مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة العامة للتجمع: "استذكارَ مجزرةِ صبرا وشاتيلا يجعلنا ننظرُ الآن بكثيرٍ من الحذرِ لما يحصلُ في مخيمِ عينِ الحلوة، ونعتبرُ أن هذا الذي يحصلُ هناك هو استمرارٌ لمسلسلِ إنهاءِ المخيمات"

العدد رقم 406 التاريخ: 2023-09-22

الإمارات خربت السودان من أجل الذهب!

زينب عدنان زراقط

زينب عدنان زراقط

ــــــــــــــــــــــــــــــ

حربٌ مُستعرة في الخاصرة الأفريقية على شط البحر الأحمر، السودان حلبة ميدان الصراع الجديد الذي على ما يبدو الاقتتال فيه سيطول أمده والتدخلات الخارجية للتناوش والتناهش على الحصص والمصالح هو الخلاف الذي تدور في فُلكه الاشتباكات التي من الممكن أن يندلعَ خطرُها ليُشعلَ المنطقة.

من المعلوم أن منطقة القرن الأفريقي هي ساحة التواجد العسكري الأجنبي منذ عام 2001، لأهميتها الجغرافية على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ولأن السودان ليس مُهمّاً فقط في طرق التجارة العالمية بل ولاستحواذه على مصالح استثمار اقتصادية في النفط ومناجم المعادن الطبيعية وأخرى في الأمن الغذائي وغيرها، ما جعله المحطة الأبرز لاختياره الضحية على أرضية خلفيته السياسية الهشة التي هُيئت له منذ سنوات ترقّباً لهذه الساعة، كي يُفتكَ بها.

فمن هي الدولة التي كان باستطاعتها التحكم بالسياسة السودانية على مدى عقود، وكيف أطاحت بنظام رئيس السودان السابق عمر البشير وجاءت بجنرالات موالين لها، لضمان استحواذها على مصالحها الاستثمارية وجنيِ مكاسبها الاقتصادية؟

من قاد الانقلاب السياسي في السودان وكيف؟

إنها الإمارات العربية المتحدة، فهو ليسَ سراً أنه وبالسنوات الأخيرة برزت الإمارات وحاكمها الفعلي محمد بن زايد كلاعب رئيسي في المنطقة، مستخدمةً ثروتها الهائلة للتأثير على الأحداث لتنمية نفوذها في البلدان العربية وكسب المصالح. فتغلغلت في ليبيا وأثيوبيا، اليمن والعراق ولبنان حتى السودان لم يكن مستبعداً أن يتبين أنها اشترته منذ عقود واليوم هي تريد سهمها.

تعود علاقة الإمارات القوية بالسودان منذ حقبة رئيس السودان السابق عمر البشير، الذي قاد انقلاباً مدعوماً من التيار الإسلامي على رئيس الوزراء الصادق المهدي، ليتولى الحكم في السودان جمع خلاله ما بين رئاسة الجمهورية والوزراء منذ عام 1989 إلى أن انتهى حكمه في كانون الأول 2018، إلى تاريخ تصميمه على الخروج من السياج المرسوم من قبل الخليج.

فعندما رفض البشير الانضمام للمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية التي أعلنتها الإمارات، والسعودية، ومصر، والبحرين، لقطر عام 2017 - بأوامر أمريكية -، هنا، صار البشير مصدر إزعاج، ما حدا بالإمارات فيما بعد إلى وقف إمدادات الوقود والمساعدات المالية للسودان في عام 2018. وهو ما أدى بدوره إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، التي كانت تغذي الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة لنظامه.

كان قطع الكهرباء الخطوة الأولى للدولة الخليجية نحو دعم تغيير النظام، حتى لم يعد أمامها سوى استبدال الرئيس بنظام يسيطر عليه الجيش بدلاً من الجماعات السياسية والساسة. ولم تجد التطلعات التي ملأت أذهان شيوخ الإمارات حينها من يمثلها أكثر من اللواء عبد الفتاح البرهان، واللواء محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع سيئة السمعة. التي تربطها علاقات طويلة الأمد بأبو ظبي والرياض ودعموا الإطاحة بالبشير.

تحولت الأمور بسرعة إلى تعزيز المصالح الإماراتية، بغضّ النظر عن مدى تأثير ذلك على الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية في السودان. وكان أحد الأهداف المباشرة للهيمنة الإماراتية، هو تسهيل اعتراف السودان بإسرائيل، لتكون على خطى الإمارات - رائد العلاقات الدبلوماسية الحديثة مع الدولة العبرية – على الرغم من معارضة كثير من النخب السياسية وشرائح كبيرة من الجمهور. وهو ما تضمن توسيع الفجوة بين الجناحين العسكري والمدني لهيكل الحكم الانتقالي في السودان. ذلك بعد أن رتبت الإمارات عقد اجتماع سري في أوغندا في شباط 2020 بين رئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي – آنذاك - بنيامين نتنياهو. دون إشراك الشريك المدني، رئيس الوزراء السوداني حمدوك.

علاقات مالية واستثمارات عسكرية

بصمة الإمارات العربية المتحدة واضحة للعيان في السودان، وهي تقوم حالياً بتقييم الوضع على الأرض في السودان، وإذا شعرت أن قوات حميدتي قادرة على الاستيلاء على السلطة، فستعمل من خلال قواتها بالوكالة في شمال إفريقيا. وقد نشرت صحيفة تلغراف البريطانية في تقرير لها الأسبوع الماضي صوراً لصواريخ حرارية استولى عليها الجيش السوداني، قيل إنها سُلّمت إلى ميليشيا حميدتي من الإمارات. ويظهر مقطع فيديو صناديق من صواريخ حرارية من عيار 120 ملم عليها علامات توضح أنها صنعت في صربيا في عام 2020، وشُحنت لاحقاً إلى الإمارات العربية المتحدة. ومن ناحية أخرى، تم تسريب وثيقة توضح أن قوات الرد السريع اشترت أكثر من ألف سيارة من وكلاء الإمارات في الأشهر الستة الأولى من عام 2019، والتي يستخدمونها الآن في الصراع داخل السودان.

في السنوات الأخيرة، نشرت تقارير عن تعاون حميدتي المالي والأمني، ما دفع بعض المحللين إلى التقييم بأن أبو ظبي لعبت دوراً مهماً في إشعال الصراع الكامن اليوم والاضطرابات في هذا البلد.. حتى ما قبل عقدين من الزمن، كان حميدتي القائد الوحيد لميليشيا الدعم السريع التي كانت تعمل تحت اسم "الجنجويد" في ذلك الوقت، لكن بعد سنوات قليلة استطاع أن يصبح رجل أعمال مشهوراً وغنياً في بلد فقير مثل السودان. ومن المعروف أن الجنرال حميدتي يحتفظ بالكثير من ثروته وأنشطته التجارية في دبي، ويستخدم حكام أبو ظبي هذه القضية كأداة للتأثير على حميدتي.

في عام 2019، وبعد الإطاحة بنظام عمر البشير، ضخّ حميدتي مليار دولار في البنك المركزي لهذا البلد من أجل الاستقرار الاقتصادي، وقد أثار مثل هذا الإنفاق من قبل أحد قادة الانقلاب تساؤلات كثيرة حول مصدر دخل حميدتي، وأخيراً تم الكشف عن سر هذه المداخيل الخفية، وهو العلاقات الاقتصادية بينه وبين الإمارات. وقد اعترف حميدتي نفسه، رداً على أسئلة حول مصدر المليار دولار في 2019، بأن الإمارات هي الراعي الرئيسي لجيشه الخاص. وحسب حميدتي، فإن رواتب جنود الدعم السريع الذين يقاتلون خارج السودان واستثماراته في الذهب وأموال الذهب واستثمارات أخرى، تمولها أبو ظبي.

تسبب المصدر المالي لقوات الرد السريع، الذي يتم توفيره من خلال مكاسب الاستحواذ على مناجم الذهب في جبل عامر بدارفور، في رفض حميدتي دمج قواته في الجيش، وفي غضون ذلك يتطلع إلى دعم الإمارات. إلى ذلك ترتبط الإمارات بعلاقات استثمارية وثيقة مع حميدتي، الذي تسيطر قواته على معظم مناجم الذهب في السودان، وتشارك في تصدير الذهب السوداني إلى دبي. وفي هذا الصدد، وقع كونسورتيوم من الشركات الإماراتية، بما في ذلك شركة تابعة لصندوق الاستثمار في هذا البلد، اتفاقيةً بقيمة 6 مليارات دولار أواخر عام 2022، لبناء منطقة صناعية وميناء جديد في شمال السودان على ساحل البحر الأحمر.

كما أنه في أيار 2020، أعلن حميدتي موافقته على طلب أبو ظبي إرسال قوات الرد السريع إلى ليبيا من أجل منع انهيار جيش خليفة حفتر المدعوم من الإمارات. وكذلك بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين السعودية وأنصار الله في أبريل 2022، بناءً على طلب الإمارات تم إرسال مئات من قوات الرد السريع السودانية إلى المناطق الجنوبية من اليمن، لأداء مهام تتماشى مع خطط أبو ظبي. في حين أن التعاون بين الإمارات وقوات الرد السريع السودانية قد بلغ ذروته في حرب اليمن، وقاتل الآلاف من ميليشيات الرد السريع لأبو ظبي ضد حركة أنصار الله مقابل أموال.

في الختام، الصراع القائم في السودان هو صراع مصالح اقتصادية ومرتكزات عسكرية وسيطرة على الملاحة، وبما أنه يكثر الحديث عن كون الذهب هو المُتحكّم بالاقتصاد العالمي بعد الأفول الأمريكي وانخساف الدولار، هل تكون مركز الحرب العالمية المقبلة في دارفور-السودان، حول مناجم الدهب التي تضع الامارات يدها عليها إلى جانب قوات الدعم السريع وهل ستسمح باقي دول الاستكبار العالمي بهذه التقاسمات؟.

 

إخترنا لكم من العدد

آخر الكلام

سيد العمق.. شامخ الهامة "إلى السيد الشهيد مصطفى بدر الدين في ذكراه"

سيد العمق.. شامخ الهامة "إلى السيد الشهيد مصطفى بدر الدين في ذكراه" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ غسان عبد الله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ على شرفةٍ من دمكَ.. ‏يستحمُ المساءْ‏.. كسيرَ الخطى.. ...