مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: " نتنياهو يؤجل إعلان الهدنة الدائمة ووقف إطلاق النار لأنه يعلم أنه سيدفع الثمن الأكبر لنتائج العدوان على غزة وفشله في مواجهة ملحمة طوفان الأقصى"

العدد رقم 416 التاريخ: 2023-12-01

عصر استراتيجي جديد في الشرق الأوسط

عصر استراتيجي جديد في الشرق الأوسط

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترتيبات جديدة في مجال النووي

إيران والولايات المتحدة تقتربان من بلورة ترتيبات، ضمن إطارها توقف إيران تخصيب اليورانيوم بمستوى 60% وتتجنب الاستمرار في بالمشروع النووي العسكري. في المقابل، تتعهد الولايات المتحدة ان تقوم برفع جزئي للعقوبات، ومن بين جملة أمور رفع اليد عن نحو 20 مليار دولار محتجزة في انحاء العالم.

لا يدور الحديث اتفاق جديد يستبدل الاتفاق الأصلي. وبذلك، الإدارة الأمريكية غير ملزمة بتقديم هذه الترتيبات أمام الكونغرس للمصادقة عليها، وهي بذلك تتجنب الضغوط التي تهدف إحباط هذه العملية.

وكانت إسرائيل قد أعلنت في السابق أنها غير مُلزمة وأنها تعارض الاتفاق الجديد و/أو العودة إلى الاتفاق الأصلي، ولكنها ألمحت بشكل ضبابي إلى احتمال التوصُّل إلى تفاهمات. رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أعلن في التقرير الذي قدمه أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بأن إسرائيل تعارض العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي، وأنه توجد تناقضات في الرؤية التي تتعلق بالترتيبات الصغيرة. وقد فهم من كلام رئيس الحكومة نفسه، بأنه هو نفسه يعرف بأن قدرة إسرائيل على منع تبلور التفاهمات محدودة للغاية.

المدلول المركزي من التفاهمات التي تتبلور هو أن إيران تتنازل عن الانطلاق الفوري نحو الحصول على السلاح النووي. ولكنها راكمت إنجازات في مجالات عدة. في المجال النووي، تبقى دولة حافة نووية ونجحت في الاحتفاظ بقدراتها الشاملة في هذا المجال. وفي غضون ذلك ايضاً، إمكانية الانطلاق في فترة زمنية تبلغ أسبوعين إلى المستوى العسكري المطلوب من تخصيب اليورانيوم بمستوى 90%. أما على المستوى السياسي، فهي تقوم بتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية ما يبعد عنها التهديد باستخدام الخيار العسكري.

وبشكل متوازي، تتركز الترتيبات التي تتبلور على موضوع النووي العسكري، بشكل يبقي لإيران مجالاً للعمل على مواصلة زيادة القوة في مجال الصواريخ البالستية والطائرات بدون طيار المسلحة، والاستفادة من رفع اليد عن الأموال المجمدة لمواجهة الأزمة الاقتصادية في الداخل، وتعميق دعمها لحلفائها. وبموازاة ذلك أيضاً، تقوم إيران بالاستثمار في توسيع المحور الاستراتيجي مع روسيا والشراكة العسكرية – التكنولوجية معها، وتحسين العلاقات الاستراتيجية مع الصين. إضافة إلى ذلك مواصلة مسارات المصالحة مع العالم العربي والنجاح في القضاء على أعمال الشغب في الداخل. هذه التطورات ربما تزيد الثقة بالنفس لدى إيران لاستفزاز إسرائيل بشكل مباشر أو بواسطة حلفائها في المنطقة.

من جانبها تنجح الولايات المتحدة من خلال هذه الترتيبات في إيقاف المشروع النووي، على الأقل حتى موعد قسم يمين الرئيس الأمريكي المقبل (في كانون الثاني 2025)، وذلك وفقاً لسياسات الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يفضِّل الحل السياسي على استخدام وسائل أخرى وفقاً لالتزامه العلني بمنع إيران من الحصول على السلاح النووي. يبدو أن هذا التطور – وفق نظرة الإدارة الأمريكية - يسمح بتركيز الجهد على التحديات الملحة للولايات المتحدة، وهي المواجهة المتصاعدة مع الصين والحرب في أوكرانيا.

من جانب إسرائيل، فإنه إذا ما تم انجاز هذه الترتيبات الجديدة كبديل عن الاتفاق، فإنها قد تبدو كمن فقد الذخر الاستراتيجي وأنها أصبحت وحدها مقابل المشروع النووي الإيراني. عملياً، فان إسرائيل لن تتوقع تأييداً دولياً لعملية عسكرية ضد إيران الأمر الذي يقيد حرية عملها الاستراتيجي ضد المشروع النووي العسكري.

وفي سلّم الاولويات، فإن وقف التقدم في المشروع النووي يتيح مواصلة عملية بناء القوة لدى الجيش الإسرائيلي على المدى البعيد، بهدف الاستعداد الأفضل لسيناريو يكون فيه الخيار العسكري هو الخيار الأخير من أجل منع إيران من الحصول على السلاح النووي.

استفزازات إيران وتوسّعها في المنطقة تتفاقم مقابل مستوى الجرأة المتزايدة من قبل "حزب الله" في الأشهر الأخيرة، كما ظهر ذلك مفترق مجدو والتغاضي عن إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل من لبنان. في هذا الإطار، حذر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، اللواء أهارون حاليفا، في مؤتمر هرتسليا، من أن حسن نصر الله أصبح يعتقد بأنه يستطيع "تمديد المعادلة أمام دولة إسرائيل" وأنه يقترب من ارتكاب خطأ في لبنان وسوريا، وربما يدفع المنطقة إلى التدهور نحو حرب واسعة.

التطبيع مع السعودية

في مقابل المحادثات مع إيران، نرى نشاطات أمريكية على قدمٍ وساق من أجل الدفع قدماً بالتطبيع بين إسرائيل والسعودية كجزء من مسعى شامل من قبل الولايات المتحدة لتحسين علاقتها مع السعودية. وبحسب المعلومات التي نشرت، فقد قدّمت السعودية شروطاً مسبقة أولها موافقة أمريكا على تطوير مشروع نووي مدني، وتخصيب اليورانيوم، والاستعداد للتزويد بمنظومات أسلحة متطورة كطائرات أف 35، والحصول على ضمانات أمنية أمريكية.

إضافة إلى ذلك، يُطرح سؤال حول تأثير القضية الفلسطينية والإصلاحات القضائية في إسرائيل على إمكانية التطبيع. فوفقاً لما نعرفه، فإنه حتى لو تكوَنت فكرة بأن أثمان القضية الفلسطينية ستكون رمزية، إذ أن عدم تقديم ردّ بفحوى المبادرة العربية التي ترسم أفقاً واضحاً لمفاوضات حقيقية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، يمكن أن يجعل أي اتفاق يتم التوصل إليه اتفاقاً ضعيفاً، بسبب الانعكاسات المحتملة على موقع السلطة الفلسطينية الضعيف أصلاً بصورة تخدم حماس، ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع موقعها في الشارع الفلسطيني. من المحتمل أيضاً أن يحاول أبو مازن ممارسة الضغط، سواء على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أو على العالم العربي والإسلامي ليضمن وبحق بأنه حصل على رد مناسب على القضية الفلسطينية. لذلك، ووفقاً للتقدير، إذا ما زال الملك سلمان هو حاكم السعودية فسيكون من الصعب جداً بلورة اتفاق يتجاوز القضية الفلسطينية.

 تبدو الإصلاحات القضائية في إسرائيل أيضاً كعقبة أمام تقدم عملية التطبيع، وإيقافها يشكل شرطاً مسبقاً لإجراء حديث مباشر بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أو بمعنى آخر عقد قمة ثلاثية مع ولي عهد السعودية. هذا بسبب رؤية الولايات المتحدة بأن المس بالجهاز القضائي في إسرائيل قد يقوِّض القيم المشتركة التي تشكّل قاعدة الحلف الاستراتيجي بين الدولتين. وعلى الرغم من العلاقات الأمنية العميقة، فإن غياب حوار وبشكل مباشر على مستوى القيادات يلحق ضرراً في القدرة على تنسيق وبلورة التعاون الاستراتيجي.

التوصيات

يجب على الحكومة الإسرائيلية وقف الإصلاحات القضائية بشكل فوري، وهو ما بات يبدو كأنه عائق أمام الدفع قدماً بالمصالح الأمنية والاقتصادية لإسرائيل، وفي مقدمتها العلاقات الاستراتيجية مع الإدارة الأمريكية، وحرية العمل مقابل إيران، ومنظومة العلاقات مع العالم العربي.

ينبغي على إسرائيل اتّباع نهج مسؤول مقابل الفلسطينيين إلى جانب الحذر من حساسية القيام بخطوات أحادية الجانب، كتوسعة المستوطنات وتغيير الوضع القائم في الأماكن المقدسة في القدس، الأمر الذي قد يثير غضباً دولياً كبيراً وتوتراً في المنظومة الفلسطينية والإقليمية. على سبيل المثال، فإن قرار القاضي بالدفع قدماً بخطة بناء 4500 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات، أثار في السابق انتقادات شديدة من قبل الإدارة الأمريكية.

على المدى البعيد، فإن إهمال الجانب السياسي مقابل الفلسطينيين على الرغم من نجاح الأجهزة الأمنية الاسرائيلية في إحباط العمليات الفلسطينية، قد يدفع إسرائيل إلى واقع الدولة الواحدة لشعبين، وجر الجيش الإسرائيلي إلى التدخل بشكل أوسع في الميدان، بشكل قد يلحق ضرراً بقدرته على الاستعداد لسيناريوهات مهمة أخرى.

ووفقاً لتحذيرات رؤساء المؤسسة الأمنية الاسرائيلية، فإنه يتوجب على إسرائيل الاستعداد أيضاً على المستوى السياسي والمستوى العسكري لمواجهة شاملة متعدِّدة الجبهات، مقابل ما يظهر كتشابك مصالح أعدائنا في المنطقة، الذين يرون إسرائيل صورة آخذة في الوهن وفق اعتقادهم.

وفيما يتعلق بالسعودية، على إسرائيل بلورة سياسات حذرة تأخذ في الحسبان كل الجوانب الكامنة في انضمام السعودية إلى النادي النووي المدني كعامل استراتيجي له أهمية بعيدة المدى. وذلك مقابل الخشية من معقولية تسريع خطوات الحصول على النووي في أنحاء الشرق الأوسط. يوجد في ذلك تهديد محتمل على أمن إسرائيل القومي، الذي يرتكز إضافة إلى القوة العسكرية أيضاً على صورة الدولة العظمى الإقليمية.

معهد السياسات والاستراتيجية (جامعة رايخمن) – بقلم طاقم المعهد برئاسة اللواء في الاحتياط عاموس غلعاد

 

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

عصر استراتيجي جديد في الشرق الأوسط

عصر استراتيجي جديد في الشرق الأوسط ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترتيبات جديدة في مجال النووي إيران والولايات المتحدة تقتربان من بلورة ...

إقليميات

بأس جنين يهزم العدو.. وقلقٌ على الحدود اللبنانية...

بأس جنين يهزم العدو.. وقلقٌ على الحدود اللبنانية... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زينب عدنان زراقط ــــــــــــــــــــــــــــــ "النقطة التي ستركّع العدوّ هي الضفة الغربية"، قالها الإمام السّيد علي ...

دوليات

إيران دولة كاملة العضوية.. منظمة شنغهاي عالم من التعاون والشراكة

إيران دولة كاملة العضوية.. منظمة شنغهاي عالم من التعاون والشراكة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الدولية تبدلات ملحوظة في ...

محليات

الثنائي الوطني متمسك بدعم فرنجية ولودريان يعمل على مشروع حواري يجمع كل الفرقاء

أوساط سياسية للبلاد: الثنائي الوطني متمسك بدعم فرنجية ولودريان يعمل على مشروع حواري يجمع كل الفرقاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد الضيقة ــــــــــــــــــــــ الجمود هو الذي يسيطر على ...