في أبعاد العملية العسكرية للشرطيّ المصري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زينب عدنان زراقط

ــــــــــــــــــــــــــــــ

تبقى الكراهية لإسرائيل متجذرةً في قلوب الشعوب العربية، لا تجلوها السنوات ولا الحبرُ على الورق بإمكانه أن يقلبها إلى سلام!.. شرطي مصري ابن 22 ربيعاً، فدائيٌ هزم أرفع فرق العدو الإسرائيلي، اغتنمَ ثلاثة رؤوس من الجنود وأُخرى في موتٍ سريري، فلا سياج ولا جدارات ولا جيش حتى بإمكانه أن يردَّ عن العدوِّ أو يحميه من الهجمات المفاجئة.. وما من اتفاقية سلام تُجدي أيضاً إذا ما حان وقت المواجهة الكبرى!..

فما هي الأبعاد الأمنية والعسكرية لهذا الخرق الأمني على الكيان المحتل في ظلّ مناورته "القبضة الساحقة" التي تُحاكي حرباً على الجبهة الشمالية ضد "حزب الله" - لبنان؟!.

لأجل فهم سيناريو العملية العسكرية التي قعت عند الحدود المصرية نشر تال ليف رام المراسل العسكري لـ صحيفة معاريف العبرية بعض التفاصيل الحساسة حولها، ولكن سرعان ما عاد بعدها لحذف أجزاء من الخبر - وعلى الأرجح أنه قد تم ذلك من قِبَل الرقابة العسكرية - وتفاصيل الخبر كان الآتي:

1- بقي عنصر الأمن المصري يمشي لمسافة 5 كيلومترات عن مكان تواجد نقطة المراقبة التي يناوب فيها، وكان يحمل حقيبة على ظهره يوجد فيها معدات و6 مسدسات وسكاكين كوماندوز، حيث قام من خلال إحدى السكاكين بقطع السياج الفاصل واجتيازه، حتى وصل إلى مكان تواجد الجندي والمجنّدة وقام بمفاجأتهما وإطلاق النار عليهما، وقتلهما فوراً.

2- عرف المسلح كيفية الوصول إلى مكان تواجد المقاتلين الاثنين، والذي يبعد نحو 150 متراً من الفتحة التي استطاع من خلالها المسلح المصري اختراق السياج الفاصل - وقع أول حادث إطلاق نار في المنطقة بعد الساعة 6 صباحاً، وكان آخر اتصال بالجندي والمجنّدة نحو الساعة 4 فجراً، ووصلت القوة الثانية التي حان دورها بالتناوب لمكان الحدث نحو الساعة 9 صباحاً، ورأوا جثة الجنديين.

3- تم العثور على المسلح المصري على بعد نحو ميل داخل الأراضي الإسرائيلية، حيث جعل الحجارة والصخور الكبيرة مأوى له - تعرفت عليه القوات بالتحديد عند الساعة 11 صباحاً وتمكن من مفاجأة قوة من الجيش وقتل أحد عناصرها وإصابة آخر عن بعد نحو 200 متر، ثم تمكنت إحدى الطائرات المسيرة من تحديد مكان المسلح، وإرشاد القوات إليه، وتم أخيراً تصفيته بشكل مباشر.

تكتيكياً، تتفق مصر وإسرائيل، في روايتيهما، على أن الجندي المصري منفذ عملية الحدود اجتاز السياج الحدودي، واشتبك مع الجنود الإسرائيليين، وقتل ثلاثة جنود قبل أن يُقتل، لكنّ الجانبين يختلفان في تفاصيل الحادث ودوافعه، وسرعان ما توجّه وفد مصري إلى "إسرائيل" لالتماس الرضا وبالطبع التبرؤ من عملية الشرطي الفدائي "محمد صلاح"!.

عسكرياً، اعتبر المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية الذي اعتبرَ أن الجيش الإسرائيلي قد فشلَ عملياً في الحدث الأمني على الحدود المصرية، في حين أنها "لم تكن قوات الرضوان التابعة لحزب الله هي من عبرت السياج، إنما هو جندي مصري واحد بسلاح كلاشنكوف أحرج الجيش الإسرائيلي بأكمله". ليخلُصَ إلى نتيجة أنه "قبل الحديث عن الهجوم على إيران، على الجيش الإسرائيلي أن يحقق ماذا يحصل في القوات البرية الإسرائيلية المهملة، في النهاية ستواجه القوات البرية قوات الرضوان التابعة لحزب الله وإذا كانت هذه هي النتيجة مقابل شرطي مصري واحد فعلى الجيش الإسرائيلي إعادة ترتيب الأولويات"!. فهل وصلت الرسالة للعدو الإسرائيلي أم أنه يحتاج إلى صاروخ فتاح الإيراني الذي بإمكانه الوصول إلى تل أبيب خلال 400 ثانية ويصيب الهدف بدقة عالية والذي كشفت عنه إيران منذ يومين؟

قلق للإسرائيلي أينما وجد!

مُنفّذ العملية هو الفدائي المصري "محمد صلاح"، الذي يُعتبر اليوم هو فاتحة الطريق لكلّ أحرار الأمة العربية في أي دولةٍ كانت، فهذه مصر وعلى الرغم من توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" للسلام منذ 44 سنة، اليوم أُثبت أنها ما كانت سوى اتفاقيات سياسية لا تمتُّ بتوجّه الشريحة الشعبية بأية صلة، حتى أن الإعلام الإسرائيلي تناول فشل اتفاق التطبيع بين مصر و"إسرائيل" وأكّد أنّ هذا التطبيع "وهمي". كذلك عقّبَ رئيس المجلس الإقليمي في وادي عربة بأن "ما حدث على الحدود المصرية اليوم، قد يتكرر على الحدود الأردنية قريباً"، وربما يحدث ذلك في الإمارات أو السعودية حيثُ يعيش الشعب الاضطهاد والتعسف وقمع حريته في إبداء الرأي ضد أنظمة الحكم عليه أو التعبير عن شعائره الدينية أو الانتماء لقضيته المحورية، وبما أن السياحة الإسرائيلية نشطة في تلك البلاد وهم في مواجهة مباشرة دائمة فيما بينهم، فإن وقوع حدث أمني ضد الإسرائيلي بات من المُرجّحِ جداً.

كما وقد انتشرت سخرية في الكيان الصهيوني من نتنياهو بعد أنباء انضمام الإمارات والسعودية إلى قوة بحرية تشارك فيها إيران خلال الأسبوع الجاري. وذكّروه بتعهّده بتوظيف التطبيع في بناء تحالف إقليمي ضد إيران فإذا بالدول الخليجية بعد 3 سنوات على التطبيع تتجه تحديداً نحو طهران!.

ولكن الخبر الأخطر من ذلك هو أن الضربات غير المُباشرة لإسرائيل من خارج حدود كيانها لم تقتصر على حدود العالم العربي وحسب، ليُعلِن الصحفي الاسرائيلي ألون بن دافيد عبر حسابه الشخصي على تويتر منذ بضعة أيام عن "مقتل مجموعة من ضباط الأمن الإسرائيليين غرقاً في البحر في إيطاليا"، وقال: "الأرجح أنهم لم يقتلوا في البحر والأكيد أنهم قتلوا في مهمة أمنية خاصة في مكان ما. متى وكيف وأين"!؟ هذا الخبر لم يلقَ ترويجاً إعلامياً وبقي قيد التحفّظ وحُجِبَ عن وسائل الإعلام لما فيه من تشويه للبعد الأمني والعسكري الإسرائيلي. بما معناه وبشكل آخر، بات على الكيان الإسرائيلي القلق أينما وجد!.

ختاماً، كثف كيان الاحتلال في السنوات القليلة الماضية مناوراته التي تحاكي حرباً متعدّدة الجبهات، لإدراكه تطور وتلاحم ساحات محور المقاومة. واليوم أنهى مناورة القبضة الساحقة التي صبّ تركيزه فيها أكثر على محاكاة الحرب على الجبهة الشمالية ضد حزب الله، أكثر من أي سيناريو آخر في المناورات. مع العلم أن قائد القيادة المركزية الأمريكية قد تواجد في "إسرائيل" حينها والتقى برئيس أركان الجيش الإسرائيلي، واطلع على المناورات، والجبهة الشمالية هي العنوان.

العدو لا يزال يتخبّط في صراع المواجهة التي من الممكن جداً أن تطلبها أمريكا فرضاً عليه بينما هو يخشاها... ويصف الحدثَ قائد لواء الكوماندوز - المنتهية ولايته مؤخراً في جيش العدو - "ماني ليبرتي" بأن "الحرب المقبلة مع لبنان ستكون صعبة للغاية، حزب الله عدوٌّ صعب لديه آلاف الصواريخ والصواريخ المضادة للطائرات سنواجه وقتاً عصيباً وستكون شدّة النيران كثيفة وسيموت الكثير من الجنود وسيكون الأمر مقرفاً".

والسؤال الذي يُطرح في هذا السياق، هل سيقتصر الأمر على تحرير مزارع شبعا والجليل أم أن المعركة ستتوسّع لتوحيد الجبهات، من أجل تحرير كُل فلسطين؟.