السيد رئيسي في أمريكا الجنوبية.. الوقوف في وجه نظام الهيمنة ومواجهة الاحادية.
ابتسام الشامي

السيد رئيسي في أمريكا الجنوبية..
الوقوف في وجه نظام الهيمنة ومواجهة الاحادية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
في ذروة الحديث الإعلامي الأمريكي عن اتفاق وشيك غير مكتوب بين طهران وواشنطن، حط الرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي رحاله في الفناء الخلفي للولايات المتحدة الأمريكية في جولة وقّع خلالها الكثير من اتفاقيات التعاون السياسي والاقتصادي، مع دول في أمريكا اللاتينية تجمعها بإيران مشتركات كثيرة يتقدمها، عداء أمريكا وعقوباتها.
نافذة فرص لعلاقات قوية ومتينة
بين مشهد الأسطول الإيراني عام 2020 مخترقاً البحر الكاريبي حاملاً إلى فنزويلا مشتقات نفطية لمواجهة الحصار الأمريكي المفروض عليها، ومشهد استقبال الرئيسي الإيراني السيد ابراهيم رئيسي في كاراكاس عام 2023، تغير العالم كثيراً، ليس لأن الأحداث والتطورات خلال السنوات الثلاث وضعت مكانة الولايات المتحدة الأمريكية على المحك فحسب، بل في الأساس لتوسّع دائرة التحدي العالمي لنفوذها وقوتها، وهو تطور أدت الجمهورية الاسلامية في إيران دوراً فاعلاً في تأسيس بنيته وخلق بيئته المؤاتية، سواء من خلال صمودها في مواجهة الحرب الاقتصادية المفتوحة ضدها، أو من خلال مسار بناء القوة الذي بلغ حد ردع الاعداء عن أي مغامرة عسكرية تستهدف مراكز قوتها العسكرية والمدنية، على الرغم كمن أصوات التهديد المرتفعة من تل أبيب إلى واشنطن.
قراءة جولة السيد رئيسي اللاتينية، التي قادته أيضاً إلى نيكاراغوا وكوبا، في سياق الأحداث الدالة على التغير الكبير الذي يصيب منظومة العلاقات الدولية، تؤكده المقاربة الإيرانية للزيارة، ونظرة طهران إلى دول أمريكا الجنوبية الواقعة مثلها تحت ضغط العقوبات الأمريكية الخانقة، التي أمكن كسرها أو بالحد الأدنى توجيه لكمات قوية لها خلال الإغاثة الإيرانية العاجلة لفنزويلا، في تجربة يمكن البناء على مفاعيلها لتطوير علاقات أكثر متانة وقوة وتناغماً اقتصادياً وسياسياً. ولعلّ هذه المقاربة، هي التي عبر عنها الرئيس الضيف بوصفه العلاقات بين بلاده ودول أمريكا اللاتينية بالاستراتيجية، قائلاً إن "الموقف المشترك لإيران وفنزويلا ونيكاراغوا وكوبا هو الوقوف في وجه نظام الهيمنة ومواجهة الأحادية"، في إشارة إلى الولايات المتحدة. ومن مطار طهران قبيل مغادرته إلى فنزويلا المحطة الأولى في جولته، أكد السيد رئيسي أن "معظم دول أمريكا اللاتينية هي دول تريد العيش مستقلة، وأن نزعة الحرية والاستقلال والمقاومة في وجه نظام الهيمنة هي السمة المشتركة لدول هذه المنطقة". مضيفاً أنه إلى جانب العلاقات الودية السياسية والاقتصادية والتجارية بين إيران وهذه الدول الثلاث، هناك أيضاً تعاون جيد في مجال الطاقة، وقد شهد العامان الأخيران تطوراً جيداً للعلاقات في المجالات الصناعية والزراعية والعلمية والتكنولوجية والطبية والعلاجية.
بدوره وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي كان في عداد الوفد المرافق إلى جانب وزراء الدفاع والنفط والثقافة والصحة، كتب مقالة عن أهمية العلاقات الإيرانية مع دول أمريكا اللاتينية في هذه اللحظة السياسية الفارقة على مستوى العالم، ورأى أن "ظهور علامات على حدوث تغيير كبير في النظام العالمي وزيادة القوى الموجودة في المحيط الجغرافي في تشكيل النظام الدولي الجديد يتطلب تعاوناً متعدد الأطراف، لا سيما بين القوى الإقليمية". معتبراً أن زيارة الرئيس الإيراني لفنزويلا وكوبا ونيكاراغوا تعد تطوراً في اتجاه توطيد وتعزيز التعاون بما يصب في مصلحة شعوب الدول الأربع. وقال إن "تلك الجولة يمكن أن تفتح نافذة جديدة في العلاقات العريقة بين إيران وأمريكا اللاتينية وتعزز التعاون متبادل المنفعة في مجالات الطاقة والعلوم والتكنولوجيا والصحة والطب والزراعة وتصدير السلع والخدمات الهندسية التقنية".
تطوير العلاقات ورفع حجم التبادل التجاري
مدّ الجسور الإيرانية مع الطرف الآخر من الكرة الأرضية كان قد بدأ باكراً منذ انتصار الثورة الاسلامية عام 1979، وتعزّز خلال عقود من الزمن، وقد ارتكز بشكل أساسي على البعد الاقتصادي ربطاً بمحاولات إيران خرق جدار العقوبات الأمريكية، وقد ترجم ذلك عملياً بارتفاع مستوى التبادل التجاري بين الجانبين من نحو مليار دولار عام 2005، إلى قرابة 4 مليارات في عام 2013. وما بين عامي 2009 و2013 وقّعت طهران أكثر من 250 اتفاقاً تجارياً مع تلك الدول. ولئن تباطأ زخم تلك العلاقات بفعل المفاوضات الغربية مع إيران والتوصّل إلى الاتفاق الشهير عام 2015، إلا أن فشل الاتفاق والانسحاب الأمريكي منه لاحقاً، أعاد تعزيز العلاقات لاسيما مع حكومة السيد رئيسي التي تتبنى في سياستها الخارجية تنويع العلاقات، وهي سياسية يقودها الانفتاح بشكل فعال، ليس على دول الجوار فحسب وإنما على مختلف دول العالم، وحيث ما أمكن بناء شراكات استراتيجية سواء بشكل ثنائي أو ضمن تكتلات دولية كمنظمة شنغهاي ومجموعة بريكس الدولية. وفي هذا السياق لا بد من التذكير بزيارة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى طهران العام الماضي، والتي توجت بتوقيع اتفاقية للتعاون الثنائي مدة 20 عاماً، تشمل التعاون في مجالات الدفاع، إضافة إلى جوانب اقتصادية أخرى، منها التعاون في مجال البتروكيميائيات، علاوة على جوانب أخرى ثقافية وسياحية. أما خلال الزيارة الحالية للرئيس الإيراني إلى فنزويلا، فقد جرى التوقيع على 25 اتفاقاً للتعاون، وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفنزويلي، قال السيد رئيسي، إن للبلدين مصالحاً ووجهات نظر وأعداءً مشتركين، وأن الشعب الإيراني أثبت صداقته للشعب الفنزويلي على مدى السنوات الماضية، وأظهر دائماً أنه صديق أيامهم الصعبة. موضحاً أن الهدف المستقبلي للبلدين زيادة حجم المبادلات بينهما من 3 مليارات دولار في السنة إلى 10 مليار سنوياً كمرحلة أولى، ثم لاحقاً إلى 20 مليار دولار سنوياً.
الأهمية السياسية للزيارة
وإلى اتفاقيات التعاون التي وقّعها الرئيس الإيراني في جولته على دول أمريكا اللاتينية، اكتسبت زيارة السيد رئيسي أهمية سياسية خاصة لعدة اعتبارات لعل أبرزها:
- تحدي الولايات المتحدة الأمريكية عبر الحضور الإيراني المعزز بأبعاد اقتصادية وسياسية، في حديقتها الخلفية التي تعتبرها جزءاً من أمنها القومي.
- تطوير العلاقات مع دول الكاريبي وأمريكا اللاتينية بما يوسع من رقعة حضور إيران الدولي في وجه محاولات عزلها وحصارها.
- تعبير الزيارة وما رافقها من اتفاقيات اقتصادية وسياسية عن تحول إضافي في مسار النظام العالمي الجديد القائم على التعددية القطبية، بما يؤثر في مكانة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما عبّر عنه السيد رئيسي في محطات جولته بعبارة" الوقوف في وجه نظام الهيمنة".
- وتبقى الرسالة الأهم في الزيارة، أن الحديث الذي يضج به الإعلام الأمريكي عن قرب التوصل إلى اتفاق أمريكي إيراني، يضمن وقف تطوير طهران برنامجها النووي في مقابل الإفراج عن أصول مالية إيرانية تسطو عليها الولايات المتحدة، لن يغير في سياسية إيران الخارجية، ولن يبدل في أجندتها السياسية المعادية للهيمنة الأمريكية والساعية إلى كسرها، والعمل على إنشاء نظام عالمي جديد قائم على التعدد والتعاون.
خاتمة
"إذا كان هناك أي شيء يفتح الباب أمام طهران إلى نصف الكرة الغربي، فهو سياسة الولايات المتحدة الفاشلة"، هذه العبارة اختارها موقع Responsible Statecraft للحديث عن تطور لافت في علاقات إيران الدولية، حيث بات حضورها محورياً ليس على المستوى الإقليمي فحسب وإنما على المستوى العالمي أيضاً، وهذا ما عنته بالتحديد جولة رئيسي في أمريكا اللاتينية، الذي افتتح مساراً للتقارب مع دولها الواقعة على حدود الولايات المتحدة الأمريكية، وفي بيئتها الاستراتيجية، وفي ذروة الاستقبال الحار الذي لاقاه في الدول الثلاث، لم ينس الضيف الإيراني، نظيره الروسي، أحد رموز مواجهة الهيمنة الأمريكية في هذه المرحلة، إذ خصه ببرقية تهنئة لمناسبة اليوم الوطني الروسي، في لفتة تحمل الكثير من الدلالات السياسية.