مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة العامة للتجمع: "استذكارَ مجزرةِ صبرا وشاتيلا يجعلنا ننظرُ الآن بكثيرٍ من الحذرِ لما يحصلُ في مخيمِ عينِ الحلوة، ونعتبرُ أن هذا الذي يحصلُ هناك هو استمرارٌ لمسلسلِ إنهاءِ المخيمات"

العدد رقم 406 التاريخ: 2023-09-22

مهمات شرطية لجنود الجيش الإسرائيلي.. صعوبات ومعضلات

مهمات شرطية لجنود الجيش الإسرائيلي.. صعوبات ومعضلات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يخصّص الجيش الإسرائيلي جنوداً من وحدات مقاتلة لمهام حماية سكان القدس، تل أبيب ومدن أخرى، كتعزيز لشرطة إسرائيل. هذا وضع إشكاليّ بعدّة مفاهيم، لأن نقل جنود لمهام حفظ الأمن خطوة تُترك لحالات طارئة حقيقية. لكن، على الرغم من التوتر الأمني الذي يميّز الآونة الأخيرة، يبدو أن الحديث لا يدور عن وضع يبرّر اتخاذ الخطوة.

تطبيع استخدام جنود مسلّحين لمواجهة تهديدات أمنية في أراضي الدولة، قد يتطور إلى منحدر زلق، عندما يجد جنود الجيش الإسرائيلي أنفسهم في مواجهة مع من أُرسلوا للدفاع عنهم، في حين لا يملكون صلاحيات رجال شرطة ومن دون تأهيل مناسب. علاوة على ذلك، نشاط جنود مسلحين في مدن رئيسية قد يفسّر كإضفاء طابع عسكري على المجال العام، وقد يصبح الجيش في هذه الحالة أداة في أيدي السلطات المدنية وقائماً بأعمال الشرطة. هذا الواقع قد يسحق مفهوم الطوارئ القومي ويطرح أسئلة بخصوص هدف الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي.

على خلفية التوتر الأمني في الأسابيع الأخيرة (المتوقع أن يستمر أيضاً في الأسابيع المقبلة)، وفي سياق قرار وزير الأمن، يخصّص الجيش الإسرائيلي جنوداً من وحدات مقاتلة لمهام حماية المواطنين، كتعزيز للشرطة في القدس، تل أبيب وأماكن أخرى من أراضي الدولة. هذا، وهم يرتدون اللباس العسكري ويحملون أسلحتهم. إنها ليست المرة الأولى التي تؤازر فيها قوات الجيش الإسرائيلي قوات الشرطة أثناء الطوارئ في مراكز احتكاك، على الرغم من ذلك فمن المهم وحتى من المطلوب اختبار المعضلات والدلالات المرتبطة بخطوة من هذا النوع.

1. بخلاف رجال الشرطة، ليس لجنود الجيش الإسرائيلي صلاحية للعمل مقابل مدنيين - الاشتباه بهم أو تحذيرهم - أثناء تفتيشهم. إضافة إلى ذلك، في معظم الأحيان، يكون الجنود الذين يتم إرسالهم إلى مهام شبه شرطية يكونون في تدريب وأحياناً حتى في التدريب العسكري الرئيسي. في حالة حصول حدث معقّد يجب فيه التمييز بين متورطين وغير متورطين في نشاط ينطوي على تهديد أمني، عدم وجود تدريب مناسب قد يجبي ثمناً باهظاً يفوق الجدوى.

2. نقل وحدات نظامية من التدريب أو وقف تدريبات قد يكون لديه تداعيات على كفاءة المقاتلين لمهامهم العملياتية الأساسية، أي محاربة أعداء في الساحات المختلفة.

3. نشر جنود الجيش الإسرائيلي في منطقة سيادية لدولة إسرائيل من أجل مهمة ليست مهمة طوارئ قومية، أمر إشكالي جداً. واقع يعمل فيه جنود مسلّحين في شوارع مدن رئيسية، مألوف في دول يكون الجيش هو السيد. لا يجب المقارنة بين مهام شرطية ومهام أمنية عسكرية في منطقة يديرها الجيش بمقتضى القانون الدولي ومقابل شريحة تعمل داخلها قوات معادية (يهودا والسامرة)، وبين مهام شرطية في منطقة سيادية تابعة للدولة ووسط مواطنيها. قد تكون النتيجة سحق مفهوم الطوارئ القومي وطرح أسئلة حيال هدف الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي.

4. وجود جنود مسلّحين في شوارع المدن يعكس صورة وشعوراً بالقلق وعجز قوى الأمن الداخلي في إسرائيل عن تأمين الأمن، وبمقدور ذلك تحطيم صورة القوة التي تحاول إسرائيل أن تبثّها نحو الخارج. في وقت متزامن، إلى جانب رسالة التهدئة حيال المواطنين ("ثمة من يحرسكم")، قد يتعاظم وسطهم الشعور بالهلع ("في حال تطلب الأمر حراستي فالوضع مقلق").

5. مهام شرطية هي بُعد آخر في توسّع أداء عمل الجيش، لكن في حال نشر جنود في منطقة مدنية لا تتعلق المسألة بمهام تعليم، استيطان أو مساعدة في مواجهة كوارث طبيعية، إنما بتفعيل قوة. في معظم الحالات التي ساعد خلالها الجيش شرطة إسرائيل في مهامها، على سبيل المثال خلال أزمة الكورونا، الجنود الذين انضموا إلى قوات حفظ الأمن أو عملوا بمهام شرطية، لم يكونوا مسلّحين بسلاحهم الشخصي، وكانت التوجيهات حينئذ تقليص أقصى لمهام شرطية من قبل جنود. أسلوب استخدام جنود مسلّحين لمواجهة تهديدات أمنية في أراضي الدولة، بحضور ووسط مدنيين، قد يتطور إلى تشغيل جنود مسلّحين حتى في حالات أخرى في وجه تهديدات أخرى، يحدّدها المستوى السياسي كتهديدات خطيرة. لذلك يدور الحديث عن منحدر قد يكون زلقاً. لهذا السبب تحرص دول ديمقراطية في أرجاء العالم الحرّ على عدم تشغيل جنود في محيط مدنيين في أراضي الدولة نفسها إنما فقط في وجه تهديدات خارجية.

لشرح المعضلة، يجب المقارنة بين حالتين، غير متشابهتين على الإطلاق، وتطلب خلالهما تدخل عسكري. الأولى هي الكورونا. على الرغم من أنها لم تكن أزمة أمنية، كان على الجيش مساعدة المؤسسات المدنية وتحمّل مسؤولية واسعة لمعالجة الأزمة. معظم المهام كانت من نوع مساعدة (من قبل قيادة ألون في قيادة الجبهة الداخلية وإدخال جنود إلى مدن بغية توزيع طعام)، لكن تم الأخذ بالحسبان وضع جنود إلى جانب رجال شرطة لأهداف فرض إغلاق وتقييد حركة. رفض الجيش تلك الاقتراحات وعن حقّ. على الرغم من ذلك، في حالات معدودة ألقي على عاتق جنود مهام شرطية مقابل مدنيين. الحالة الثانية كانت تصادم بين عرب ويهود في المدن المتداخلة أثناء عملية "حارس الأسوار". لم تنفذ الشرطة مهامها، لأسباب مختلفة، وطلبت المساعدة من الجيش الإسرائيلي. تجدر الإشارة إلى أن دعوات إدخال قوات عسكرية إلى مدن لم تصدر فقط عن الشرطة، بل أيضاً عن جهات سياسية كما عن المجتمع. وزير الأمن سابقاً، الجنرال الاحتياط بني غانتس، لم يسمح بذلك بادّعاء محقّ بأن ليس للجيش مكان في مواجهة سكان دولة إسرائيل.

الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية مشغولان حالياً بالاستعداد لحدث مستقبلي، يكون في إطاره للجيش الإسرائيلي دور في مواجهة أعمال شغب داخل البلاد. وضع كهذا قد يحصل أثناء عملية عسكرية، عندما تحتاج قوات عسكرية لحرية حركة عند محاور بين شمال وجنوب البلاد، حتى في تجمعات سكنية.

لهذا السبب يجب تأسيس الحرس القومي (بالنموذج المقترح السابق، الذي يختلف عن الذي يقدمه اليوم وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير)، المفترض أن يتشكّل من جنود احتياط، يكون عليهم التأكّد من فتح المحاور لعبور القوات. في هذه الحالة، قد يجد الجنود أنفسهم في وجه مواطني الدولة. في الواقع سيكون الأمر متعلقاً بوضع حربي، لديه قواعد خاصة، لكن يجب تنظيمه بشكل أفضل. هكذا على سبيل المثال، ربما يكون هناك حاجة لتدريب الجنود على مهام ذات صلة، لمنحهم صلاحيات شرطية، أو بالتناوب إلحاق رجال شرطة بكل مجموعة جنود.

للجيش الإسرائيلي، كجيش الشعب، معاهدة غير مكتوبة مع المجتمع يلتزم بموجبها في أوقات الطوارئ بتقديم المساعدة وإذا طُلب منه يأخذ على عاتقه مهام قومية. على الرغم من ذلك، حتى عند تعيين جنود الجيش الإسرائيلي في مهام حماية وسط شريحة مدنية في مدن إسرائيل، دورهم هو حماية مواطني الدولة. إلا أن جنود الجيش الإسرائيلي قد يواجهون من أُرسلوا لحمايتهم، بينما ليس لديهم صلاحيات مناسبة. على الرغم من العاطفة والثقة التي يكنّها المجتمع للجيش الإسرائيلي بشكل عام، الاعتقاد بأن جنوداً مدربين على مهام شرطية ويستطيعون تنفيذها بشكل لائق، لا يعكس الواقع بالضرورة. تثبت الأحداث في يهودا والسامرة أن هذه ليست صورة الوضع بالضرورة: في معظم الأحيان، في المكان الذي لا ينجح فيه جنود في فرض النظام، يقوم حرس الحدود، المدربون جيداً، بذلك بنجاح باهر.

على دولة إسرائيل أن تكون أكثر حذراً في تفعيل قوة عسكرية في منطقة سيادية تابعة للدولة لمهمة ليست مهمة طوارئ قومي. هذه مسألة مبدئية وجوهرية في دولة ديمقراطية، وبالتأكيد في دولة يعتمد نموذج الخدمة فيها على نموذج خدمة جيش الشعب والتجنيد الإلزامي. واقع حيث يعمل جنود مسلّحون في شوارع المدن الرئيسية قد يُفسر كإضفاء صفة عسكرية على المجال العام، وقد يصبح الجيش في هذه الحالة أداة في أيدي السلطات المدنية، التي ليست وزارة الأمن أو الجيش الإسرائيلي. إنه واقع مألوف في دول استبدادية، قد تسحق فكرة الطوارئ القومي. إضافة إلى ذلك، يجب الالتفات إلى زيادة التوتر والخوف نتيجة تواجد جنود مسلحين في شارع المدينة.

لذلك، حتى في حالات "لا خيار" حيث تطلب الشرطة مساعدة من الجيش، يجب الحذر من يد خفيفة جداً على "زناد" إدخال جيش إلى مدن دولة إسرائيل. نقل جنود إلى مهام شرطية هو خطوة تترك لحالات طوارئ حقيقية. يمكننا قول بحذر إنه على الرغم من التوتر الأمني الذي يميّز الآونة الأخيرة، يبدو أنه لا يوجد وضع يبرّر خطوة متطرّفة كهذه.

معهد أبحاث الامن القومي - أرييل هايمن (باحث كبير في معهد أبحاث الأمن القومي)

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

مهمات شرطية لجنود الجيش الإسرائيلي.. صعوبات ومعضلات

مهمات شرطية لجنود الجيش الإسرائيلي.. صعوبات ومعضلات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يخصّص الجيش الإسرائيلي جنوداً من وحدات مقاتلة لمهام حماية ...

إقليميات

التطبيع لم يعد ساخناً والكيان يتلقّى الصفعات

التطبيع لم يعد ساخناً والكيان يتلقّى الصفعات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هيثم أبو الغزلان ــــــــــــــــــــــ غرَس الجنديُّ المصريُّ الفارس الشهيد محمد صلاح، سيفه في جبهة الصحراء، ...

دوليات

مجموعة بريكس الدولية.. البحث عن التوازن في عالم تمزقه المنافسة والتوتر الجيوسياسي

مجموعة بريكس الدولية.. البحث عن التوازن في عالم تمزقه المنافسة والتوتر الجيوسياسي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ في الوقت الذي تخوض فيه الولايات المتحدة الأمريكية ...