مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة العامة للتجمع: "استذكارَ مجزرةِ صبرا وشاتيلا يجعلنا ننظرُ الآن بكثيرٍ من الحذرِ لما يحصلُ في مخيمِ عينِ الحلوة، ونعتبرُ أن هذا الذي يحصلُ هناك هو استمرارٌ لمسلسلِ إنهاءِ المخيمات"

العدد رقم 406 التاريخ: 2023-09-22

عودة إلى مجال التطبيع بين الكيان الصهيوني والمغرب

توفيق المديني

عودة إلى مجال التطبيع بين الكيان الصهيوني والمغرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

توفيق المديني

ـــــــــــــــــــــ

جاءت زيارة رئيس الكنيست الإسرائيلي من أصول مغربية أمير أوحنا إلى الرباط يوم الأربعاء 7 حزيران/يونيو2023، في إطار دينامية العلاقات بين الكيان الصهيوني والمغرب، بعد الاتفاق الثلاثي الذي عقد في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، حين أعلنت إسرائيل والمغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد توقفها عام 2000، إثر تجميد الرباط العلاقات جراء اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

يرى المحللون المتابعون لموضوع التطبيع، أنَّ أهمية زيارة رئيس الكنيست الإسرائيلي إلى المغرب، تكمن في مضامين البيان القصير الذي نشره الموقع الإلكتروني الرسمي للكنيست الإسرائيلي، والذي وصفها بالزيارة التاريخية والأولى لرئيس مجلس النواب الإسرائيلي، والتي سيلتقي من خلالها رئيس الغرفة الأولى، ومسؤولين حكوميين، كما أن هذه الزيارة تعتبر توطئة إسرائيلية مقربة من وزارة الخارجية لـ "قمة النقب 2" التي ستنعقد بالمغرب نهاية يونيو الحالي.

ويسعى الكيان الصهيوني من خلال هذه الزيارة إلى تحسين الوضع الدبلوماسي لمكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، عبر ترقية الأخير إلى درجة سفارة، خصوصاً أنَّ علاقات المغرب مع إسرائيل بلغت مستوى علاقات استراتيجية، على غرار دول إسبانيا، ألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية. فالمعيار الذي يعتمده النظام المغربي بقيادة الملك محمد السادس، في تقييمه مدى ارتقاء العلاقات التي تربط المغرب بالدول الأخرى إلى درجة علاقات دبلوماسية استراتيجية، هو الموقف من قضية الصحراء، ومقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب، لتسوية هذا النزاع  التاريخي الذي سمَّم العلاقات بين القوتين الإقليميتين في منطقة المغرب العربي الجزائر والمغرب.

فقد أكَّدَ الملك المغربي محمد السادس في مناسبات عديدة على أن الصحراء الغربية هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهي المعيار الواضح والبسيط الذي يدل على صدق الشراكات ونجاعتها، فأي شراكة اقتصادية واستثمارية كبيرة، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذا البعد الإستراتيجي من وجهة نظر مغربية. فالكيان الصهيوني يريد تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية، عبر فتح سفارة رسمية لها بالعاصمة الرباط، أمَّا النظام المغربي، فيريد عبر اعتراف رسمي بأثر قانوني لـ "إسرائيل بالصحراء المغربية"، فتح قنصلية إسرائيلية بالأقاليم الجنوبية المغربية.

قطار التطبيع الاستراتيجي بين المغرب و "إسرائيل"

يدخل تطبيع المغرب وإسرائيل، اليوم السبت، عامه الثالث منذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2020، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ووقّع الطرفان خلال الأشهر الماضية العديد من الاتفاقيات في المجلين العسكري والأمني، الذي وصل إلى حدود مشاركة ضباط من الجيش الإسرائيلي لأول مرة كمراقبين، في تدريبات عسكرية "الأسد الأفريقي 2022"، التي جرت في المغرب بين 20 و30 يونيو/حزيران 2022.

وقبل أيام من حلول الذكرى الثانية لإعلان العلاقات بين المغرب و "إسرائيل"، كشف تقرير دولي أصدره معهد الشرق الأوسط في واشنطن (MEI) في 5 كانون الأول /ديسمبر 2022، أنَّ "صفقة التطبيع المغربية الإسرائيلية تطورت من وسيلة تُمكّن المغرب من الحصول على اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء، إلى شراكة استراتيجية أوسع مع إسرائيل".

ولفت إلى أنَّه "من الناحية الجيوسياسية، توفر هذه العلاقة فوائد واضحة لكلا الجانبين: بالنسبة للمغرب وصولاً علنياً إلى التعاون الأمني والعسكري الإسرائيلي، ولإسرائيل قبولاً أكبر ووجوداً وتأثيراً محتملاً في شمال أفريقيا".

وأشار التقرير إلى أنَّ "مشاركة المغرب في اتفاقيات أبراهام (اتفاقيات التطبيع العربية الإسرائيلية) تطورت من التركيز الأولي على ضمان اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، إلى علاقة ثنائية تعاونية مزدهرة مع إسرائيل".

بالنسبة لمناهضي التطبيع في المغرب، تتجاوز الموجة التطبيعية الرسمية الجديدة مع الكيان الصهيوني، التي انطلقت مع إعلان 10 ديسمبر 2020، والتوقيع الرسمي في 22 من الشهر نفسه، التطبيع "الكلاسيكي" الذي كان سابقاً، ويتخذ مرجعية له ما يسمى مسلسل السلام العربي – الإسرائيلي، إثر اتفاقية غزة - أريحا أولاً في العام 1994، أو ما اصطلح عليه اتفاقية أوسلو 1993، كغطاء سياسي لتبرير التطبيع بالمغرب وكذا بعواصم أخرى.

فالتطبيع المغربي - الإسرائيلي الحالي يستند إلى مرجعية محلية، وبمقاربة تتجاوز وتقفز على القضية الفلسطينية، ومحدِّدَات الصراع العربي - الصهيوني، من خلال اعتماد رؤية قائمة على محاولة قطف ثمار تطبيع ثنائي بين المغرب والكيان الصهيوني، في إطار صفقة ثلاثية برعاية أمريكية تحت عنوان "اتفاقات أبراهام التطبيعية" العابرة لعدد من عواصم المنطقة، غداة إطلاق شعار ما يسمّى "صفقة القرن" بتنزيل أجندة "السلام مقابل السلام" من دون أرض ولا شيء آخر من عناوين المرحلة السابقة".

التّقدّم في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، ينظر إليه في الرباط من زاوية استراتيجية المغرب الساعي إلى تطوير ترسانته العسكرية، والحاجة إلى التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، بما فيها التزوّد بأحدث المعدات الدفاعية وخلق صناعة عسكرية تهتم بالأساس بصنع طائرات مسيّرة، قد ساهمت بشكل كبير في رفع مستوى العلاقات بين المغرب و "إسرائيل"، وهذا يدخل في نطاق التحالف الاستراتيجي مع العدو الصهيوني، كي يصبح المغرب القوة الإقليمية الأولى في منطقة المغرب العربي.

التطبيع الاقتصادي

من المتوقع أن يحل وفد إسرائيلي مكوّن من 15 رجلاً للأعمال، يترأسون العديد من الشركات الإسرائيلية المتخصصة في قطاعات مختلفة مثل المال والصحة والعقارات، في11 حزيران/يونيو الجاري إذ ستمتد هذه الزيارة لمدة أسبوع كامل، من أجل بحثل سبل الاستثمار وإطلاق المشاريع الثنائية مع النظراء المغاربة، وتدعيم العلاقات التجارية بين المغرب و"إسرائيل"، إذ يتوقع الخبراء أن يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين سقف 200مليون دولار خلال العام الجاري. وكان حجم الصادرات بين المغرب و "إسرائيل" بلغ في العام الماضي مبلغ 180مليون دولار، بزيادة وصلت إلى نحو 160%، مقارنة بالحجم المسجل في عام 2020.فقد صدَّرَتْ "إسرائيل" إلى المغرب بقيمة 40مليون دولار، بينما صدَّر المغرب إلى "إسرائيل" بقيمة 140مليون دولار.

وتقضي مذكرة التفاهم بين المغرب و "إسرائيل" بإحداث مركز البحث والتطوير، حسب بيان لوزارة الصناعة والتجارة المغربية، التي أكدت أنَّ ذلك يأتي استجابة ضمن "أولويات وطنية" ذات صلة بالترويج للتدريب والتوظيف والصناعات المحلية والتطوير. وشرع في الاهتمام بالجانب الاقتصادي منذ أكثر من عام ونصف العام، حيث كثفت الاتصالات بين رجال الأعمال المغاربة والإسرائيليين، واتفقا على إحداث لجنة مختلطة بين البلدين وتنظيم منتدى اقتصادي بين رجال الأعمال، في الوقت نفسه الذي أطلقت مفاوضات بين وزارتي المالية في البلدين بهدف تأطير العلاقات الاقتصادية.

وقد نُظم المنتدى الاقتصادي في تل أبيب، أعقبه لقاء في الدار البيضاء في شهر نيسان/أبريل 2022 إذ أكد رئيس رجال الأعمال المغاربة، شكيب لعلج، أن النقاش انصبَّ على الشراكة في قطاعات الزراعة والتكنولوجيا والماء وصناعة الدواء والسياحة والإلكترونيات والخدمات المالية، حيث يتوقع استثمارات بقيمة 500 مليون دولار.

ولم يتردد رئيس منظمات المشغلين وجمعية المصنعين الإسرائيليين، رون تومر، في تأكيد أن ما يدفعهم إلى الاهتمام بالمغرب هو التجارة، فالفاعلون الاقتصاديون يريدون بيع منتجاتهم واستيراد المواد الأولية، مشدداً على أنّ هناك جانباً تجارياً يحفز رجال الأعمال الإسرائيليين على إنجاز مشاريع مع المغرب.

مناهضو التطبيع في المغرب

إذا كان النظام المغربي يعتبر العلاقة مع "إسرائيل" استراتيجية، فإن الشعب المغربي وقواه الوطنية والديمقراطية والإسلامية، يناهضون التطبيع مع الكيان الصهيوني، فقد نظم نشطاء مغاربة، مساء الأربعاء الماضي، تظاهرة بالرباط احتجاجاً على وصول رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا إلى العاصمة المغربية، ورفعوا شعارات مناهضة لزيارته ولتطبيع العلاقات بين البلدين.

ورفع المتظاهرون، وهم نشطاء في منظمات المجتمع المدني وحقوقيون، شعارات مثل "لا تطبيع مع المحتل، المقاومة هي الحل" و "من الرباط وفلسطين شعب واحد مش شعبين" و"المغرب أرض حرة، أوحانا يطلع برَّا". كما أحرقوا العلم الإسرائيلي مرددين شعار "سحقاً سحقاً بالأقدام للصهيون والأمريكان".

وقال عزيز الهناوي، عضو المبادرة المغربية للدعم والنصرة التابعة لحركة التوحيد والإصلاح، وهي الجناح الدعوي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل، لـ "رويترز": "اليوم تم تنظيم هذه الوقفة الشعبية على عجل ضد هذه الزيارة المشؤومة لرئيس الكنيست الصهيوني، وهي أول زيارة من نوعها في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني".

وأضاف "نرفض من خلال هذه الوقفة أن يتم تمرير التطبيع من خلال قضية الصحراء المغربية، فالذي جرى طيلة السنتين ونصف الماضيتين هو تمرير التطبيع من خلال الصحراء المغربية ومحاولة تبييض التطبيع بقضية الصحراء عبر القفز على القضية الفلسطينية وتجاوز كل ثوابتها".

المناهضون للتطبيع في المغرب، يرفضون أية علاقة بين النظام المغربي ونظام الفصل العنصري الصهيوني الذي يحتل فلسطين، ويطالبون الحكومة المغربية بوقف التطبيع، وهم موقنون بالفشل الحتمي لكل أسطوانة التطبيع لأنها دخلت من بوابة قضية الصحراء لمنحها قداسة يصعب مواجهتها. لكن الذكاء الجماعي للمغاربة، وحالة التنافي الصارخة بين قضية الصحراء ومهزلة التطبيع، فضلاً عن تطورات الصراع ميدانياً في فلسطين المحتلة، كلها عناصر تجعل من مسار التطبيع محكوماً بالبوار في ظل واقع التصفية للقضية الفلسطينية، والمواقف الصهيونية المتطرفة التي تدعو إلى إبادة العرب وهدم المسجد الأقصى، وفاشية الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو.

 

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

مهمات شرطية لجنود الجيش الإسرائيلي.. صعوبات ومعضلات

مهمات شرطية لجنود الجيش الإسرائيلي.. صعوبات ومعضلات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يخصّص الجيش الإسرائيلي جنوداً من وحدات مقاتلة لمهام حماية ...

إقليميات

التطبيع لم يعد ساخناً والكيان يتلقّى الصفعات

التطبيع لم يعد ساخناً والكيان يتلقّى الصفعات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هيثم أبو الغزلان ــــــــــــــــــــــ غرَس الجنديُّ المصريُّ الفارس الشهيد محمد صلاح، سيفه في جبهة الصحراء، ...

دوليات

مجموعة بريكس الدولية.. البحث عن التوازن في عالم تمزقه المنافسة والتوتر الجيوسياسي

مجموعة بريكس الدولية.. البحث عن التوازن في عالم تمزقه المنافسة والتوتر الجيوسياسي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ في الوقت الذي تخوض فيه الولايات المتحدة الأمريكية ...