاز علينا. قد تكون هنا جهات معنية تحاول خلق أجواء متوترة وهستيرية. هذا يعتبر غير جيد بنظر أعدائنا، الذين يلاحظون الخوف ويفركون أيديهم بسرور. من الممكن أيضاً أن تكون هذه محاولة مشتركة بين الطرفين في النضال من أجل الانقلاب السلطوي - مصلحة لخلق أجندة أمنية -. أمثلة على ذلك فقط من الأيام القليلة الماضية، الهستيريا غير الضرورية التي سجلتها زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان وجولته على الحدود، وتضخيم الدراما التي لم تكن حول الهجوم المنسوب لإسرائيل في سوريا، والذي تمّ تعريفه على أنه "استثنائي" على الرغم من عدم وجود شيء جديد فيه لم يتم تنفيذه مئات المرات من قبل.
لنبدأ بإعادة التأكيد على الخلاصة النهائية، فرصة شن حرب من جانب أعدائنا تبقى منخفضة. لكن في المقابل، فرصة استمرار التوتر على حدودنا ناتج من تآكل الردع الإسرائيلي المتزايد. وهذا قد يؤدي إلى حدث تكتيكي يقود إلى سلسلة من الردود والردود المضادة في نهايتها معركة شاملة. هذا الخطر يتفاقم إذا لم تنته الأزمة الداخلية في إسرائيل.
لماذا وكيف الساحة الخارجية متصلة بالداخلية؟
أولاً، يجب التمييز بين الاتجاهات الإقليمية السلبية التي تحدث دون ارتباط مباشر بالأزمة الداخلية في إسرائيل وتآكل ميزان الردع الإسرائيلي نتيجة الأزمة الداخلية الحادة في الأشهر الأخيرة. من بين الاتجاهات السلبية التي يمكن تحديدها - حتى بغض النظر عن الوضع الداخلي هنا -، اعتماد إيران وسعيها شرقاً نحو الصين وروسيا كثقل موازن للتدخل الأمريكي المتناقص في المنطقة؛ وتجلي التحالف بين إيران وروسيا في التدخل الإيراني المباشر في دعم الجهود الحربية الروسية في أوكرانيا وفي التزام روسي متزايد بتعويضها بعدة طرق سياسية وعسكرية؛ التسوية في العلاقات والتقارب الإيراني على مجموعة متزايدة من دول المنطقة، بعضها وقّع "اتفاقيات إبراهيم" مع إسرائيل.
كل هذه أمثلة لخطوات خارجية يكون حدوثها مقلقاً وسلبياً من حيث توازن الأمن القومي لإسرائيل. يجب أن يضاف إليهم أزمة التماسك الاجتماعي الأكثر حدة في تاريخ البلاد - وهي أزمة يتابعها أعداؤنا باهتمام كبير -. التصريحات الأخيرة، من بين جملة أمور من فم نصر الله، الذي يعرب عن أمله في ألا تحتفل إسرائيل بعيد استقلالها الثمانين، تنطلق من افتراض أن المجتمع الإسرائيلي ربما يكون قد تجاوز نقطة اللاعودة. بمعنى أنه حتى لو تم تأجيل الإصلاح بفضل أكبر احتجاج اجتماعي عرفته إسرائيل على الإطلاق، فإن أملهم هو أن الصراع في الشوارع سيستمر لأنه وفقاً لتحليل البعض، فإن الانقسامات عميقة بالفعل لدرجة أنه لا يوجد أي حل وسط تقريباً ينجح في اخماد الحريق في الشوارع.
إلى ذلك يجب أن يضاف ما يعتبر إليه في نظرهم على أنه إصابة حقيقية لبعض الارتكازات المركزية في مفهوم الأمن الإسرائيلي، وهي إصابة ينسبونها إلى الأزمة الداخلية هنا. أولاً وقبل كل شيء – إصابة قاتلة في تصورهم للتماسك الاجتماعي ووحدة المهمة والهدف للمجموعات المختلفة في إسرائيل. وهذا ضرر ينعكس بحسب وجهة نظرهم على قوة جيش الاحتياط، وبالتشديد على تشكيلاته الاستراتيجية (الجو، الوحدات الخاصة، السايبر). فضلاً عن التآكل المستمر للعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة، وهو ما انعكس في سلسلة طويلة من التصريحات لكبار المسؤولين الحكوميين في واشنطن ضد الانقلاب القضائي الذي يهدّد القيم المشتركة بين الدول وبحقيقة إلى أنه حتى هذه اللحظة لم تتم دعوة رئيس الحكومة إلى الاجتماع مع الرئيس في البيت الأبيض.
عندما تكون هذه هي الصورة التي يتم تلقّيها على "الجانب الأحمر" (جانب العدو)، فلا عجب أنه في الأسابيع القليلة الماضية تمّ توتير الحدود، ومساعي التحدي تزايدت. لا يجب الاستخفاف بالمحاولة الفلسطينية من قبل حماس بإيجاد وحدة ساحات عبر إطلاق نيران مهم من جهة لبنان، وبعد يوم على ذلك إطلاق هاون من الجولان السوري. حتى حزب الله أصبح أكثر جرأة. يجب أن نضيف إلى ذلك التزامن المتزايد في محور إيران، حزب الله، والمنظمات الفلسطينية – حماس والجهاد الإسلامي -. وقد ظهر هذا الأمر، من بين جملة أمور، بالاجتماعات بين قادة المنظمات الإرهابية التي تهيمن على مختلف الساحات. ومرة أخرى، هناك أيضاً الأمر تناسبي – لا يتعلق الأمر بإعداد معركة شاملة متكاملة لجميع أعدائنا معاً -. نعم، هذه جرأة متنامية على خلفية ما يراه هؤلاء على أنه انشغال إسرائيل بذاتها وبنفسها فقط.
ومن هنا تأتي أهمية الأيام الحاسمة المقبلة. عند النظر في المصلحة الأمنية الإسرائيلية، وفقاً لتقديراتي المهنية، فإن هذه المصلحة لا لبس فيها – التسوية التي سيتم التوصل إليها بين الأطراف في إطار الاتصالات الجارية هذه الأيام - تسوية من شأنها أن تحافظ على منظومة الضوابط والتوازنات التي تحافظ على إسرائيل دولة ديمقراطية وليبرالية. يجب أن تكون تسوية لا تتغلب على أي من الجانبين. من القواعد الأساسية في الجيش التمييز بين المهمة والهدف. عندما يكون ترتيب الأشياء واضحاً يجب أولاً تنفيذ المهمة. أتفق مع العديد من أصدقائي على أن المهمة الآن هي إخفاء الانقلاب القضائي في شكله الأصلي، حيث يتبين من تصريحات رئيس الحكومة الأخيرة أنه هناك معقولية غير قليلة أنه يقترب هو أيضاً إلى هذا المكان.
يجب تنفيذ المهمة والسعي إلى تحقيق هذا الهدف بأي ثمن، والهدف نفسه هو ضمان عدم تكرار مثل هذه الأزمة في العقود القادمة، وهو وعد يقوم على تأسيس دستور وترتيب الأمور التي من المهم حدوثها، ولكن ليس من الواقعي تحقيقها في المستقبل القريب. في مواجهة التحديات الخارجية الحادة والمتنامية لن تكون إسرائيل قادرة على تحمل استمرار النضال في الشوارع حتى يتحقق هذا الهدف. يجب على المرء ألا ينجرف وراء النجاح، والانزلاق إلى توسيع النضال أكثر. الحكمة هي معرفة متى تتوقف قبل فوات الأوان، وحتى ضد إغراء تحقيق الهدف الكبير، والآن.
الواقع الذي يتم فيه التوصل إلى تسوية، ولكن في نفس الوقت تستمر نواة صلبة من كلا الجانبين في النضال في الشوارع سينعكس على الجانب الأحمر عدم استقرار مستمر، وإضعاف الردع الإسرائيلي وتقوية تصورهم بأن الأمر لا يتعلق بأزمة لمرة واحدة ستخرج إسرائيل منها، ولكنها أزمة وجودية لا سبيل لإسرائيل العودة منها.
من ناحية أخرى، فإن التوصل إلى تسوية وتخفيف تصعيد الوضع الداخلي سيؤدي إلى ضائقة على الجانب الآخر. سيشهدون على واحدة من أوسع الاحتجاجات الاجتماعية التي نشهدها في العالم، نضالاً غير عنيف على عكس الممارسة في أماكن أخرى في منطقتنا، وفي نهايتها تبقى إسرائيل ديمقراطية وتتحول للتعامل مع ما هو مهم حقاً. في مثل هذه الحالة، ستتعزز صورة إسرائيل كجزيرة للاستقرار الديمقراطي في الشرق الأوسط. ستزيد هذه الصورة من استقرار "اتفاقات أبراهام" وربما تحفّز المزيد من الدول على الانضمام وتقوية وإعادة تأكيد العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة والسماح بالتعامل مع القضايا الاستراتيجية التي تم دفعها جميعاً جانباً لصالح الازمة الداخلية العميقة.
موقع القناة 12 – تامير هامين (رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقا والمدير الحالي لمعهد أبحاث الامن القومي)