لولا داسيلفا يعيد إحياء مشروع النهوض بأمريكا اللاتينية: وحدتنا شرط قوتنا
ابتسام الشامي

لولا داسيلفا يعيد إحياء مشروع النهوض بأمريكا اللاتينية:
وحدتنا شرط قوتنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
أطلقت عودة لولا داسيلفا إلى الحكم في بلاده دينامية سياسية جديدة لن تقتصر مفاعيلها على البرازيل وحدها وإنما من المتوقع أن تتعداها إلى القارة اللاتينية برمتها..
فالرجل الذي تعرض لمحاولة "إعدام" بالمعنى السياسي للكلمة، صاغ خلال مراحل صعوده السياسي، رؤية لأمريكا اللاتينية، تقوم على تعزيز أواصر الشراكة والتعاون بين دولها، وتنفتح على مروحة واسعة من التحالفات الدولية والتكتلات الاقتصادية والسياسية، بما يمكنها من حجز مكانة بين اللاعبين الكبار على المسرح الدولي.
قمة الدول اللاتينية
استبق الرئيس البرازيلي لويس أناسيو لولا داسيلفا، استضافة بلاده قمة دول أمريكا اللاتينية، بتسويق عدد من الأفكار المتمحورة حول الاستقلالية الاقتصادية والسياسية لأمريكا اللاتينية، ولئن كانت هذه الأفكار حاضرة لديه منذ زمن بعيد، فإن التحولات السياسية التي يشهدها العالم، لاسيما التراجع الملحوظ في قوة الولايات المتحدة الأمريكية، تعطي الرجل المنتصر على محاولات الاقصاء، املا في تحويل الاحلام إلى واقع.
"فالتوصل إلى عملة محلية تتيح لدول القارة القيام بأعمال تجارية من دون الاعتماد على الدولار" كانت حلما راود، نصير الفقراء، كما يلقبه البرازيليون، انطلاقاً من فهمه أن امتلاك الولايات المتحدة الدولار يمنحها القدرة على فعل ما تريد، وبالتالي يمكنها من التحكم بمصير دول العالم وشعوبه. ولعل هذا الإدراك لمدى تأثير القوة المالية في فرض الهيمنة الأمريكية العالمية، هو ما دفعه إلى العمل بقوة على محاولة انتاج بديل مالي موثوق، من خلال منظمة دول البريكس، حيث دعا منذ تأسيسها عام 2009 إلى إنشاء عملة موحدة للدول الأعضاء المشاركة فيها، في محاولة للتحرر من القيود الخانقة التي تفرضها واشنطن على اقتصادات الدول، من خلال سطوة الدولار أولاً وإجراءات عدد من المؤسسات الدولية وفي مقدمها صندوق النقد الدولي.
وخلال استقباله رؤساء الدول اللاتينية المشاركين في القمة الأولى للقارة منذ نحو عقد من الزمن، حرص داسيلفا على التأكيد على اهمية التحرر من الدولار بما هو شرط ضروري للاستقلالية السياسية. وقد ظللت هذه الفكرة إلى جانب قضية المناخ والطاقة أعمال القمة التي شهدت إعادة تفعيل أطر التعاون والشراكة بين دولها، و"تصحيح" الواقع السياسي في علاقاتها، ولعل المشهد الأكثر تعبيراً عن ذلك، اختصره استقبال داسيلفا نظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو، بعدما كان محظوراً على الأخير دخول الأراضي البرازيلية، بفعل انخراط الرئيس السابق للبلاد جايير بولسنارو في محاولة الانقلاب الأمريكية عليه، والاعتراف بخوان غوايدو رئيساً لفنزويلا. وكان لافتاً خلال لقاء الرئيسين، حديث مادورو عن فتح "حقبة جديدة في العلاقات بين البلدين والشعبين"، وهي حقبة وصفها لولا باللحظة التاريخية حيث أمكن لمادورو العودة إلى "ساحة أمريكا اللاتينية" قبل أن يردف، متسائلاً في إشارة إلى تنصيب غوايدو رئيساً لفنزويلا "كيف تمكّنت قارة عاشت الديموقراطية بكامل فصولها، عبر إنشاء الاتحاد الأوروبي، من أن تتقبل فكرة أن يصبح محتال رئيساً لفنزويلا، لمجرد أن الشخص الذي تم انتخابه لم يرُق لها؟".
الأبعاد السياسية للقمة
القمة الخاطفة لدول أمريكا اللاتينية في البرازيل، هدفت بحسب مسؤولة العلاقات مع أمريكا اللاتينية والكاريبي في الحكومة البرازيلية، جيزيلا ماريا فيجيريدو، إلى "استئناف الحوار لإيجاد رؤية مشتركة في مجالات عدة" افتتحها الرئيس البرازيلي بالدعوة إلى الوحدة "من أجل التغلّب على الخلافات الأيديولوجية بين الدول المجاورة" وقال، لقد "تركنا الإيديولوجيات تقسمنا وتعطل جهود التكامل الإقليمي.. تخلينا عن آليات الحوار والتعاون وخرجنا جميعاً خاسرين". محذّراً من أننا إذا لم نتّحد "فلن نتمكن من ضمان أن تكون التنمية في أمريكا الجنوبية عند مستوى إمكاناتها".
وبعيداً عن تقييم نتائج القمة التي حضرها قادة إحدى عشرة دولة من أمريكا اللاتينية، إلا أن أصل انعقادها يعكس اتجاهاً سياسياً جديداً في واقع القارة اللاتينية، وهو ما يشير إليه "أوليفر ستوينكل" أستاذ العلاقات الدولية في مؤسسة "جيتوليو فارغاس"، الذي كتب على موقع "أميريكاس كوارتيرلي" معلقاً على القمة بالقول "حتى لو كان من غير المحتمل أن تنتج هذه القمة إعلانات ملموسة، مع رؤية مبتكرة لمستقبل المنطقة، إلا أن حقيقة وجود حوار بين هؤلاء الرؤساء تعدُّ تقدماً في حدّ ذاتها". وإذا كان التقاء الدول المشار إليها تحت عنوان الشراكة والتعاون يعبر عن اتجاه جديد داخل أمريكا اللاتينية، لن يكون بطبيعة الحال خبراً ساراً للولايات المتحدة، فإن ما يقلق الأخيرة على نحو كبير، هو التمدُّد الصيني اليها، وهو ما يفسح داسيلفا المجال أمامه واسعاً. فخلال زيارته الصين في شهر نيسان الماضي، على رأس وفد ضمّ العشرات من قادة الأعمال وحكّام الولايات البرازيلية، وقع نحو 20 اتفاقية بقيمة 10 مليارات دولار. علماً أن الصين باتت بحسب الأرقام والمعطيات، أكبر شريك تجاري لأمريكا اللاتينية. وتفيد أرقام أوردتها صحيفة فايننشال تايمز، بارتفاع التجارة الصينية مع دول أمريكا اللاتينية من 12 مليار دولار في العام 2000 إلى 495 مليار دولار في العام 2022.
خاتمة
يعود داسيلفا إلى البرازيل ومعه يعود ثقيلاً على الولايات المتحدة الأمريكية، مشروع النهوض بأمريكا اللاتينية، في تحدٍّ جديد سيفرض نفسه على الإمبراطورية الغارقة في حروب استنقاذ مكانتها واستعادة قوتها. وإذا كانت التحولات المؤثرة في موازين القوى الدولية من شأنها أن تعطي فرصة ذهبية لمشروع الرئيس البرازيلي، إلا أن ذلك في المقابل لن يكون سهلاً تمريره من دون عقبات أمريكية، فما يجري تدور أحداثه وتطوراته، تماماً في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة وعلى أبوابها.