التطبيع لم يعد ساخناً والكيان يتلقّى الصفعات
هيثم أبو الغزلان

التطبيع لم يعد ساخناً والكيان يتلقّى الصفعات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هيثم أبو الغزلان
ــــــــــــــــــــــ
غرَس الجنديُّ المصريُّ الفارس الشهيد محمد صلاح، سيفه في جبهة الصحراء، سيفاً للمواجهة الرافضة للتطبيع والصلح مع العدو على قاعدة "لا تصالح على الدم حتى بدم". فلا التطبيع نفع، ولا "السلام البارد" أصبح ساخناً، بل ثبّت مقولة: "الخروج على الخطوط المستقيمة".
هذا الخروج الذي بانت ملامحه تبرز مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، التي نعيش ذكرى وفاة قائدها ومؤسّسها الإمام الخميني الموسوي رحمه الله.
صعاب
هزّت عملية العوجة التي نفّذها الشهيد محمد صلاح (22 عاماً)، ابن مصر العروبة، وأدّت إلى مقتل ثلاثة جُنود "إسرائيليين"، وإصابة عدد آخر، دولة الكيان الصهيوني؛ فتنفيذ العملية يشير إلى أنّ المنفذ قد خطّط لها ببراعة، ونفّذها بدقّة بالغة، وأعصاب باردة، وإصرار واضح على تحمّل الصعاب إذ قام بقطع نحو سبعة كيلومترات من مُعسكره سيْراً على الأقدام حتّى وصل إلى السّياج الحُدودي مع فِلسطين المُحتلّة، حاملاً بندقية كلاشنكوف ومصحفاً، ومُستخدماً المقصّات والسّكاكين لخلقِ ثغرةٍ في السياج، من أجل اختراق الحاجز الأمني الشّائك، والمُزوّد بكاميرات مُراقبة دقيقة، والذي بلغت تكلفة إنشائه أكثر من مِليار دولار.. فقاتل حتى الاستشهاد.
مغزى التوقيت
تثبت عملية الفارس صلاح أنّ جيلاً من الشباب الفلسطيني والعربي، لا يقيم وزناً ولا اعتباراً لكل "الخطوط المستقيمة"، ولكل اتفاقات التطبيع. لم يكن هو الفدائي الأول، فقد سبقه سليمان خاطر (1985)، وأيمن حسن (1990)، وأحمد الدقامسة (من الأردن 1997).. وأفواج الفداء والثورة لن يتوقّف زحفها، ولن يُغمَد سيفها.
ومن الملاحظ أنّ توقيت تنفيذ العملية في شهر حزيران/يونيو له مغزى كبير، فهي نُفّذت في ذكرى مرور 56 عاماً على هزيمة 67، لتؤكد أن تلك الهزيمة ليست قدراً أبدياً، وأنها لم ولن تكسر إرادة الشعوب الحرة في مواجهة العدوان الصهيوني.
صفعات متتالية
لقد تلقّى الكيان صفعات أمنية وعسكرية بالغة الأهمية والخطورة مؤخراً، عدا عما يحصل في الضفة المحتلة، ففي شهر آذار (مارس) الماضي، اقتحم مقاوم قادم من لبنان الحدود، وفجّر قنبلة في دوّار مجيدو في الجليل أصابت عدّة أشخاص.. وأطلق مقاومون صواريخ على الكيان من جنوب لبنان والجولان، وغزة.. كما أنّ الفارس المصري محمد صلاح، قد خلط احتفالات الكيان الصهيوني هذا العام بمرارة الهزيمة، التي أكد من خلالها أنّ المزاج العنيد لهذه الأمة لا يمكن كسره.
وفي السياق، استعرضت إيران صاروخاً باليستياً فرط صوتي "فتاح"، يتميز بمحرك يعمل بالوقود الصلب، وقادر على الوصول إلى سرعة عالية، والتحليق داخل الغلاف الجوي وخارجه. ويصل مداه إلى 1400 كيلومتر وتصل سرعته إلى 13 و15 "ماخ" (وحدة لقياس السرعة) وقادر على التغلب على كافة الأنظمة الدفاعية الجوية.. في خطوة "ردعية" لكل المتربصين بها الساعين إلى تهديد أمنها.
وفي المقابل، إن الجرائم الصّهيونية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها، فدماء الطفل محمد هيثم التميمي (3 سنوات)، الذي قتله جنود الجيش الصهيوني بدم بارد، كذلك ما حصل مع محمد الدرة، وفارس عودة، ومحمد أبو خضير، إلا أمثلة واضحة على هذا الإجرام المستمر، لكنه في المقابل أيضاً، هو تأكيدٌ فلسطينيٌّ على استمرار المقاومة، وما معركة "ثأر الأحرار" التي خاضتها "سرايا القدس" في غزة مؤخراً، إلا مثالاً على استمرار المقاومة والإصرار على هزيمة الكيان الغاصب.
ضربة للتطبيع
على الرغم من محاولات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الاستمرار في سياسته التطبيعية مع البلدان العربية، إلا أن ذلك يُواجه اخفاقات. صحيح أن رئيس مجلس الأمن القومي "تساحي هنغبي" قد زار المغرب في زيارة دبلوماسية كما أعلنت صحيفة (معاريف)، والتقى بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، إلا أن ذلك وُوجِهَ باحتجاجات مغربية شعبية وحزبية واسعة رافضة للزيارة، ولا يخفي الإخفاق الصهيوني في أماكن أخرى، فقد كشف قائد البحرية الإيرانية (شهرام إيراني)؛ أن طهران والرياض تبحثان تشكيل تحالف بحري إلى جانب ثلاث دول خليجية والهند وباكستان بهدف "جلب الأمن" إلى المنطقة. هذا إن حصل فسيُعتبر انتكاسة استراتيجية مزدوجة للكيان الصهيوني والولايات المتحدة؛ فالإعلان جاء بعد يوم من إعلان الإمارات انسحابها من القوة البحرية الموحّدة التي تقودها الولايات المتحدة في الخليج العربي والبحر الأحمر التي تضم 38 دولة ضمن ما يعرف بالقيادة الأمريكية للمنطقة المركزية التي تدار من المنامة عاصمة البحرين. وبعد أسابيع قليلة من افتتاح السفارة الإماراتية في طهران نيسان/أبريل الماضي، وبعد الاتفاق الذي رعته الصين بين طهران والرياض، وإعادة افتتاح سفارتي البلدين، والتحسّن الملحوظ في العلاقات الإيرانية الخليجية، ووجود بوادر في تحسّن العلاقات الإيرانية المصرية، ما يُشكل ضربة للجهود الحثيثة التي قادها الكيان الصهيوني لإنشاء حلف "إسرائيلي" خليجي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
يضاف إلى ذلك، التقديرات "الإسرائيلية"، التي تشير إلى تراجع قدرة الحكومة في التأثير على الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالاتفاق الأمريكي الإيراني المحتمل، والاقرار أيضاً بصعوبة التأثير على موقف الدول الأوروبية فيما يتعلق بالاتصالات بهذا الشأن.
في المجمل، إنّ التحالفات في المنطقة ليست ثابتة، والمصالح تتحكم بتلك التحالفات، ولكن بعد ما يسمى بـ "الربيع العربي"، يبدو أن صانعي السياسات في المنطقة يحاولون تقليل الخسائر، والتماشي مع ما يحصل من متغيرات في العالم والإقليم، إدراكاً من الجميع لخطورة ما يحدث، من تطورات متسارعة قد تدهس بقطارها كل المُتردّدين، والذين يخدمون أعداء الأمة.