مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة العامة للتجمع: "استذكارَ مجزرةِ صبرا وشاتيلا يجعلنا ننظرُ الآن بكثيرٍ من الحذرِ لما يحصلُ في مخيمِ عينِ الحلوة، ونعتبرُ أن هذا الذي يحصلُ هناك هو استمرارٌ لمسلسلِ إنهاءِ المخيمات"

العدد رقم 406 التاريخ: 2023-09-22

الشاعِرُ المحزون

غسان عبد الله

أول الكلام

الشاعِرُ المحزون

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

غسان عبد الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أقول في ارتياح عميق: هذا متنهّدٌ للتواصل الحميم.. طوالَ النهارِ وأقدامُنا تغوص في الرمال، وأرواحنا تتصدع بالعطب، ونصبر تحناناً لليل.. فيا لِوَدَاعَةِ ليل السلوان.. أَذِّنْ بالناس إلى الليل..

تتعلق بوجهِي العيونُ وتُبْحِرُ: أهِيمُ بالانطلاقِ والقلبُ متعبٌ، وفي نفسِي ينتصبُ ليلٌ من الهجيرِ محتشداً بالرمالِ والفلوات.. تأتَلِقُ عينايَ وشَفَتَايَ بالأغاني، وأصابِعي تنفرَّدُ فوقَ المائدةِ حزمةً من سنابلِ القمح.. أنْهَضُ من قُرَارَةِ الجلسةِ زنبقةً تفيضُ طيباً وشذى، وكالنورسِ المرتحلِ أُلامِسُ المرافئَ وأمضي.. يسراي فوق قلبي وعيناي مخضلّتان بلؤلؤة الحزن النبيل... تَقْلَقُ الكلماتُ على فمي كعصافيرَ مترددةٍ مذعورةٍ، يفرّ بعضُها.. وبعضُها ينكفئُ إلى الداخِلِ مكسورَ الأجنحةِ ليدخُلَ في عشِّ الضلوعِ وينتظمُ حبةً في سحابِ الحسراتِ الكظيمة.. تُقاطعني كأسٌ عاشقةٌ تعبُرُ مسافةَ الصدرِ إلى شفتيَّ، تخطفُ رَشفَةً تعودُ مكانَها فتومئُ مِنْ حولي فرقةُ الصحبِ بنشيدٍ قدسيٍّ.. وتتشرَّبُ، القاعةُ الصدى... وكالمِظَلَّةِ الهابطةِ من السماءِ تستقرُّ الأيدي على المائدة.. بأصابِعَ رشيقةٍ وخجولةٍ أمسحُ ندى العينين، وتسقسق في مضيقِ الصدرِ غِدْرَانُ الوجَعِ.‏

وطنٌ يمتدُّ من رؤوسِ الأصابِعِ إلى سفوحِ الرؤوسِ.. ينبِضُ في مسارِ الأوردةِ ويخضرُّ في الحُلُمِ.. تَشْهَقُ راياتُهُ كالشُّهُبِ وتعتلي المدى أمنيةٌ لا تطال.. وطنٌ لا تدري كيف يبتدئُ ولا أين تنتهي أمواجُهُ.. الضفافُ أبعدُ من مرامي البصر.. وتسألُ نَفْسَكَ: أمنفيٌّ فيكَ أم أنت منفيٌّ فيه؟! أمنَ الزمانِ يرحلُ كلٌّ منا إلى الآخَرِ أم من المكان؟! آه يا وطنَ الحَيْرَةِ والعشقِ والاغتراب.. لو أن يديَّ تطولانِ هذا الوطن، تضمِّدانِ جُرْحَهُ المعطَّرَ بدمِ الشهداء.. تخفُقُ فيه الريحُ ولهى وبرءاً للوجع.. لو أن هذا القلبَ الصغيرَ يتَّسِعُ له ولكم.. وللأطفالِ يلعبونَ في استراحةِ الحقائِبِ المدرسيةِ، ومع كلِّ لفتةٍ يتفَتَّحُ في الوَجَنَاتِ الوردُ.. وعلى الأرصفةِ تخضرُّ الأغاني وتُورِقُ ظلالاً وأيادي تتشابَكُ وتمضي.. لو أن الوطنَ يدخُلُ في قيامةِ الشعر لكان كلُّ واحدٍ منكم.. كلُّ واحدة منكنَّ.. منهم.. يصيرُ الوطنَ الملاذ.. الوطنَ الحب، القداسة، الديمومة.. ولكن، واقلباه! أُحِسُّ الوطنَ هَجَرَني.. ألتَمِسُهُ موزَّعاً بين شقاءِ الطفولةِ التي تناوَبَتْها الأمراضُ وبين الخيباتِ وصوتِها، وصداها، ونزعاتِ الامتلاكِ.. يغادرُني الفرحُ في باخرةٍ حَمَلَتْ عينيها الأَنِيسَتَيْن وارتَحَلَتْ... يُخَلِّفُني في شرفةِ الليلِ ويذهبُ لحضورِ الولائمِ واعداً بالرجوع... ينقضي الليلُ، طفلتي في الداخِلِ تقرأُ القرآنَ وأنا منتظرٌ حتى الفجرِ، ولا يرجِعُ الفرحُ أبحثُ عن اسمِهِ في الدفاتِرِ والذواكِرِ والكُتُبِ فأجِدُني قَلِقاً منهوباً بين الحقيقةِ والوهم.. أتقرَّى جبهتي وقلبي وأرنو فتتصعَّدُني رعدةُ الفرحِ الكلِّّي، أكادُ أقول: ها أنا ذا يغمرُني الفرحُ.. وبَغْتَةً تَبْتَرِدُ جبهتي، ويخنُقُني ضيقٌ لا أدري مأتاهُ، ويصيرُ التنفُّسُ صعباً، والمداخلُ مغلقةً، وكذا المخارجُ، فأناديكم... أبحثُ في وجوهِكُم عن الفرح.. كيف بالله تطاوِعُكُم قلوبُكُم ألاَّ نلتقي سوى مرةٍ في العامِ أو مرتين؟!

أحياناً يغتلي في نفسي شوقٌ إلى الصلاة، أخرُجُ ملثَّماً بالهموم والجراحِ أطوفُ في الشوارع أتسربلُ بالنسيمِ البليل وأتيمَّمُ بالصعيدِ الطيِّبِ مضمخاً بشميمِ التربةِ بعد المطر.‏

تمرُّ بيَ الأشجارُ وتنسَحِبُ إلى الخلفِ، أبارِكُ العشَّاقَ المتمهلينَ وأُلقي عليهم تحيةَ المساءِ فيبتعدونَ وَجِلِينَ كطيورِ القطا.. تصيرُ الصلاةُ على شفتيَّ ترنيمةً، أغنيةَ ترجيعِ ذكريات.. فأُسْرِعُ.. أحثُّ الخطا.. وقدماي تغوصانِ في الرمالِ.. أتشهى قصائدَ يَغْسِلُني تَسْكَابُها ويَغْسِلُ الأرصفةَ والنفوسَ.. أتحرَّقُ لأصيرَ شهقةَ أغنيةٍ، سَحْبَةَ وَتَرٍ وأَنْكَسِر، خَفْقَةَ جناحٍ وأهوي، جرحَ غيمةٍ صَعَقَها البرقُ، سَهماً يثقُبُ هذا الحصارَ ويبتَعِدُ.. صوتاً يستبيح كل هذه الشرفات العالية.. ويبقى..‏

أحبائي.. نحن حباحِبُ هذا الليلِ.. كلٌّ منا يضيءُ بحسبان.. لو تقارَبَتْ أضواؤنا لانجلى هذا الليلُ ألاّقا بهيّاً.. ينبغي لوجَعِنا أن يؤرِّقَ هذا الليلَ العربيَّ.. فالصحراءُ بغير الأصوات تموت..‏

أتعبتُكُم؟.. حسناً.. أموتُ ورمحي في خاصرتي.. وأنا الشاعرُ المكلومُ.. جنتي في صدري.. فظلوا صامتين.. سأبْحَثُ في الحُلُمِ عن وطنٍ آخر... وعن ندامى أكثرَ أُنساً، وأعْمَقَ حزناً.. أنا رمادُ العنقاء وكَمَدُ الحبارى... فضعوني في أصيصٍ عتيقٍ وانتظروا.. من الطينِ والترابِ والرمادِ سأخرُجُ بعد حينٍ، زهرةً كالأفقِ المدمى تتزاحمونَ على قطفِها فوداعاً الآن.‏

ببهاءٍ لا يُرْوَى وعلى ريثٍ وتمهُّلٍ أمضي نحو كَنَبَةٍ في طَرَفِ القاعةِ.. أستلقي بأناة، أفرُشُ ذراعيَّ كقطبين ثم أضمُّهُما إلى صدري، يورق وجهي بأغنيةٍ لا تُسْتَجلَى، ومن شفتيَّ تخرُجُ سنونوةٌ صغيرةٌ تقول: زملوني.. وأغفو.. أغفو..

عند النوافِذِ في المساء.. أفتَرِشُ أرضَ الأملِ الوافِدِ على صهوةِ الروحِ.. وأكتُبُ يومياتي بحبر القلب.. أبحثُ عن مُفرَدَةٍ بِحَجْمِ الحبِّ الذي يسْكُنني.. وأواصِلُ فجرَ القصيدة.

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

نجاح المحادثات في منزل الرئيس حاسمة لأمن إسرائيل

نجاح المحادثات في منزل الرئيس حاسمة لأمن إسرائيل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تواجه دولة إسرائيل منعطفاً حرجاً من وجهة نظر ...

دوليات

روسيا تتهم وأوكرانيا تنفي محاولة اغتيال الرئيس الروسي تصعيد خطير في سياق الأزمة

روسيا تتهم وأوكرانيا تنفي محاولة اغتيال الرئيس الروسي تصعيد خطير في سياق الأزمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ شهدت المواجهة العسكرية الروسية الأطلسية تطوراً خطيراً من ...

محليات

المبادرة الفرنسية هي السبيل الوحيد لملء الفراغ الرئاسي والرياض لا تضع فيتو على فرنجية

أوساط سياسية للبلاد: وسط التطورات التي يشهدها الإقليم.. المبادرة الفرنسية هي السبيل الوحيد لملء الفراغ الرئاسي والرياض لا تضع فيتو على فرنجية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد ...