مبادرة مصرية "لهدنة" في قطاع غزة.. مسار يتجاوز إسرائيل

مبادرة مصرية "لهدنة" في قطاع غزة.. مسار يتجاوز إسرائيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرضت مصر في بداية حزيران 2023 على قادة حماس والجهاد الإسلامي خلال اجتماع في القاهرة نخطط الاعداد وقف إطلاق نار طويل الأمد – "هدنة" – في قطاع غزة. إسرائيل ليست مشاركة رسمياً بالمبادرة، التي تحتوي على مزايا بالنسبة لها بمصطلحات وقف إطلاق النار المتواصل واستعداد القاهرة للانخراط عميقاً في قطاع غزة.
وذلك، على الرغم من أن حماس ستستفيد من تحقيق المبادرة التي تتضمن نية توسيع البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية، وبالتالي فهي تمثل فرصة للحركة لمواصلة لتعاظم القوة سياسياً وعسكرياً. مع ذلك حماس ليست متحمسة للمبادرة المصرية. على أية حال، يوصى لإسرائيل عدم معارضة المبادرة على الرغم من التنازل عن ثلاثة مبادئ: (1) ظاهرياً "السماح" لحماس والجهاد بحرية التشجيع وتنفيذ هجمات في القدس، الضفة الغربية، في إسرائيل نفسها ومن جنوب لبنان؛ (2) مطلب إسرائيل ان يتضمن ان ترتيب حل لمسألة الاسرى والمفقودين؛ (3) فقدان رد فعال لإيقاف تعاظم قوة حماس والجهاد.
في الرابع والسادس من شهر حزيران، قام وفدا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني بقيادة زعيم حماس إسماعيل هنية (برفقة نائبه صالح العاروري والزعيم "الخارجي" في حماس خالد مشعل) وزعيم الجهاد زياد النخالة، بزيارة إلى القاهرة، بدعوة من رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل. وخلال الاجتماع عرض المضيف مخطط لإعداد وقف إطلاق النار طويل الأمد – "هدنة" – في قطاع غزة. وقد تأثرت النقاشات بنتائج عملية "درع وسهم"، التي تم خلالها استعراض قدرات الإحباط المركزة من قبل اسرائيل، وكذلك بأجواء الترتيبات البارزة في الشرق الأوسط، والتي تهدف إلى تهدئة التوتر والعنف. كان أساس المناقشات هو مبادرة وقف إطلاق النار طويل الأمد واستعداد القاهرة للعمل على تهدئة الوضع الأمني في قطاع غزة والمشاركة في إعادة إعمار المنطقة، بدعم سياسي من الولايات المتحدة ودعم اقتصادي من قطر.
حافزية القاهرة لتوسيع مشاركتها في القطاع تعود إلى التحولات الاقتصادية والسياسية التي تكسبها في هذا السياق، فضلاً عن إنجازاتها في دفع مشاريع البنية التحتية هناك. على سبيل المثال، وصلت المشاريع المصرية لبناء ثلاثة أحياء من الأبراج الشاهقة في جباليا وبيت لاهيا شمال قطاع غزة إلى مرحلة متقدمة وقريبة من الإشغال. كذلك أيضاً الأعمال لتطوير شارع الرشيد، الواقع على طول البحر في الجزء الشمالي من قطاع غزة.
المشاريع التي تضمنها الاقتراح المصري:
• توسيع مرفأ العريش في شمال شبه جزيرة سيناء للاستخدام كمرفأ تجارة لصالح قطاع غزة وتعبيد طريق واسع لحركة الشاحنات من المرفأ إلى القطاع وتوسيه التجارة بين مصر وقطاع غزة عبر معبر صلاح الدين.
• ربط شبكات الكهرباء وتزويد الكهرباء من مصر إلى القطاع
• تطوير حقل الغاز المتواجد مقابل سواحل القطاع -Gaza Marine. ولهذه الغاية، سيكون من الضروري إشراك السلطة الفلسطينية، المعترف بها على أنها الحكومة الفلسطينية المسؤولة التي تمتلك حقوق حقل الغاز. يحتمل أن يكون هذا هو سبب الزيارة التي قام بها رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، محمد أشتيه، إلى القاهرة قبل أسبوع من زيارة وفدي حماس والجهاد.
• إنشاء منطقة تجارة حرة بين شمال سيناء وقطاع غزة.
• تريد مصر إبقاء السلطة الفلسطينية في الصورة عبر إعادة سيطرة السلطة في الجانب الفلسطيني لمعبر رفح بين قطاع غزة الواقع تحت سيطرة حماس ومصر، كما كان متبع قبل أربع سنوات.
وأفيد أيضاً أنه ومن أجل استقرار شروط التهدئة طويلة الأمد في القطاع، مطلوب من مصر في الاتصالات التي تدار بينها وبين طهران، أن تتعهد إيران بعد استخدام حلفائها – بشكل خاص الجهاد الإسلامي – عدم إحباط الترتيبات التي تتبلور بين حماس والفصائل الواقعة تحت التأثير الإيراني.
في هذه المرحلة إسرائيل ليست مشاركة في الاتصالات العلنية، لكن على ما يبدو يتم إبلاغها بأي جديد. يتضمن الاقتراح المصري مقايضات يتعين على إسرائيل توفيرها، بما في ذلك وقف إطلاق نار طويل الأمد من جانبها، وتجنُّب استهداف كبار المسؤولين والقادة في الفصائل الفلسطينية، وتوسيع التسهيلات في انتقال الأشخاص والبضائع إلى ومن القطاع والموافقة على استخراج الغاز في المياه الاقتصادية لغزة.
أفكار وملاحظات
غياب قياديين مهمين عن الاجتماع في القاهرة – قائد حماس في القطاع، يحي السنوار، وقائد السلطة الفلسطينية محمود عباس -. غيابهما يشير إلى أنه لم يمارس ضغط مصري لمصالحة داخلية فلسطينية أو لإجراء انتخابات. يفضل السنوار إجراء مفاوضات حيث تكون قيادة "الخارج" في مقدمة المنصة، وبذلك لن يطالب بتوضيح العناصر الناقصة في الترتيبات، ومن بينها إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من قبل إسرائيل ورفع كامل للإغلاق (في رأيه "الحصار") الإسرائيلي على قطاع غزة. عباس في الوضع الحالي، ليس جهة ذات صلة في مسألة قطاع غزة، باستثناء الترتيبات لاستخراج الغاز، ويبدو أيضاً أن القاهرة يئست من محاولات إقناعه بالدفع قدماً بالمصالحة الداخلية الفلسطينية.
الحافز المصري:
(1) تعزيز مشاريع اقتصادية في قطاع غزة، والتي ستعطي مصر عائدات (توسيع ميناء العريش، البنية التحتية للكهرباء في رفح والعريش، إنشاء طريق وصول سريع للبضائع، وتطوير حقل غاز مارين)؛
(2) جولة المواجهة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي في شهر أيار في قطاع غزة (بما في ذلك في شهر رمضان) أوضحت للمصريين إلى أي حد من الصعب التوسط في حادث فيه تعدد من اللاعبين والعناوين، وبعضهم يتواجد خارج القطاع. لذلك تسعى مصر إلى إعادة توضيح قواعد اللعبة، فيما يتعلق بها، هناك عنوان فلسطيني واحد مسؤول عن قطاع غزة وهو حماس، والحفاظ على التفرد المصري في موقع التوسط مع إسرائيل.
اللعبة الإسرائيلية
من المريح لإسرائيل حتى الآن التواجد خارج صورة الاتصالات، بالتأكيد بالعلن، باختيارها أو ليس باختيارها. وبذلك يتحرر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من الحاجة للتوضيح لشركائه من اليمين الراديكالي في الحكومة لماذا إسرائيل شريكة في "الصفقات" مع حماس ولماذا الترتيبات لا تتضمن إعادة المواطنين الإسرائيليين وجثث الجنود المحتجزين لدى حماس. بالإضافة إلى ذلك، جميع العناصر الأولى للترتيبات مخولة بها مصر، وبناءً على ذلك يمكن تقليص مدلول المقابل الإسرائيلي (باستثناء التفاهمات الحالية السارية بشكل رئيسي في سياسة العبور وتصاريح العمل في إسرائيل لـ 18500 عامل من غزة). إسرائيل غير مطالبة بتغيير تصرفاتها في الحرم القدسي والقدس، او تقييد حرية عملها مقابل الإرهاب.
التداعيات في حال نجحت مصر في بلورة "الهدنة"
إن ترسيخ مكانة حماس في قطاع غزة هو عامل القوة الذي يجب مقابله تعزيز الهدوء طويل الأمد مع تحييد الجهاد. ستربح حماس من الترتيبات، من استمرار تخفيف الحصار على القطاع وتنفيذ مشاريع البنية التحتية والاقتصادية في المنطقة، دون أي التزام لإسرائيل بوقف دعم الإرهاب في القدس والضفة الغربية وداخل إسرائيل وجنوب لبنان. العاروري سيكون حراً في المبادرة إلى عمليات إرهابية وتنظيم "ملف رمضان 2024". في نفس الوقت، ستواصل حماس الاحتفاظ بورقة الأسرى والمفقودين الذين بحوزتها. كذلك أيضاً، ترتيبات من هذا النوع، وبالتأكيد إذا كانت الولايات المتحدة مشاركة فيها حتى لو ببروفيل منخفض، ستزيد شرعية حماس والاعتراف الدولي بها.
استمرار الاتجاه نحو تعميق التدخل المصري في قطاع غزة واستعداد القاهرة لتغميس يديها عميقاً في قطاع غزة. مع تزايد اعتماد قطاع غزة على مصر، سينخفض اعتماده على إسرائيل. ومع ذلك، فإن فعالية التنفيذ المصري في منع تهريب الأسلحة عبر سيناء إلى قطاع غزة ليست عالية. التخوف هو من أن يؤدي توسع التجارة وحركة البضائع من سيناء إلى زيادة احتمالات التهريب، في حين أن قدرة إسرائيل على الرد ستكون محدودة بسبب الاعتماد على مصر والرغبة في الحفاظ على العلاقات الخاصة مع القاهرة.
إسرائيل في توتر بين المقابل المتوقع وبين الأثمان التي يتعين عليها دفعها. من جانب، إسرائيل تريد من إسرائيل تحقيق تهدئة أمنية طويلة الأمد قدر الإمكان وتقليص مسؤوليتها عما يجري في القطاع، ومن جانب آخر، بذلك ستقلّل من تعلّق القطاع بإسرائيل وفقدان رافعات التأثير على ما يجري فيه؛ من جانب، النظرية الإسرائيلية السائدة هو أن تحسين الوضع الاقتصادي في غزة هو السبيل لكبح حماس، ومن هنا دعمها بالتسهيلات في المجالات المدنية مواصلة إعادة اعمار القطاع، ومن جانب آخر، إذا تم الدفع قدماً بمخطط الترتيبات المقترح من قبل المصريين، يتوقع أن تقوم جهات يمينية – متطرفة في حكومة إسرائيل بمعارضة المقابل من جانب إسرائيل، مثل تخفيف كبير في إغلاق أو إنتاج حقل الغاز في البحر، دون صفقة الأسرى والمفقودين.
هل يمكن كبح جماح العناصر الجامحة؟. إن الشرط الضروري لتطبيق وقف إطلاق نار طويل الأمد هو رضوخ الجهاد الإسلامي لحركة حماس والاتفاق على ذلك، ضمنياً على الأقل، من جانب طهران. وليس واضحاً إلى أي مدى سيكون التأثير الإيراني على الجهاد محدوداً أيضاً في ضوء اتجاه تحسين العلاقات بين القاهرة وطهران.
خطوة أخرى نحو فقدان صلة السلطة الفلسطينية. وقف إطلاق نار متفق عليه في ساحة غزة سيكون مسمار آخر في نعش السلطة الفلسطينية، التي لم تنج في تجنيد تقديمات اقتصادية وسياسية مهمة (مقابل تلك التي تحظى بها حماس وفقاً لمخطط الترتيبات) في المناطق الواقعة تحت سيطرتها. على هذه الخلفية يتوقع أن تزيد حماس من مساعيها للسيطرة على السلطة الفلسطينية في اليوم الذي يلي عباس.
خلاصة وتوصيات
المبادرة المصرية لـ "هدنة" في ساحة غزة لا تتضمن إجراءات للحد من تقوية حماس وتقييد حريتها في العمل في مجالات أخرى، ولا تدفع نحو صفقة الأسرى والمفقودين مع إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن "الهدنة" ستضمن بقاء الجهاد والتنظيمات الإرهابية الأخرى في قطاع غزة. من بين المطالب الرئيسية التي طرحها الجهاد من أجل موافقته على وقف إطلاق النار في 13 أيار 2023، وقف إسرائيل لعمليات الاغتيال المركزة، والتي تم الرد عليها بشكل إيجابي بالالتزام بـ "الهدوء مقابل الهدوء". وكما "الهدنة" بالنسبة لحماس، كذلك أيضاً الجهاد الإسلامي سيكون حراً في إعادة ترميم صفوفه وقدراته.
فرصة نجاح مصر في إعداد "الهدنة" ضعيفة، ويرجع ذلك بالأساس إلى الموقف المتوقع لحركة حماس. على الرغم من المزايا الكامنة في "الهدنة" بالنسبة لحماس، إلا أنها تعتبر، من وجهة نظر الحركة، في حالة دونية استراتيجية مقابل إسرائيل، ولكن هذا ليس هو الحال اليوم. تقدّر قيادة حماس أن الحركة اليوم قوة صاعدة في الساحة الفلسطينية وحتى الإقليمية، بينما إسرائيل في نظرها في حالة تراجع وهي في طريقها إلى التراجع في نفوذها الإقليمي والدولي. بناءً على ذلك، تفضّل الحركة استمرار حالة "الهدوء" القائمة، على الرغم من وجود امتدادات معينة تسمح باستمرار إعادة إعمار القطاع وتعزيزه عسكرياً وسياسياً، ولكن دون الحاجة إلى تسوية أيديولوجية ومنح مقابل وإنجازات لإسرائيل (حتى بشكل غير مباشر) أو للسلطة الفلسطينية (خطة الغاز).
على الرغم من ضعف فرص نجاح مبادرة "الهدنة" المصرية، فمن المستحسن أن تتجنب إسرائيل معارضة المبادرة، وأن تدعم التوسع في المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية في القطاع. إن تحسين الظروف المعيشية في المنطقة والمشاركة المصرية المتزايدة فيها سيعززان الهدف الاستراتيجي لإسرائيل - تحقيق هدوء طويل الأمد وتعميق التمايز بين قطاع غزة والضفة الغربية -. إن الاستمرار في دفع المبادرة المصرية سيسمح لإسرائيل بفحص ما إذا كان لدى حماس الدافع لكبح العناصر "الجامحة" (الجهاد الإسلامي بشكل أساسي) في القطاع، ومدى التزام السنوار بهدوء أمني طويل الأمد. ومع ذلك، من أجل عدم تقويض "الهدنة"، على إسرائيل أن تتحمل العواقب التالية: استمرار حرية العمل لحماس والجهاد على تشجيع الإرهاب وتنفيذه في الساحات الأخرى؛ تنازل مع حماس في قطاع غزة دون حل قضية الأسرى والمفقودين؛ عدم وجود رد فعال على استمرار عملية تعاظم قوة حماس والجهاد.
معهد أبحاث الامن القومي – أودي ديكل وأوريت بارلوف