مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة العامة للتجمع: "استذكارَ مجزرةِ صبرا وشاتيلا يجعلنا ننظرُ الآن بكثيرٍ من الحذرِ لما يحصلُ في مخيمِ عينِ الحلوة، ونعتبرُ أن هذا الذي يحصلُ هناك هو استمرارٌ لمسلسلِ إنهاءِ المخيمات"

العدد رقم 406 التاريخ: 2023-09-22

لكل عصر ثقافته

غسان عبد الله

هامش ثقافي

لكل عصر ثقافته

ــــــــــــــــــــــــــ

غسان عبد الله

ـــــــــــــــــــــــ

كل شيء يتغير من حولنا، حتى الذي نظنه ثابتاً يتغير بفعل الزمن، ربما لا ندرك ذلك، أو نتغافل عنه، كي لا تختلّ عطاءاتنا وكدحُنا في الحياة، وإحساسُنا بذواتنا التي تملك أسئلة عن الماضي والحاضر، تجتهد في أن تضعها كعلامة متميزة على المستقبل.

لقد وضع أحد فلاسفة اليونان الطبيعيين البذرة الأولى لقانون التغير، حين قال: أنت لا تستطيع أن تنزل البحر مرتين لأن الماء يتجدّد في كل مرة. كان همه النظر إلى الوجود من زاوية الطبيعة، وتفسير آليات تحركه وسكونه على ضوء الجدل الخفي بين ظواهرها الأربعة: الماء والنار والتراب والهواء.

بدت تلك الصيرورة كثمرة في سلة التاريخ، وتطورت على يد فلاسفة ومفكرين وعلماء، حتى ربطت الوجود بالزمان. لكن مع ذلك يبقى السؤال ضرورياً حول تغيّر الذائقة الجمالية، ومدى ارتكازها على ثقافة العصر، وهل هو تغير في الشكل أو المضمون؟ يتأثر بصراع الثقافات والحضارات، بكل نوازعه ومظانه، بين القوة والضعف، أو القديم والجديد، والرقي والتخلف؟!.

في عالم الموضة، تبدو الذائقة الجمالية قرينة الزوالِ الدائم، فكلُّ جديدٍ يغادر القديم، أو على الأقل يحاولُ أن يبني وجودَه وهويته على أنقاضِه، بغضِّ النظرِ عن الاعتبارات الاجتماعية والثقافية الخاصة بالمجتمع، المهم أن يحقّق الجديد انتشاراً، ويصبح صيحة مدوّية، حتى ولو توجّه إلى طبقة أو شريحة اجتماعية معينة.. هنا التغيُّر ينصبُّ على الشكل، ولا يولي اهتماماً بالمضمون، وعلى الرغم من أننا لا نجرد الموضة من اللعب على وتر البعد النفسي، فأحياناً يصبح التغيُّر تحت وطأة هذا البعد شكلاً من أشكال العلاج للبشر، فالتجديد في الزي الخارجي مطلب وضرورة، من أجل البحث عن سعادة ما، تحت مظلة حرية اللعب والتعبير، لكن سيكون من العبث أن نتساءل: هل ثمة موضة للفقر أو الجوع، أو للحروب والكوارث التي تخلف دماراً للإنسان والحياة؟.

نعم، لكل عصر ثقافته وموضته ونموذجه الذي يبقى في ذاكرة العالم، فما زلنا نتذكر أفلام الأبيض والأسود، نحنّ لمحاكاة ما ارتداه نجوم ونجمات الأفلام، وبالتوازي مع ما طرحته من مضامين وأفكار ورؤى إنسانية، قد لا تزال أطيافها ممتدة في عالمنا الراهن.

بالمقابل، نجد أنه في واقعنا العربي الذي أدمن هذه المحاكاة، إلى حدّ الاستعارة دائماً ما نتوهم أننا نرتفع بأقدامنا، ونحلّق في فضاءات تلك العصور، متجاهلين في اللحظة نفسها منطق التمايز، الذي يربط قوة الجذب الاستهلاكي بقوة المجتمع وتقدمه على المستوى الإنساني ديمقراطياً وثقافياً واجتماعياً، وعلى مستوى العلم الذي وصل مداه التكنولوجي في البحث عن كواكب أخرى تصلح عليها الحياة. لذلك تتلاشى نوازع الغربة تجاه الموضة في تلك المجتمعات، بل تعدُّ تطوّراً طبيعياً لحراكها الإنساني الشامل.

قد يكون من اللافت هنا أن جوهر المضمون ثابت، فالخير هو الخير والشر هو الشر، والجمال نقيض القبح، لكننا في الوقت نفسه، ننسى أن ما يصنع لهذا المضمون امتداداً في مفاصل الحياة والزمان والمكان، هو شكل ممارسة الخبرة البشرية له، والتي يتغير إيقاعها من مجتمع إلى آخر، وفقاً لمنظومة الرقي والتخلف. هناك رغبه دائمة للتقليد والمحاكاة، حتى كشكل من أشكال التعلم واكتساب الخبرة، لكن الابتكار، يستند على ما يخصك، على قدراتك ومقوماتك الذاتية.

صحيح أن مجتمعاتنا العربية تمتلك ما يخصها، ولديها الخبرات المساعدة لذلك، لكن شكل الحياة وعلاقتنا بها يقف حجر عثرة في ذلك. ثمة حالة من العقلنة الغامضة، تنتجها الأعرافُ والتقاليدُ الجامدة، والأميّةُ، وطبيعةُ المجتمعِ الشرقيّ، تطغى على تشكيل الموقف من الحياة، وتضعُها دائماً في خانةِ الضرورةِ الشخصية الضيقة، كرغبةٍ ماديةٍ محضة، وليس كحلمٍ مفتوحٍ على آفاقِ الخيالِ والحرية، وطاقة للهدم والبناء.. نحن نختبئ من الحياة، ونتفنن في أن نضفي على هذا الاختباء مبررات واهنة. ففي أدبنا الحياة مستترة إلى حد الغموض تحت ركام من الاستعارات والرموز والدلالات اللغوية، وفي أزيائنا نضع أمام شعورنا بجسدانية الجمال حواجز من قبيل الحياء ودرءاً للفتنة، مع أن الحياء مقوِّم فني وجمالي، وليس أخلاقياً محضاً.

من المؤكد أن هناك دائماً حدوداً يمكن أن نقيس في خلالها ما هو مرفوض، وما هو مقبول، بحكم معايشتنا للأشياء والعناصر، لكن نظرتنا ستظلُّ نسبيةً وقاصرةً أمام الجمالِ المحض، وسنتعثّرُ كثيراً ونحن نحاولُ أن نضعَ أطراً للمعايير الجمالية، لأن الجمال ببساطةٍ علاقةٌ تتوحد فيها كل تعارضات الجسد والروح، ونحن لم نعشه بالشكل الحاسم، بالتركيز البصري المبني على حساسية الالتقاط والتحليل المكوِّن للحظات خاصة من الوعي والفهم، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، فالجمال ليس مجرد مثير للعواطف والانفعالات فحسب، إنه رؤية للكون، للبناء والنمو، تذهب إلى الأبعد والأعمق، فيما وراء الانطباعات المباشرة، والغرائز الفجة.

 لكن، ما الذي نحتاجه إذن، ليكون لنا معاييرنا وذائقتنا الخاصة، أمام حمى الاستهلاك التي تضخ كل يوم عشرات الأنياب في ماكينة العولمة والفضاء الافتراضي على مواقع الإنترنت، هل تصلح التلقائية لحفظ ضمائرنا ومزاجنا من أشكال التلاعب؟.

مؤكد أن التلقائية هي ما يشدُّنا دائماً إلى الداخل، لكن كيف نعيدُ ترتيبَ وتنظيف هذا الداخل ليكون بمثابة مصفاة ومرآة لكل ما يستقبله من العالم الخارجي المليء بالفوضى. إننا ربما لا نستطيع مجاراة الإيقاع الفوري الذي يشكل زمنية الفضاء الافتراضي، لكن على الأقل ينبغي أن نعيد النظر في ثقافتنا، لتخرج من عباءة السرد، إلى فضاء الحركة.

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

نجاح المحادثات في منزل الرئيس حاسمة لأمن إسرائيل

نجاح المحادثات في منزل الرئيس حاسمة لأمن إسرائيل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تواجه دولة إسرائيل منعطفاً حرجاً من وجهة نظر ...

دوليات

روسيا تتهم وأوكرانيا تنفي محاولة اغتيال الرئيس الروسي تصعيد خطير في سياق الأزمة

روسيا تتهم وأوكرانيا تنفي محاولة اغتيال الرئيس الروسي تصعيد خطير في سياق الأزمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ شهدت المواجهة العسكرية الروسية الأطلسية تطوراً خطيراً من ...

محليات

المبادرة الفرنسية هي السبيل الوحيد لملء الفراغ الرئاسي والرياض لا تضع فيتو على فرنجية

أوساط سياسية للبلاد: وسط التطورات التي يشهدها الإقليم.. المبادرة الفرنسية هي السبيل الوحيد لملء الفراغ الرئاسي والرياض لا تضع فيتو على فرنجية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد ...