مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة العامة للتجمع: "استذكارَ مجزرةِ صبرا وشاتيلا يجعلنا ننظرُ الآن بكثيرٍ من الحذرِ لما يحصلُ في مخيمِ عينِ الحلوة، ونعتبرُ أن هذا الذي يحصلُ هناك هو استمرارٌ لمسلسلِ إنهاءِ المخيمات"

العدد رقم 406 التاريخ: 2023-09-22

أبعاد زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق

توفيق المديني

أبعاد زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

توفيق المديني

ـــــــــــــــــــــ

وصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، يوم الأربعاء 3 أيار/مايو 2023، إلى دمشق على رأس وفد وزاري سياسي واقتصادي رفيع المستوى، يتكون من وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ووزير الدفاع محمد رضا آشتياني، ووزير النفط جواد أوجي، ووزير الطرق والتنمية العمرانية مهرداد بذرباش، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عيسى زارع بور، ورئيس مكتب الرئاسة غلام حسين إسماعيلي، وممثل عن مجلس الشورى عباس كلرو.

وتُعَدُّ هذه الزيارة الرسمية التي استمرت يومين، الأولى لمسؤول إيراني بهذا المنصب للدولة الحليفة لسوريا التي قدّمت الدعم الكبير، الاقتصادي والسياسي والعسكري للرئيس الأسد منذ اندلاع الحرب في سوريا، في الوقت الذي قطعت معظم الدول العربية علاقاتها مع دمشق في العام 2011، بسبب الإسقاطات المدمرة لهذه الحرب، التي شردت أكثر من 14 مليون شخص في الداخل والخارج. فقد أدَّى الدعم الذي حظيت به دمشق من روسيا وإيران لإنقاذ الدولة الوطنية السورية من السقوط، ما ساعد الحكومة السورية في تغيير مجرى الحرب لصالحها، واستعادة السيطرة على معظم مناطق البلاد.

واستقبل الرئيس بشار الأسد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وسط مراسم استقبال رسمية لدى وصوله إلى قصر الشعب، لكنَّه لم يَقُمْ  باستقبال رئيسي في المطار، وربما هذه هي  "رسالة من دمشق للعواصم العربية وإيران" حسب رأي بعض المحللين المتخصصين في شؤون  المنطقة. وقال الأسد خلال المحادثات الموسعة مع رئيسي: إنَّ "العلاقات السورية الإيرانية غنيّة بالمضمون، غنيّة بالتجارب وغنيّة بالرؤية التي كوّنتها، ولأنَّها كذلك كانت خلال الفترات العصيبة علاقة مستقرّة وثابتة على الرغم من العواصف الشديدة السياسية والأمنية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط".

من جانبه قال الرئيس رئيسي: إنَّ "سوريا حكومة وشعباً اجتازت مصاعب كبيرة، واليوم نستطيع القول بأنكم قد عبرتم واجتزتم كل هذه المشاكل، وحققتم الانتصار على الرغم من التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم".

وكان الرئيسان الأسد ورئيسي قد بحثا العلاقات الثنائية في مختلف المجالات وسبل تطويرها، كما تناولت المباحثات التطورات في منطقة الشرق الأوسط وانعكاس التغيرات العالمية على المنطقة، وتوحيد الجهود من أجل استثمار هذه التغيرات لصالح البلدين وشعوب المنطقة.

ووقع الرئيس بشار الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يوم الأربعاء الماضي مذكرة التفاهم لخطة التعاون الشامل الاستراتيجي طويل الأمد بين الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. كما جرى بحضور الرئيسين توقيع عدد من اتفاقيات التعاون في مجال الزراعة والنفط و النقل والمناطق الحرة والاتصالات وعدد من المجالات الأخرى.

وخلال إفادة صحفية عقب توقيع الاتفاقيات، قال الرئيس الأسد: "كان هناك حيز هام للعلاقات الاقتصادية في نقاش اليوم. ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها، والمشاريع التي تمت مناقشتها، وهي كثيرة وعديدة ستعطي دفعاً كبيراً لهذه العلاقات عبر تطوير آليات ترفع مستوى التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين، وتخفف من آثار العقـوبات المفروضة علينا مستفيدين من تغير الخارطة الاقتصادية للعالم وانتقال التوازن تدريجياً باتجاه الشرق والذي من شأنه أن يحرر الاقتصادات الدولية من هيمنة الغرب ويفقد الحصار مفاعيله تدريجياً".

من جهته قال الرئيس الإيراني: "بحثنا تطوير العلاقات في كافة المجالات، ونحن عازمون على تطوير العلاقات بيننا وبين دول المنطقة، كما أن كافة مذكرات التفاهم وخاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية يمكن أن تصب في مصلحة البلدين وفي توسيع العلاقات بينهما".

الظروف الإيجابية للزيارة

تأتي زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لسوريا، في خضم تحركات دبلوماسية إقليمية يتغير معها المشهد السياسي في المنطقة، لاسيما بعد توقيع الاتفاق السعودي -الإيراني في بكين في مارس الماضي، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد طول قطيعة دامت سبع سنوات على خلفية الحرب في سوريا. فالمصالحة السعودية الإيرانية كان لها تأثير إيجابي على كل بؤر التوتر التي لا تزال موجودة في المنطقة، من سوريا إلى لبنان واليمن.

كما تتزامن هذه الزيارة في ظل الانفتاح العربي الإقليمي، خصوصاً من جانب السعودية والإمارات، تجاه سوريا التي قاطعتها دول عربية عدة منذ اندلاع الحرب. فقد شهدت دمشق استقبال الشخصيات العربية البارزة خلال الفترة الأخيرة، بعد 12 عاماً من العزلة الإقليمية التي تقترب من نهايتها، إذ يتحدث المحللون والخبراء في منطقة الشرق الأوسط عن التطبيع العربي مع سوريا، الذي تقوده كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية، حيث التقى وزير خارجيتها الرئيس الأسد في نيسان/ إبريل في أول زيارة علنية من مسؤول سعودي منذ 2011، وإعادة تأهيل نظام الرئيس الأسد، حتى وإن كانت هناك بعض التباينات في مواقف الدول العربية من بينها قطر والكويت اللتان ترددتا بدعم الخطط التي تقودها السعودية لدعوة سوريا لحضور القمة العربية هذا الشهر، لكنَّ الاختلاف تلاشى بشكل كبير في وقت زاد فيه الاهتمام المشترك لتعزيز استقرار سوريا، والحفاظ على وحدة ترابها، وسيادتها.

وتأتي الزيارة على وقع الوساطة الروسية لإصلاح العلاقات بين دمشق وأنقرة التي دعمت بدورها الحركات الإرهابية والتكفيرية لسوريا خلال سنوات الحرب، وبعد أيام من اجتماع استضافته موسكو بحضور إيران وجمع مسؤولين سوريين وأتراكا، لبحث سبل تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا.

العدوان الإسرائيلي المستمر يستهدف الوجود الإيراني في سوريا

في ظلّ الحرب الروسية الأوكرانيّة، تراجع الدور الروسي في سوريا، ولم يعد من داعم حقيقي للدولة السورية سوى إيران والقوى الحليفة، وهو ما يفسر بكلام أوضح زيادة التواجد العسكري الإيراني  في سوريا، الأمر الذي أعطى المبرر للكيان الصهيوني لشَنِّ مئات الغارات الجوية خلال السنوات الماضية على سوريا مستهدفاً مواقع عسكرية  للجيش العربي السوري وأهدافاً إيرانية وأخرى لحزب الله اللبناني بينها مستودعات أسلحة وذخائر في مناطق متفرقة من ريف دمشق، وحمص، وحلب، وليس آخرها  العدوان الصهيوني ليل الإثنين 1أيار/مايو 2023، الذي  استهدف منطقة مطار حلب الدولي ومطار النيرب العسكري المحاذي له، ما أدى إلى تدمير مستودع ذخائر بشكل كامل. كما سقطت صواريخ على معامل تابعة للدفاع الجوي في الجيش السوري بمنطقة السفيرة (جنوب شرقي حلب)، تستخدمها القوى الحليفة. وأسفرت الضربة على المستودع قرب النيرب عن مقتل أربعة عسكريين سوريين وثلاثة مقاتلين موالين لإيران غير سوريين. ونادراً ما تؤكد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنها تكرر أنها ستواصل تصديها لما تصفه بمحاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري على مقربة من حدودها. وأعلنت إسرائيل في التاسع من الشهر نيسان/أبريل 2023 قصفها مواقع في جنوب سوريا، بعد إطلاق صواريخ منها باتجاه هضبة الجولان.

لقد ظلت سوريا وفية لتحالفها الاستراتيجي مع إيران، ولن تتخلى عنه من أجل إسرائيل أو غيرها، على خلفية المطالب الإسرائيلية بقطع دمشق لعلاقاتها مع طهران كشرط للسلام، الأمر الذي رفضته سورية مراراً.

الرئيس الأسد وسياسة التوازنات الإقليمية بين الإيرانيين والعرب

على الرغم من الطبيعة الأيديولوجية المختلفة في كل من نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونظام حزب البعث الحاكم في سوريا، فإنَّ العلاقات السورية – الإيرانية شهدت استقراراً واضحاً طيلة العقود الأربعة الماضية، على الرغم مما أصاب المنطقة من ويلات الهزات السياسية والجيوبوليتيكية العنيفة بسبب الحروب الإقليمية التي حصلت في المنطقة، منذ الحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988)، مروراً بالحروب الأمريكية على كل من أفغانستان (7 أكتوبر 2001) والعراق (20 مارس 2003)، وأخيراً الحرب الإرهابية على سوريا (2011 - 2019).

لقد أصبح لكل من سوريا وإيران، بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، عدواً مشتركاً هو أمريكا، ونظراً لسياسة الممانعة ضد السياسة الأمريكية في المنطقة التي ينتهجها البلدان، أصبح التحالف بين سوريا وإيران في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية ضرورة استراتيجية دفاعاً عن الوجود والاستمرار أمام التهديدات الأمريكية والإسرائيلية التي يواجهها كل من البلدين.

وفيما كانت الدول الخليجية، إضافة إلى أمريكا والكيان الصهيوني وتركيا يدعمون الحركات الإرهابية والتكفيرية في حربها الضروس لإسقاط الدولة السورية، وقفت إيران مع نظام الرئيس الأسد في هذه الحرب، وفق ما تقتضيه عملية المجابهة مع المخطط الأمريكي للهيمنة، ومقتضيات الصراع العربي - الصهيوني.

 وقد خلق هذا الخيار للرئيس بشار الأسد نزاعات مع العالم العربي، بسبب تراجع السياسة التوازنية الإقليمية لمصلحة إيران بعد مرور سنوات العواصف الهوجاء من الحرب التي صمدت فيها سوريا بفضل تحالفها الاستراتيجي مع روسيا وإيران، وهذا الوضع يختلف مع ما كان قائماً إبان حكم الرئيس حافظ الأسد الذي ظلَّ يراعي كثيراً التوازنات الإقليمية مع العالم العربي بما يتناغم مع  توجّهه نحو القيام بمهام قوة إقليمية مؤثرة؛ ردّاً على نهج كامب ديفيد الذي بدأ يعمّ العالم العربي بعد توقيع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979 التي أخرجت أكبر دولة عربية من دائرة الصراع العربي - الصهيوني، والضربة التي تعرّض لها لاحقاً نظام صدّام حسين في العراق بعد احتلاله الكويت 1990، والحملة الدولية التي أدّت إلى إخراجه منها عام 1991؛ ما خلق محوراً جديداً يمتد من طهران عبر دمشق إلى جنوب لبنان يرفع راية المقاومة.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه دمشق على تحالفها الاستراتيجي مع طهران، يرى المحللون والخبراء أنَّ النفوذ الإيراني في تزايدٍ، بعد أن هدأتْ الجبهات في سوريا نسبياً منذ 2019، وإن كانت الحرب لم تنته فعلياً. وتسيطر القوات الحكومية حالياً على غالبية المناطق التي فقدتها في بداية الحرب. وبات استقطاب أموال مرحلة إعادة الإعمار أولوية لدمشق بعدما أتت الحرب على البنى التحتية والمصانع والإنتاج.

يريد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من خلال زيارته إلى دمشق تحقيق أهداف عدَّةٍ، لعلَّ أبرزها، هو تثبيت وجود طهران في سوريا، إذ تشعر إيران أنَّ هناك محاولات لسحب البساط من تحتها، في إشارة إلى المباحثات التركية والعربية مع قيادة الدولة السورية.

وفضلاً عن ذلك، يؤكِّدُ الرئيس الإيراني عبر زيارته هذه، إِنَّ إيران موجودةٌ في سوريا، وإنَّ نفوذها ومصالحها مصانةٌ، ولا يمكن الحدِّ من نفوذها في سوريا، كما ترغب بعض الأطراف العربية، وإنَّ إيران لديها الاستعداد للدخول في مشاريع إعادة إعمار سوريا، حيث تراقب طهران ما يجري من مداولات بخصوص الحل السياسي في سوريا، لمعرفة دورها، ويبدو أنَّ "طهران تريد أن تكون الرابح الأكبر من إعادة تأهيل النظام السوري.

وليس خافياً على أحدٍ أنّ إيران تشعر بالقلق من الانفتاح العربي والإقليمي على سوريا، لا سيما أنَّ مصالحها باتت مهددة، ولذلك تحاول الآن تثبيت دورها الاقتصادي في إعادة الإعمار، بعد تثبيت نفوذها العسكري، والسياسي أيضاً في سوريا.

 

 

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

نجاح المحادثات في منزل الرئيس حاسمة لأمن إسرائيل

نجاح المحادثات في منزل الرئيس حاسمة لأمن إسرائيل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تواجه دولة إسرائيل منعطفاً حرجاً من وجهة نظر ...

دوليات

روسيا تتهم وأوكرانيا تنفي محاولة اغتيال الرئيس الروسي تصعيد خطير في سياق الأزمة

روسيا تتهم وأوكرانيا تنفي محاولة اغتيال الرئيس الروسي تصعيد خطير في سياق الأزمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ شهدت المواجهة العسكرية الروسية الأطلسية تطوراً خطيراً من ...

محليات

المبادرة الفرنسية هي السبيل الوحيد لملء الفراغ الرئاسي والرياض لا تضع فيتو على فرنجية

أوساط سياسية للبلاد: وسط التطورات التي يشهدها الإقليم.. المبادرة الفرنسية هي السبيل الوحيد لملء الفراغ الرئاسي والرياض لا تضع فيتو على فرنجية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد ...