مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: " نتنياهو يؤجل إعلان الهدنة الدائمة ووقف إطلاق النار لأنه يعلم أنه سيدفع الثمن الأكبر لنتائج العدوان على غزة وفشله في مواجهة ملحمة طوفان الأقصى"

العدد رقم 416 التاريخ: 2023-12-01

قصة حومش.. إشارة لما هو قادم

قصة حومش.. إشارة لما هو قادم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشاط المستوطنين لنقل مكان المدرسة الدينية حومش غير القانونية إلى أرض مصنفة بأنها "أراضي دولة" من دون إجراء قانوني منظّم كما هو مطلوب، بموافقة الحكومة وبموافقة ضمنية من الجيش الإسرائيلي، هو دليل على أن القانون لا يلزم حكومة إسرائيل الحالية، وبشكل أكيد في أراضي الضفة الغربية.

تفضّل الحكومة تقويض حكم القانون، وخرق الالتزامات للإدارة الأمريكية، ودفع ثمن تصعيد الإرهاب في الضفة، من أجل الدفع قدماً للمفهوم الأيديولوجي لليمين الراديكالي في الحكومة، الذي السعي لربط الضفة الغربية بإسرائيل بشكل دائم وإحباط أي تسوية سياسية - إقليمية محتملة مع الفلسطينيين.

عشية الـ 28 من شهر أيار تم نقل مبنى المدرسة الدينية في حومش، التي أقيمت على أرض فلسطينية خاصة، عدة مئات الأمتار إلى أرض توصف بأنها أرض دولة. بدلاً من الخيام، تم وضع الكرافانات في الموقع الجديد. هذه خطوة مهمة نحو إقامة مستوطنة دائمة في المكان. ويقول مسؤولون أمنيون إن نقل المباني إلى الموقع الجديد تم بالفعل بمرافقة الجيش، ولكن بأمر من المستوى السياسي وهو مخالف لموقف المؤسسة الأمنية. كما ذكرت مصادر في المؤسسة أن "الأمر يتعلق بتوجيه الوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش إلى الجيش الإسرائيلي بعد ضغوط شديدة على وزير الأمن يوآف غالانت". إنها المرة الأولى منذ فك الارتباط في العام 2005، التي يتم فيها إقامة مبان دائمة في حومش وفي المنطقة التي انسحبت منها إسرائيل في شمال الضفة.

أقيمت مستوطنة حومش على أرض خاصة تم الاستيلاء عليها لأغراض عسكرية عام 1978 من أجل إقامة ناحال. وتجدر الإشارة إلى أن إنشاء المستوطنات على الأراضي الخاصة المصادرة لأغراض عسكرية لم يعد ممارسة مقبولة بعد قرار المحكمة العليا وصياغة سياسة تقام بموجبها المستوطنات على أراضي الدولة فقط، أو الأراضي المشتراة من قبل الكيانات اليهودية، بدء من العام 1979.

 وفي إطار خطة فك الارتباط التي نفذتها حكومة الليكود برئاسة أرييل شارون عام 2005، تقرر أنه بالإضافة إلى فك الارتباط عن قطاع غزة، سيتم تنفيذ فك الارتباط من منطقة محددة في شمال الضفة. بناء على ذلك تم إخلاء أربع نقاط استيطان – غانيم، كديم، حومش وشانور. قرار التحرك في شمال الضفة تم بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية وكان شرطاً لتلقي دعم الولايات المتحدة في خطة فك الارتباط. ووفقاً لما حُدّد في قانون فك الارتباط، تم تعريف الأرض بأنها أرض عسكرية مغلقة ودخول الإسرائيليين إليها ممنوعة.

في السنوات التي تلت فك الارتباط حصلت الكثير من المحاولات من جانب جهات يمينية لإعادة المستوطنة. منذ العام 2009 بدأت العمل في المكان "المدرسة الدينية حومش". أقيمت المدرسة على أرض خاصة في انتهاك للحظر المفروض على دخول المنطقة، وتم إخلاؤها عدة مرات عبر مواجهات بين قوات الجيش الإسرائيلي وسكان المدرسة الدينية، ولكن في كل مرة أعيد تأسيسها. في عام 2013، تم تقديم التماس باسم الفلسطينيين الذين يمتلكون الأرض، طلبوا فيها الوصول إلى أراضيهم وزراعتها وكذلك إخلاء المدرسة الدينية. بعد ذلك، تم إلغاء أوامر الحجز وأمر الإغلاق الذي منع الفلسطينيين من الوصول إلى المكان. وعلى الرغم من ذلك، مُنع السكان الفلسطينيون بالفعل من الوصول إلى أراضيهم وقاموا بتقديم استئناف عدة مرات إلى المحكمة العليا، التي أمرت الجيش الإسرائيلي بالسماح للسكان بالوصول إلى أراضيهم، وهو ما لم يتم.

بعد تشكيل الحكومة الحالية، تم قبول تعديل لقانون الانفصال في 21 آذار 2023، وبموجبه لن يطبق حظر الدخول والبقاء في المناطق التي تم إخلاؤها على منطقة شمال الضفة، وفي 20 أيار، وقّع قائد المنطقة الوسطى على أمر عسكري بالمصادقة عليه. هذا التشريع لا يكفي لشرعنة إقامة المدرسة الدينية، وبالتأكيد بقائها على أرض فلسطينية خاصة. مع ذلك، حتى نقل المدرسة إلى أراضي دولة يستوجب عملية ترخيص والحصول على تصاريح. لذلك فإن نقل المباني في جوف الليل وبتوجيه من المستوى السياسي يعتبر غير قانوني. هذه الخطوة، التي لم تحظ باهتمام الرأي العام، تمثل إشكالية على عدة مستويات -كل منها بمفرده - وخاصة بتراكمها مع بعضها. إنه مثال على عملية خطيرة تحدث ومن المتوقع أن تتوسع في ظل الحكومة الحالية.

المستوى الأول يتعلق بانتهاك هذه الخطوة لسيادة القانون. إنشاء البؤر الاستيطانية غير القانونية ظاهرة شائعة في الضفة الغربية. ومع ذلك، فهذه تحركات تقوم بها كيانات خاصة، يحاول مسؤولو قيادة المنطقة الوسطى والإدارة المدنية، بدرجة محدودة من النجاح، العمل من أجل فرض القانون. في الماضي، حالة كهذه، التي تم تعريفها "اجتياح طازج"، كان يسمح بإخلاء المباني بقرار من القيادة العسكرية من دون وزير الأمن. لكن في الحكومة الحالية، فإن أي إخلاء لمبنى، حتى لو كان "اجتياح طازج"، يتطلب موافقة الوزير بتسلئيل سموتريتش بموجب اتفاقيات الائتلاف وبكونه وزيراً في وزارة الأمن. وهذا يعني أن الاجتياحات الطازجة من قبل المستوطنين الذين يعملون بدون تصريح قانوني لن يتم إخلاؤها، ما يقوض سيادة القانون في المنطقة، وهي المنطقة الهشة أيضاً. ومع ذلك، فإن الخطوة هذه المرة استثنائية لأن الأمر يتعلق بتوجيه من المستوى السياسي للقيام بعمل غير قانوني. وهذا يشكّل سابقة خطيرة لطاعة الجيش الإسرائيلي لتوجيهات المستوى السياسي بينما ينتهك القانون الملزم. دعم الحكومة لعمل المستوطنين في نقل مكان المدرسة الدينية حومش بشكل غير قانوني هو دليل على أن القانون لا يلزم حكومة إسرائيل الحالية، وبالتأكيد في منطقة الضفة الغربية. يوضح هذا الحدث أحد الأسباب الرئيسية لتحركات الحكومة الحالية، والتي تهدف إلى إضعاف المحكمة العليا، بحيث لا يمكنها منع إمكانية مزاولة الأعمال دون قيود قانونية في هذه المناطق.

الخشية من وضعٍ تعطي فيه الحكومة توجيهات متجاهلة القرارات القضائية هو أحد المواضيع في صلب الاحتجاج في إسرائيل. في الضفة الغربية هذا الواقع قد تحقق. وضعت هذه الحالة المؤسسة الأمنية أمام الاختيار هل تمتثل لأوامر الحكومة أو لأوامر القانون.

يبدو أن القيادة تجنبت الدخول في مواجهة مع الحكومة وحاولت الاكتفاء بالتورط السلبي في الحدث. هناك احتمال، في ضوء هذه الظروف، أن يتم تقديم التماس إلى المحكمة العليا يطالب بإخلاء المدرسة الدينية. إذا قررت المحكمة العليا التدخل، ستجد نفسها في مسار تصادم مباشر مع الحكومة. إضافة إلى ذلك، إذا صدر أمر قضائي بإخلاء المدرسة الدينية بسبب إنشائها غير القانوني وتم اتخاذ قرار حكومي بعدم الامتثال لهذا الأمر، سيُطلب من الجيش الإسرائيلي اختيار من يطيعه وسيأتي وقت الاختبار لتعهد قادة الجيش الإسرائيلي للجمهور الإسرائيلي أنهم لن ينفذوا قرارات حكومية مخالفة للقانون.

المستوى الثاني يتعلق بتداعيات السيطرة من جديد على شمال الضفة على الواقع الأمني في الضفة الغربية. يتعلق الأمر بخطوة تقوض الاستقرار وتحرك الأرض؛ يتطلب الأمر تخصيص قوات للحفاظ على المدرس الدينية ومحاور الطرقات المؤدية إليها؛ يزيد من الاحتكاك بين السكان والحافزية لدى الفلسطينيين لتنفيذ هجمات؛ يعطل حافزية الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية للحفاظ على القانون والنظام ومنع أعمال الإرهاب والعنف، وفي المقابل يساهم في تعزيز اتجاه نمو الجماعات الإرهابية في الضفة، والتي قد تتوسع إلى مناطق أخرى.

المستوى الثالث يتعلق بتداعيات هذه الخطوة على المدى البعيد. كانت فكرة مغادرة شمال الضفة تهدف إلى السماح بالانفصال عن السكان الفلسطينيين في منطقة كان فيها عدد قليل من المستوطنين وعدد كبير من السكان الفلسطينيين. تهدف إعادة المستوطنات إلى المنطقة إلى منع خيار التسوية في المستقبل. وتجدر الإشارة إلى أن مستوطنة حومش لم تكن مشمولة بالسيادة الإسرائيلية حتى في إطار خطة القرن التي وضعها الرئيس ترامب، والتي تمت صياغتها بإيحاء اليمين في إسرائيل. العودة إلى حومش تشكل مرحلة إضافية في هرولة حكومة اليمين الحالية نحو واقع "دولة واحدة". رؤساء المستوطنات في الضفة الغربية يعملون على خلق حقائق على الأراضي الفلسطينية من خلال تواصل المستوطنات والبؤر الاستيطانية والأراضي الزراعية، من أجل منع احتمال الانفصال والتسوية السياسية. بهذه الطريقة، ستُحرم الحكومات الإسرائيلية في المستقبل من حرية اتخاذ القرار. سيكون الاختيار بين "دولة واحدة لجميع مواطنيها" مع المساواة الكاملة في الحقوق للسكان الفلسطينيين، بحيث تفقد الهوية اليهودية للدولة؛ وبين "دولة واحدة ذات سيادة يهودية"، مع حقوق كاملة للسكان اليهود وحقوق محدودة للسكان الفلسطينيين. هذه الدولة لن تكون ديمقراطية بل قد تعتبر دولة فصل عنصري.

المستوى الرابع يتعلق بداعيات هذه العملية على العلاقات الخارجية لإسرائيل وبشكل خاص على علاقاتها مع الولايات المتحدة. بعد تعديل قانون فك الارتباط، تم تقديم تعهدات للإدارة الأمريكية بأنه سيتم الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة، ولن يتم إنشاء مستوطنات جديدة في المنطقة. بعد نقل المدرسة الدينية حومش، أدلت الولايات المتحدة بتصريح شديد: "نحن قلقون جداً من قرار حكومة إسرائيل السماح لمواطنيها إقامة تواجد دائم في النقطة الاستيطانية حومش، الأمر الذي لا ينسجم مع التزام رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون للرئيس جورج بوش ويناقض تعهدات الحكومة الحالية في إسرائيل لإدارة بايدن". كما جاء في الإعلان أن "توسيع المستوطنات يقوض التخطيط الجغرافي لحل الدولتين ويزيد التوتر ويزيد من إضرار الثقة بين الطرفين". علاوة على ذلك، فإن هذه الخطوة، إلى جانب السياسات الأخرى للحكومة الحالية، تعرّض إسرائيل لانتقادات في الساحة الدولية ومخاطر قانونية متوقعة عقب الرأي في عدم شرعية الاحتلال، الذي طلبته محكمة العدل الدولية، وكذلك ضغوط على المدعي العام في محكمة الجنايات لتسريع التحقيق ضد الجهات الإسرائيلية المتورطة، من بين أمور أخرى، في السياسات الاستيطانية، التي تم تعريفها في دستور المحكمة على أنها جريمة حرب.

في الخلاصة، العملية في حومش هي دليل إضافي على أن هذه الحكومة تفضل تقويض سلطة القانون، وخرق التزاماتها للإدارة الأمريكية وأيضاً دفع ثمن التصعيد في الإرهاب شمال الضفة، من أجل الدفع قدماً برؤية اليمين الراديكالي في الحكومة الذي يريد شرعنة ظروف لضم الضفة الغربية. وبهذه الطريقة، يتم إحباط أي إمكانية لوجود حكم فلسطيني فاعل وربط الأرض بإسرائيل بشكل دائم، مع عدم وجود إمكانية للتوصل إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين. وبذلك، تتصرف الحكومة متجاهلة موقف غالبية الجمهور في إسرائيل، الذين يعارضون واقع "دولة واحدة" (85٪ وفقاً لاستطلاع معهد أبحاث الأمن القومي)، حيث يطمحون للانفصال عن الفلسطينيين وعدم الخلط بين السكان والتورط بينهم. في مسار الزمن، يعتبر الصعود المتجدد إلى حومش علامة بارزة أخرى في تآكل الرؤية الصهيونية والهوية اليهودية الديمقراطية لدولة إسرائيل.

معهد أبحاث الأمن القومي – بانينا شربيط باروخ ) باحثة كبيرة في معهد أبحاث الأمن القومي ورئيسة برنامج القانون والأمن القومي) أودي ديكل (باحث ومدير معهد أبحاث الأمن القومي ورئيس برنامج الساحة الفلسطينية)

إخترنا لكم من العدد

إقليميات

الرئيس تبون وتوثيق الشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وروسيا

الرئيس تبون وتوثيق الشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وروسيا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توفيق المديني ـــــــــــــــــــــ قام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بزيارة دولة إلى روسيا هي الأولى ...

دوليات

السيد رئيسي في أمريكا الجنوبية.. الوقوف في وجه نظام الهيمنة ومواجهة الاحادية.

السيد رئيسي في أمريكا الجنوبية.. الوقوف في وجه نظام الهيمنة ومواجهة الاحادية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ في ذروة الحديث الإعلامي الأمريكي عن اتفاق وشيك ...

محليات

الثنائي الوطني ثبت فرنجية والمتقاطعون يتهيئون " لنعي" أزعور

أوساط سياسية للبلاد: الثنائي الوطني ثبت فرنجية والمتقاطعون يتهيئون " لنعي" أزعور ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد الضيقة ــــــــــــــــــــــ كما كان متوقعاً أسدل الستار على الجلسة البرلمانية رقم ...