المُقاومة الأسيرة.. شهيدٌ بأمعاء خاوية
زينب عدنان زراقط

المُقاومة الأسيرة.. شهيدٌ بأمعاء خاوية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب عدنان زراقط
ــــــــــــــــــــــــــــــ
"إن لم تكن حسينياً على طريق الشهادة... فكُن زينبياً وهذا طريق الإعلام والتبليغ" من آخر المُقتبسات لشهيد "الأمعاء الخاوية" الشيخ خضر عدنان.
إنه نهج ثورة الحسين التي أرعبت العدو، فكما صدح الشيخ نمر النمر بـ "هيهات منا الذلة" فذبحه آل سعود، كذلك قتل الطاغية "صدام حسين" للسيد محمد باقر الصدر ولحقه على الفور بقتل أخته بنت الهدى كيلا يكرر ما قام به يزيد من خلال تركه السيدة زينب (ع) على قيد الحياة -بعد الإمام الحُسين (ع) -، إلى الإمام المغيب موسى الصدر الذي نادى بثورة المستضعفين وصولاً للشهيد الرئيس "ياسر عرفات" الذي كان يبني قوام دولة فلسطينية مستقلة فسمموه وقتلوه.
واليوم الحركة الأسيرة هي القُنبلةُ الموقوتة بـ "خمسة آلاف قتيلٍ" تكمن وراء القضبان وفي قعر زنازين العدو الإسرائيلي، فدوماً ما تثبت المقاومة الشعبية أنها هي صانعة المفترقات الحاسمة في وجه العدو وقوة الدفع لتجاوز الخطوط الحمراء والإقدام على المواجهة.
كيف استشهد أيقونة معركة المقاومة الأسيرة، "الشيخ خضر عدنان" وكيف ردت المقاومة ومن خلّفَ الأسير الشهيد وراءه للأخذ بالثأر؟!.
الشيخ خضر عدنان الذي استشهد فجر الثلاثاء الماضي بسجن (الرملة) الصهيوني في اليوم الـ 87 لإضرابه عن الطعام الذي أعلنه لحظة اختطافه في الخامس من شباط الماضي، وهو إضرابه السادس من بعدما كان قد حقق حريته دوماً في اعتصاماته السابقة عن الطعام، ولكن الحرية اليوم كانت حريةً لا أسرَ ولا عذاب البتةَ بعدها.
الشيخ هو قيادي في حركة الجهاد الإسلامي، وكان قد اختطفه العدو من منزله في بلدة عرابة جنوب جنين شمال الضفة الغربية، وهو متزوج وأب لتسعة أطفال، أصغرهم يبلغ من العمر عاماً ونصف العام، وأكبرهم 14 عاماً. وقد تعرّض للاختطاف 12 مرة، وأمضى أكثر من ثماني سنوات في معتقلات العدو الصهيوني، خاض خلالها ستة إضرابات عن الطعام، أولها عام 2004 استمر 25 يوماً، وآخرها إضرابه الذي استشهد خلاله. ففي عام 2012، فجّر الشهيد عدنان "ثورة الإضراب الفردي" في معتقلات العدو بعد مقولته (كرامتي أغلى من الطعام)، عقب اعتداء قوات الاحتلال عليه، حيث قرر الإضراب عن الطعام والكلام معاً، واستمر إضرابه 66 يوماً، وشكّل حالة تاريخية ومفصلية في تاريخ النضال الفلسطيني انتهت برضوخ الاحتلال له والإفراج عنه.
المقاومة تضرب والإسرائيلي محبط
اعتبر نادي الأسير أنّ الأسير خضر عدنان الذي اعتقل في الخامس من شباط الماضي، تعرّض لعملية اغتيال ممنهجة من قبل أجهزة الاحتلال، وكان من الواضح من كافة التفاصيل التي مرت على مدار الفترة الماضية، أنّ الاحتلال "الإسرائيلي" كان لديه قرار باغتياله حيث احتجز الشهيد عدنان على مدار الفترة الماضية في زنزانة في عيادة سجن الرملة. حيث كان يخوض معركة الأمعاء الخاوية لليوم الـ 87 رفضاً لاعتقاله، وسط تدهور حاد لحالته الصحية. وقد خاضت المقاومة الفلسطينية مواجهاتٍ ضدّ جيش الاحتلال أثبتت فيها أنّ لها الكلمة الفصل بالطلقة الأولى والطلقة الأخيرة مقابل تراجع "ردع" الاحتلال وتصاعد حالة الإحباط في أوساط الجبهة الداخلية من الهجمات الأخيرة على قطاع غزّة.
كان الرّد على اغتياله معركة الكلّ الفلسطيني دون استثناء، وكانت الجولة العسكرية بقيادة الغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية التي كرّست الوحدة من جديد على غرار معركة "وحدة الساحات" في آب الماضي والذي يرمي الاحتلال منذ ذلك الحين إلى عزل حركة الجهاد الإسلامي عن ذراع وحدة المقاومة. وقد أطلقت الغرفة المشتركة أكثر من 100 صاروخ وقذيفة هاون، حسب اعتراف جيش الاحتلال، كردّ على جريمة الاغتيال، وقد شنّ جيش العدو على إثرها سلسلة غارات على قطاع غزّة، ولكنّ حجم العدوان أظهر أنّ الكيان ليس معنياً بتوسيع رقعة المواجهة إلى ذلك ألغى مناوراته التي كان من المقرر تنفيذها في اليوم التالي في غلاف غزة. في حين كانت المقاومة تزيد من مديات الرشقات الصاروخية في اللحظات الأخيرة قبل التوصّل الى إعلان وقف إطلاق النار.
وقد شنّ مسؤولون، وأعضاء أحزاب إسرائيليون، هجوماً لاذعاً على حكومة بنيامين نتنياهو، مُتّهمين إياها بالضعف والانكسار أمام المقاومة في غزة. كما لفتت "القناة 13" العبرية الى إخفاق جديد للقبة الحديدية، في حين أن 48 صاروخاً للمقاومة سقطوا على مناطق تعتبر غير مأهولة لكنها كانت تضم ورش بناء يعمل فيها عمّال أجانب. وظهر لافتاً ما صرّح به، رئيس بلدية سديروت المتطرف ألون دفيدي الذي صرّح بأنه "نحن نفخر بأننا نعرف كيف نشنُّ ضربات ونصل لإيران وسوريا، لكن هنا على بعد مترين منا، يوجد جيش من المخربين، لا تتجرأ دولة إسرائيل على استهدافهم"، وذلك في إشارة لعدم قدرة الاحتلال على التعامل مع المقاومة في غزة وانكسارها أمام ما تُمليه من وقائع. واتهم الإعلام العبري قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال أليعازر توليدانو بأنه "أكبر المذنبين في تآكل الردع".
زوجة الشهيد "زينبيةً" وأعدّت للثأر...
إلاّ أن الرّد الذي كان أكثر تعبيراً من وقعِ الصواريخ، وأشدّ إدماءً للقلب، صرخة عتاب على المقاومة وتنصّلٍ من السلطة وتوعّدٍ بـ "تسعة" ثارات للـ "خضر"... إنها زوجة الشهيد التي خرجت للإعلام - ولكنها لم تُعطَ حقّها بالنشر والجهر بمضامينه - هي من ستكمل النضال بروح شهيدها فجهرت في وجه الجميع قائلةً "كان دائماً الشيخ يقولها، لم تسقط ولم تُراق قطرة دم في إضرابات الشيخ الخمسة السابقة، واليوم نقول بارتقاء الشيخ ونيله أقصى ما كان يتمنى، لا نُريد أن تُراق قطرة دم، لا نُريد من يردّ على استشهاد الشيخ، لا نريد من يضرب الصواريخ وتضرب غزة بعدها، الشيخ نال أقصى ما كان يتمنى، من كان يستطيع ولم يفعل من رفع الظلم والجور الذي كان يُعانيه الشيخ، لا نُريد منه اليوم، نحنُ في حلٍّ ونُحلّل أمرنا منه، أقولها لكل العالم كما قُلتها، لا ننتظر من أحد أن يرُدّ للشيخ، فخلف الشيخ تسعة من الأبناء بإذن الله، وأقولها للاحتلال قبل السلطة وقبل الفصائل وقبل كُل قِوى المُقاومة، احفظوا وجوه أبنائي جيداً، فواللهِ ما ربيناهم إلا على العزة والكرامة".
زوجة الشهيد "خضر عدنان" وضعت كلماتها على الجرح تماماً، عاتبت فصائل المقاومة والجميع وكل من كان بإمكانه أن يكون مؤثراً بفعلٍ أو كلمةٍ أو رصاصة حين كان الشيخ يخوض معركة إضرابه ولم يفعل، فاستغنت عن الجميع بعد رحيل الشيخ، وكأنه لا جميل لأي ردٍّ مهما يكن فما مِنْ فعلٍ يُعيد الشهيد... لقد فات الأوان...
في الختام، زوجة الشهيد لبّت وصية زوجها، لتكون زينبيةً عن طريق الإعلام والتبليغ وأعدّت للعدو ذُرّيةً ليأخذوا بثأر أبيهم وفداءً لأرض فلسطين... في هذا المحفل نستذكر كلمةً ثوريةً محفورة بالوجدان لأمين عام المقاومة الإسلامية في لبنان - السيد حسن نصر الله - يقول فيها: "ثقافة الموت هي عندما تكون ليثاً فتُقتل فتتحوّل إلى نعجة، ثقافة الموت هي عندما تكون أسداً فتُواجه وتُقتل فيأتي أولادك ليُسلّموا رؤوسهم وأيديهم إلى الجلّاد. أمّا ثقافة الحياة، عندما يُقتل الليث منّا، يعرف الأبناء عدوّهم فيتقدّمون للأخذ بالثأر.. لمنع الاغتصاب ولمنع الاحتلال ولإعزاز الأمّة".
فحتى متى سيستمر صبر المقاومة الفلسطينية على بقاء أكثر من 5000 أسير يتعذبون في غياهب سجون العدو الإسرائيلي، تحت وطأة التعذيب والتنكيل وتفشّي المرض؟ وكم من أسير يجب أن يستشهد وكم من فدائي عليه أن يرتقي حتى يبلغ الغضب إلى مواجهةٍ لا وقف إطلاق نار فيها، حتى تكون فلسطين قد تحررت وطرد العدو منها؟!.