احتجاج الاحتياط.. صورة وضع والمدلول على جيش الإسرائيلي

ترجمة وإعداد: حسن سليمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احتجاج عناصر الاحتياط والأزمة التي تصيب الجيش الإسرائيلي سيتم فحصهما في هذا المقال من ثلاثة زوايا: عدن التطوع، احتواء الاحتجاج، قانون التجنيد. وخلاصة التحليل أنه حتى لو بدا أن احتجاج الاحتياط قد هدأ حسب الظاهر، فإن التهديد بعدم التطوع للاحتياطيات ما زال قائماً ومن المتوقع أن يتم استئنافه إذا تم تقديم تشريع في الكنيست لتغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة كجزء من "الإصلاح" الذي تقوده الحكومة، أو إذا وصل قانون التجنيد، في صيغة أو أخرى، إلى تشريع.
يجب حماية الجيش من محاولات جره إلى الساحة السياسية، ومن المهم معالجة تأثير احتجاج الاحتياط على تماسك الوحدات والتشكيل بأكمله.
يبدو أن احتجاج جنود الاحتياط قد هدأ بسبب عطلة الكنيست، عيد الفصح وعيد الاستقلال، وشهر رمضان الذي مر بهدوء نسبياً. لا توجد حاليًا (تقريبًا) تهديدات في وسائل الإعلام بشأن عدم التطوع، ولا يوجد (تقريبًا) أي تنفيذ لتهديدات سابقة بعدم التطوع. إضافة الى ذلك، بعد إطلاق النار من لبنان وقطاع غزة خلال عيد الفصح، تم تجنيد جنود الاحتياط بشكل مقلص وفقا للأمر رقم 8. امتثال جنود السايبر، الطيارين، الاطقم التقنية، اللوجستيك، وجنود القيادات كان كاملا. وفي هذه الأيام، وفقا لتقارير اجنبية، سلاح الجو (بمن فيهم جنود في الاحتياط) هاجم في سوريا وكتائب احتياط في وحدات ميدانية تتدرب كالمعتاد وتمتثل بنسب مرتفعة أكثر من السنة السابقة. ولكن، أهلية الجنود ونفس امتثالهم ليس سوى جانب واحد من جوانب الأزمة التي تصيب الجيش. جانب آخر هو تأثير احتجاج الاحتياط على تماسك الجيش الإسرائيلي وإمكانية الاستخدام السياسي للخدمة العسكرية.
عدم الامتثال
مع بداية الاحتجاج ضد الإصلاح القضائي الذي تروج له من قبل الحكومة، تم ارسال عشرات الرسائل الموقعة من قبل آلاف الجنود، الذين هددوا بعدم الامتثال لخدمة الاحتياط (يسميها البعض "رفض خدمة"، لا سيما على أنها تحدي). معظم جنود الاحتياط الذي يهددون يخدمون في وحدات خاصة وفي تشكيلات خاصة. وفوق الجميع كان هناك الطياريون، الذين كانوا اول من يكتب بشدة، ويوقع وينظم في مجموعات على شبكات التواصل الاجتماعي. الطيارين، بسبب مكانتهم ووظيفتهم الحساسة في الجيش الإسرائيلي جذبوا غالبية الانتباه والردود. مع ذلك، حتى الان القليل من الجنود، بشكل خاص من سلاح الجو (وليس بالذات طيارين) نفذوا تهديدهم وتوقفوا عن التطوع. معظم الطيارين وأيضا الذين من منظومات السايبر، الاستخبارات، الوحدات الخاصة، الذين وقعوا على رسائل تهديد بعدم الامتثال، سبق ان خدموا منذ ذلك الحين في الاحتياط (في نشاطات عملياتية كما اكتمل وجود المجندين بموجب مرسوم رقم 8 عقب إطلاق النار من الشمال وقطاع غزة خلال عيد الفصح.. تجدر الإشارة، إلى أنه تم إرسال عدد قليل نسبيًا من العرائض أو الرسائل التي تم توقيعها من قبل قادة وجنود من سلاح البر أو المدرعات أو المدفعية أو الهندسة أو سلاح المشاة. لهذا المعطى المهم أهمية قصوى، لجوهر، مستقبل، ونموذج عمل منظومة الاحتياط.
إذا كان الأمر كذلك، فهناك فجوة واضحة في هذه المرحلة بين شدة التهديد والفوضى التي أثارها، وبين تنفيذ التهديد. تشير التقديرات إلى أنه إذا تم تحويل القانون المتعلق بتشكيل لجنة القضاة إلى التشريع، فإن احتجاج جنود الاحتياط سيظهر في غمضة عين، ونتوقع أنه في ذلك الوقت، ستنفذ العديد من التهديدات الخاصة بهم وسيتوقفون عن التطوع.
سياسات الاحتواء وعواقبها
تعامل الجيش الإسرائيلي مع ظاهرة عدم التطوع في خدمة الاحتياط جرى حتى الان على مستوى الدعائي التوضيحي. بحسب توجيه رئيس الأركان، القادة، وحتى هو بنفسه، اجتمعوا مع الجنود وضباط الاحتياط، من اجل توضيح المخاطر الكامنة للجيش الإسرائيلي في حال تنفيذ عدم الامتثال. تمحورت المحادثات بالمخاطر الناتجة عن عدم التطوع، سواء على المستوى الأمني البحت (انخفاض في الكفاءة العملياتية لمنظومة الاحتياط، وانخفاض في الردع)، او فيما يتعلق القيمي الاجتماعي للحفاظ على الالتزام المتبادل ومنع حدوث تمزق في منظومة الاحتياط، وهو التمزق الذي ستؤثر نتائجه على (وأثرت بالفعل على) الجيش بأكمله.
سياسات الجيش الإسرائيلي اليوم تجاه الذين يهددون بعدم التطوع هي سياسات الاستيعاب التي "تحتضن" المترددين، في محاولة لعدم إبقاء المترددين بعيدًا عن الخدمة، وهذا من منطلق فهم الحاجة إلى وجود منظومة احتياك كفؤة متماسكة. يبدو أن الصورة الحالية الموجودة أمام رئيس الأركان وضباط هيئة الأركان العامة تقودهم إلى استنتاج أن الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن صحيحة والنتائج ترضيهم. ولكن، يبدو ان هذا الاستنتاج صحيح لهذه المرحلة، مرحلة "التهدئة"، لكن ليس بالضرورة ستكون كافية إذا استأنف تهديد التشريع.
نظرية الاحتواء هذه، أي عدم معاقبة او طرد، مقبولة جدا في سلاح الجو وعلى جزء من قادة الاحتياط في التشكيل الميداني. مع ذلك، هناك جنود وقادة في التشكيل الميداني في الاحتياط الذين يعتقدون ان أي عدم تطوع، تو رفض خدمة، يجب ان يقابل بإجراءات صارمة.
أحد الانتقادات الشديدة جدا التي صدرت تجاه الجيش الإسرائيلي ووزير الامن من جانب المؤيدين للإصلاح القضائي كانت بخصوص سياسات الاحتواء هذه. ظهرت الانتقادات على شبكات التواصل الاجتماعي، وتضمنت طلبا واضحا من رئيس الحكومة، موجهًا إلى رئيس الأركان وهيئة الأركان العامة، لإبداء الحزم في التعامل مع الرافضين للخدمة. أيضا اقالة وزير الامن يوآف غالانت (التي لم تنفذ)، فسرت بانها بسبب تعالمه المتساهل مع عدم التطوع. وعلى الرغم من الانتقادات، يتمسك الجيش الإسرائيلي بسياسات الاحتواء. وحتى الان، هذه السياسات تجبي ثمنا وتستخدم مادة بيد المبدعين الذين يريدون تجنيد الجيش الإسرائيلي بالدفع بأهداف سياسية.
مثال واضح على ذلك هو ردود الفعل على حادث تأديبي وقع قبل أسابيع قليلة في كتيبة غولاني 51. بعد نقل قائد السرية من منصبه، ونظراً لنية تعيين قائد سرية من لواء المظليين مكانه، غادرت مجموعة من المقاتلين القاعدة وتركت الأسلحة ورائها. ونشر بعض الجنود في السرية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أوضحوا فيها "أنهم في إجازة لأننا نحبك (لقائد السرية)". وبعد نقاش مع الجنود عادوا الى القاعدة. على الرغم من أنه كان حادثًا تأديبيًا لا علاقة له باحتجاج جنود الاحتياط، إلا أن الجيش الإسرائيلي واجه معضلة حيث استفادت مختلف الأطراف منه سياسيًا. حتى قبل تحديد الحكم، امتلأت الشبكة باتهامات مفادها أن أولئك الذين قاموا بجعل الرفض مقبول في سلاح الجو، لا ينبغي أن يتفاجأوا إذا حصلوا عليه في غولاني. هذا الكلام ازداد عندما علم ان جنود غولاني عوقبوا بشكل رمزي بإبقائهم بالقاعدة (ولاحقاً اتخذت خطوات أكثر خطورة ضد بعضهم). في المقابل، لو كانت العقوبات اشد، لكان اتهم الجيش بانه يتخذ سياسات تمييزية بين الطيارين المرتبطين بـ "النُخب"، وجنود غولاني، الذين تم تحديد هويتهم (حتى لو بغض النظر عن بيانات وخصائص موضوعية) مع الضواحي (المناطق السكنية التي تقح في ضواحي المدن والارياف).
نموذج آخر وهي العقاب السريع لضابط الذي شارك بالبذلة العسكرية والسلاح بتظاهرة اليمين دعما "للإصلاحات". حكم على الضابط بالسجن مع وقف التنفيذ وادعى مسؤولون ينتمون إلى اليمين من الخريطة السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي أن السبب في ذلك هو أنه يميني. من ناحية أخرى، من المحتمل أنه إذا لم يعاقب، لكانوا قد ادعوا أن الجيش الإسرائيلي كان خائفًا من الحكومة وخفف عقوبته.
تشير هذه الأحداث وردود الفعل عليها إلى أنه حتى عندما يبدو أن الاحتجاج الاحتياطي قد هدأ ظاهريا، فإن عواقبه واضحة -بما في ذلك إمكانية الاستخدام السياسي له.
قانون التجنيد
من المحتمل أن التحدي الذي وضعه جنود الاحتياط، الذين حذروا من عدم الامتثال للتطوع إذا تم تنفيذ خطة "الإصلاح"، كان مجرد مقدمة للتحدي الذي سيواجهه مسؤولي المؤسسة السياسية الأمنية خاصة إذا تم تمرير قانون التجنيد في شكل إعفاء من الخدمة من عمر الـ 23 سنة (أو عمر آخر قريب منه)، وأخطر من ذلك – إذا تم طرح "قانون أساس تعلم التوراة"، الذي يريد ان يساوي مكانة الذين يتعلمون التوراة مع من قام بـ "خدمة مهمة". الاحتجاج ضد "الانقلاب على القضاء" يضع هذه القضية في مركزها، في دعوة واضحة لإيجاد عقد اجتماعي جديد يكون في إطاره مساواة في العبء. ومن هذا المنطلق، تم تنظيم احتجاج تحت عنوان "يوم المساواة"، وطُلب من فرق التفاوض في منزل الرئيس أيضًا معالجة هذه القضية.
تمرير القانون المقترح قد يقوض الحافزية للتجنيد الالزامي، لحدمة الاحتياط، والقدرة على الحفاظ على نموذج "الجيش الشعبي". أكثر من ذلك، فإن انشغال الجيش (تحت مظلة وزارة الامن) في عمر الإعفاء مع ربطه بمكافآت للذين يخدمون (قانون "هيبة الخدمة") يجعله على مضض في عمق الفضاء السياسي وقد يُنظر إليه على أنه يرحب بهذا التشريع. وهذه وصفة لتعميق الأزمة التي وقع فيها الجيش.
الخلاصة
على الرغم من أن احتجاج جنود الاحتياط خمد في الفترة الأخيرة، إلا أن صداها يشغل جدًا هيئة الأركان العامة والشخص الذي يرأسها، ويبدو أنهم يواجهون صعوبة (وبحق!) في تقييم إلى أين تسير الأمور. الجيش، الذي اعتاد على إجراءات المعركة وعلى "الحالات وردود الفعل" على سيناريوهات مختلفة في ساحة المعركة، يجد صعوبة في الاستعداد للمجهول في المجال الاجتماعي وخاصة في المجال السياسي الذي يجد نفسه فيه بدون رضاه. القول بأن "ساحة المعركة هي عالم عدم اليقين" صحيح أيضًا فيما يتعلق بالمعركة الاجتماعية السياسية، بل وأكثر من ذلك على ضوء احتمال أن يتسع احتجاج جنود الاحتياط، ومن ناحية أخرى ايضا –إمكانية ان يتوسع الانتقاد على الجيش بسبب المعالجة الاحتوائية لاحتجاج جنود الاحتياط. منتقدو الجيش يستخدمون بشكل مكثف رواية "إسرائيل الأولى" (الطيارون) و "إسرائيل الثانية" (الجنود الميدانيون)، وبذلك يدخلون الجيش الإسرائيلي في النقاش العام - السياسي المتعلق ببرنامج "الإصلاح" والاحتجاج ضده. وهذا السلوك يلحق ضرراً كبيراً بالجيش الإسرائيلي، والذي سيستغرق وقتاً طويلاً للتغلب عليه.
على خلفية النضال حول طابع دولة إسرائيل، على قادة الجيش الاستعداد للمستقبل القادم، حتى لو تم تنفيذ التشريع الذي تقوده الحكومة جزئيًا فقط. يجب أن يستعد الجيش الإسرائيلي لهذا المستقبل مع الاستخدام المكثف للأدوات الاجتماعية-الاجتماعية، والتي تختلف في الغرض عن الأدوات المتاحة له في ساحة المعركة الحقيقية ضد أعداء الدولة. ويبدو أنه من الصحيح الإشارة إلى الوضع الراهن المتعلق بالخدمة العسكرية بشكل عام والاحتياط بشكل خاص على مبدأ "توقع الأفضل، استعد للأسوأ".
معهد أبحاث الامن القومي – أريئيل هايمن وعيديت غيتلمان