مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: " نتنياهو يؤجل إعلان الهدنة الدائمة ووقف إطلاق النار لأنه يعلم أنه سيدفع الثمن الأكبر لنتائج العدوان على غزة وفشله في مواجهة ملحمة طوفان الأقصى"

العدد رقم 416 التاريخ: 2023-12-01

ساحة جديدة للتنافس الصيني الأمريكي.. واشنطن تتهم وبكين تنفي انشاء قاعدة تجسس لها في كوبا

ابتسام الشامي

ساحة جديدة للتنافس الصيني الأمريكي..

واشنطن تتهم وبكين تنفي انشاء قاعدة تجسس لها في كوبا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ابتسام الشامي

ــــــــــــــــــــــــــــ

تشهد العلاقات الصينية الكوبية تطوراً متسارع الخطى، أمكن معه رصد تصاعد مؤشرات القلق في الولايات المتحدة الأمريكية، فالجزيرة التي لا تبعد عن سواحلها أكثر من 150 كيلومتراً، تسلّلت الصين إليها من بوابة التعاون الاقتصادي.

أما من بوابة التعاون الأمني، فتخشى واشنطن من التعاون الوثيق ومن إنشاء قاعدة تجسّس صينية على أراضي الجزيرة الكاريبية، وتعتبر ما يجري مساً خطيراً بأمنها القومي.

المعلومات الأمريكية عن القاعدة

لم تبرّد زيارة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن إلى الصين الأسبوع الماضي التوتر القائم في العلاقات بين واشنطن وبكين، وعلى الرغم من تأكيد الجانبين ايجابية النقاشات التي جرت، بقي التراشق السياسي والاعلامي قائما على خلفية الكثير من التطورات وآخرها، اتهام الولايات المتحدة الصين بإنشاء قاعدة استخباراتية في كوبا للتجسس عليها. الحديث عن القاعدة المذكورة بدأ بتسريب معلومات عنها عبر صحيفة وول ستريت جورنال، التي ذكرت في تقرير خاص في 8 حزيران الجاري، أن "الصين وكوبا توصلتا إلى اتفاق مبدئي بشأن منشأة تجسس جديدة في كوبا". ولم يمض يومان على تشكيكه بدقة المعلومات الواردة في التقرير، حتى رفع البيت الأبيض السرية عن معلومات استخباراتية "اكدت" أن موقع الاستخبارات الصينية في كوبا موجود منذ عام 2019 على أقل تقدير. وتداول الإعلام الأمريكي معلومات، عن مسؤولين أمريكيين سابقين وحاليين، تفيد بإن المنشأة الجديدة "تمنح الصين منصة لتمركز محتمل دائم لقواتها على الجزيرة، وتوسيع قدراتها على جمع المعلومات، بما في ذلك التجسس الإلكتروني ضد الولايات المتحدة". وفي التفاصيل التي أوردتها "وول ستريت جورنال" صاحبة السبق الصحافي بخصوص القاعدة، فإن ما يقلق الولايات المتحدة، وفق مسؤول أمريكي سابق لم يذكر اسمه، هو أن المنشأة الجديدة تندرج تحت "المشروع 141"، وبحسب الصحيفة الأمريكية فإن المشروع المذكور، هو مبادرة من جيش التحرير الصيني لتوسيع قاعدته العسكرية وشبكته إمداداته اللوجستية عالمياً.

بدورها، تنقل صحيفة بوليتيكو، عن مسؤول أمريكي قوله إن "بكين وهافانا تناقشان حالياً في طبيعة التدريبات العسكرية التي يمكن أن تستضيفها تلك القاعدة وفي إدارة القاعدة الهيكلية". مشيرة إلى أن مسؤولين أمريكيين بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن تطرقوا إلى هذه المسألة، خلال لقاءات مع نظرائهم الصينيين مؤخراً. وبحسب المسؤول الأمريكي نفسه فإن الإدارة الأمريكية، ليست على علم بمستوى التقدم الذي حققته المفاوضات بين الجانبين.

المعلومات التي نشرها الإعلام الأمريكي بخصوص القاعدة الصينية في كوبا، والتي نسبت في معظمها إلى مسؤولين أمريكيين فضلوا عدم ذكر أسمائهم لحساسية الموضوع، وحدت الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس لمطالبة الادارة الأمريكية "باتخاذ خطوات لمنع هذا الخطر الجدي للأمن القومي والسيادة الأمريكيين" وفق تصريحات لرئيس لجنة الأمن في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي مارك وورنر، التي أيده فيها نائبه الجمهوري، ماركو روبيو. أما رئيس لجنة الصين في الكونغرس مايك غالاهار، من الحزب الجمهوري أيضاً، فقد اتّهم إدارة بايدن بطمس الحقيقة بشأن وصفه بالعدوان الصيني". وفي معرض مطالبته بالتعامل الجدي مع هذا الخطر الجديد على الأمن القومي الأمريكي، استشهد غالاهار بخطاب الرئيس الديمقراطي جون كندي عام 1962، الذي قال فيه "هناك مسار واحد لن نختاره أبداً، وهو مسار الاستسلام أو الخنوع"، في رسالة حث إلى إدارة بايدن بضرورة عدم التهاون في مسألة تنطوي على مخاطر تطال الأمن القومي الأمريكي.

الصين تنفي وكوبا تتهم أمريكا بالتلفيق

الحديث الأمريكي عن إدارة الصين شبكة للتجسس وجمع المعلومات الاستخبارية عن الولايات المتحدة الأمريكية تشمل إلى كوبا قواعد في جيبوتي وكمبوديا، وضعته الصين في إطار الفبركات والمعلومات المضللة. وفي هذا السياق قال المتحدث باسم الخارجية الصينية "وانغ ون بين"، إنه "ليس على علم بأي اتفاق بين الصين وكوبا"، مضيفاً أن الولايات المتحدة "خبيرة في ملاحقة الظلال" في دول أخرى والتدخل في شؤونها. واصفاً أنشطة التجسس المزعومة للصين في كوبا، "بالمعلومة الكاذبة". وشدد على أنه "ليس للولايات المتحدة الأمريكية فرصة لدق إسفين بين الصين وكوبا".

بدورها وصفت السفارة الكوبية في واشنطن تقرير "وول ستريت جورنال" عن منشأة التجسس بأنه "كاذب تماماً ولا أساس له". وفي سياق متصل نفى نائب وزير الخارجية الكوبي كارلوس فرنانديز دي كوسيو تقرير "وول ستريت جورنال" ووصفه بأنه تلفيق أمريكي يهدف إلى تبرير الحظر الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة منذ عقود على الجزيرة". وقال إن "كوبا ترفض أي وجود عسكري أجنبي في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي".

أبعاد سياسية

الاتهام الأمريكي للصين بإنشاء قاعدة للتجسس في كوبا، استدعى من التاريخ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 التي كادت أن تؤدي إلى مواجهة نووية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي آنذاك على خلفية نشر الأخير صواريخ تحمل رؤوساً نووية في كوبا - لحماية النظام المنبثق عن الثورة الكوبية بقيادة فيديل كاسترو الذي عملت الولايات المتحدة على الإطاحة بحكمه، عبر محاصرته اقتصادياً ومن ثم تنفيذ عملية عسكرية ضده، عرفت باسم غزو خليج الخنازير، وقد قوبل هذا الغزو بردٍّ عنيف من كوبا أنهى العملية لصالحها يوم 19 نيسان 1961، ووجّه صفعة لواشنطن - ولعل الهدف الأمريكي من استحضار هذه الحادثة، تحذير الصين من أن اللعب في الفناء الخلفي للولايات المتحدة خط أحمر لا تقبل بتجاوزه كونه يمس أمنها القومي بشكل مباشر، علماً أن ما تحرمه الأخيرة على غيرها تجيزه لنفسها مع الصين وروسيا ودول كثيرة على امتداد العالم. وبمعزل عن صحة المعلومات المتداولة بشأن قاعدة التجسس في كوبا، فإنه من المنطقي الافتراض أن الصين تقوم بما يمكّنها من حماية أمنها القومي، وهي الواقعة في دائرة الاستهداف الأمريكي بشكل واضح ومعلن في استراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن.

وإذا صحت المعلومات عن القاعدة الأمنية في كوبا، تكون الصين قد ردّت بالمثل على الولايات المتحدة المتمركزة بقواعدها العسكرية والأمنية عند تخوم الصين، ضمن استراتيجية تطويق التنين الصيني وتغيير بيئته الاستراتيجية من بيئة قابلة للتفاهمات والشراكات التجارية والاقتصادية إلى بيئة معادية معسكرة، ترفع مستويات الاشتباك الإقليمي المدفوع بشكل مباشر من واشنطن كما في حالة تايوان. وإذا كانت واشنطن قد قطعت مسافات شاسعة للتموضع العسكري والاستخباري في الجزيرة المتمردة بزعم حمايتها من عملية عسكرية صينية لاستعادتها إلى كنف سيادتها، فإن الحضور الصيني في كوبا يصبح وفق المنطق الأمريكي نفسه مشروعاً بهدف الدفاع عن المصالح الصينية، خصوصاً وأن الجزيرة الكاريبية التي ما زالت تواجه تداعيات الحصار الأمريكي المفروض عليها منذ ستينيات القرن الماضي، تحتل موقعاً جغرافياً حساساً لقربها من الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن الموقع الجغرافي هذا، يعتبر نقطة ضعف للأمن القومي الأمريكي.

وتراهن الصين التي بدأت علاقاتها باكراً مع الجزيرة الكاريبية باعتراف الأخيرة بالحكومة الشيوعية الصينية، إن تنمية العلاقات مع كوبا يمنحها موقعاً استراتيجياً متقدما في سياق المواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وضمن استراتيجية التقارب مع كوبا، كانت الحكومة الصينية قد وقعت مطلع العام الجاري اتفاقية مع كوبا بقيمة 700 مليون يوان، أي ما يعادل 100 مليون دولار، مخصصة لتنفيذ مشاريع مرتبطة بقطاعات اقتصادية ذات أولوية في الجزيرة. الاتفاقية الموقعة في التاسع عشر من شهر كانون الثاني الماضي، جاءت في أعقاب زيارة الرئيس الكوبي، ميغيل دياز كانيل، إلى الصين في الرابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي، حيث أجرى محادثات رسمية تضمنت توقيع اتفاقيات لتعزيز التعاون الثنائي. وقبيل مغادرته بكين، أشار دياز كانيل إلى ثلاث ركائز أساسية في تعاون بلده مع الصين إحداها إلى جانب التكنولوجيا الحيوية، وقطاع الطاقة الأمن السيبراني.

خاتمة

تعكس قضية القاعدة الصينية في كوبا، في حال صحت المعلومات الأمريكية المسربة عنها، حدة الصراع القائم بين واشنطن وبكين، وإذا كان المستبعد أن تتطور هذه القضية إلى ما بلغته أزمة الصواريخ الكوبية التي وضعت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي على حافة الحرب، فإن التوسع الأمريكي في الحديث عن القاعدة واتخاذ مواقف سياسية مطالبة بالتعامل معها، يعكس بدوره رغبة واشنطن في تصعيد الاشتباك مع الصين، عبر خلق ذرائع للانتقال بهذا الاشتباك إلى مرحلة أكثر سخونة.

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

مبادرة مصرية "لهدنة" في قطاع غزة.. مسار يتجاوز إسرائيل

مبادرة مصرية "لهدنة" في قطاع غزة.. مسار يتجاوز إسرائيل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عرضت مصر في بداية حزيران 2023 على ...

دوليات

ساحة جديدة للتنافس الصيني الأمريكي.. واشنطن تتهم وبكين تنفي انشاء قاعدة تجسس لها في كوبا

ساحة جديدة للتنافس الصيني الأمريكي.. واشنطن تتهم وبكين تنفي انشاء قاعدة تجسس لها في كوبا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ تشهد العلاقات الصينية الكوبية تطوراً ...

محليات

الموفد الفرنسي يستطلع ولا يحمل مبادرة.. والثنائي الوطني لن يتخلى عن فرنجية

أوساط سياسية للبلاد: الموفد الفرنسي يستطلع ولا يحمل مبادرة.. والثنائي الوطني لن يتخلى عن فرنجية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد الضيقة ــــــــــــــــــــــ يبدو أن السيناريو المحلي والدولي الذي رسم ...