إيران دولة كاملة العضوية.. منظمة شنغهاي عالم من التعاون والشراكة
ابتسام الشامي

إيران دولة كاملة العضوية..
منظمة شنغهاي عالم من التعاون والشراكة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الدولية تبدلات ملحوظة في موازين القوى، تسعى بعض التكتلات والمنظمات الدولية إلى حجز مكانتها في النظام العالمي الجديد الآخذ في التبلور..
ولئن تأخرت منظمة شنغهاي في بلوغ الأهداف المرصودة عند تأسيسها قبل اثنين وعشرين عاماً، إلا أن استعادة المنظمة زخمها العملي، مشفوعاً برغبة عدد من دول العالم الانضمام إليها، يثقل مكانتها، ويمنحها فرصة الحضور العالمي والتأثير في مسار الأحداث.
إيران عضو في المنظمة
أنهت منظمة شنغهاي للتعاون قمتها الثالثة والعشرين، بقبول عضوية الجمهورية الاسلامية الإيرانية، لتصبح بذلك العضو التاسع في المنظمة، بعدما حظيت منذ عام 2005 بصفة مراقب. وإذا كان انضمام إيران مؤشراً على الاتجاه الذي تسلكه المنظمة سواء لناحية التوسع أو التموضع في الجبهة المقابلة للغرب بقيادة الولايات المتحدة، فإن وجودها يعزز التعاون المتعدد الأبعاد داخل المجموعة، ويمنح الأخيرة مزايا خاصة متأتية بشكل أساسي من التجربة الإيرانية في بناء القوة ومواجهة التحديات، ومن الثروات الطبيعية الموجودة فيها، وفي مقدمها النفط، فمن شأن عضوية إيران الرسمية في منظمة شنغهاي للتعاون، تعزيز مصادر الطاقة فيها، بنحو 20% هي الحصة الإيرانية من احتياطات النفط حول العالم. ولن يكون النفط المكسب الوحيد للمنظمة من انضمام إيران إليها، بحسب رئيس مركز دراسات إيران في جامعة ساوث ويسترن البروفيسور جي كايون، الذي تحدث لوكالة "سبوتنيك" عن أهمية هذا الانضمام، مشيراً إلى أن دخولها إلى منظمة شنغهاي للتعاون "يوسع المساحة الجغرافية للمنظمة. وقد يؤدي إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء فيها على المستوى السياسي". مشدداً على أن الموقف الاستراتيجي لإيران مهم من حيث القضايا الأمنية. ويلفت كايون في السياق، إلى "أن إيران، التي تخضع للحصار والعقوبات والقيود من قبل الغرب، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، تأمل أن يساعد الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون في تحقيق اختراق اقتصادي بالنسبة لها... وهذا الحدث - برأي الباحث - ليس إيجابياً لإيران والصين، كعضو في منظمة شنغهاي للتعاون، ولكنه أيضا ملائم لمنطقة الشرق الأوسط والمجتمع الدولي. ويختم حديثه قائلاً أعتقد "أن هذا يتماشى مع محاولات إيران لتنفيذ استراتيجية العولمة ورغبة هذا البلد في إظهار شكله الخاص من الانفتاح على العالم الخارجي. موضحاً أن منظمة شنغهاي للتعاون في العصر الحالي للعولمة لديها قوة متزايدة من الجاذبية والكاريزما والسلطة.
التأسيس والأهمية
الحديث عن ارتفاع فرص التأثير العالمي لمنظمة شنغهاي في هذه اللحظة الدولية المثقلة بالتحولات، يعيد المتابع حكما إلى التوقيت السياسي لنشأتها، والأهداف التي وضعت لها، وكذلك تطلعات المؤسسين للدور الذي يمكن أن تؤديه على المسرح الدولي، آخذين في الاعتبار، عناصر القوة المتوافرة لها. فمنظمة شنغهاي للتعاون المعروفة اختصاراً باسم (SCO) هي منظمة دولية أورو/آسيوية، تأسست في شكل تحالف سياسي واقتصادي وعسكري، في مدينة شنغهاي الصينية، في 15 حزيران عام 2001، من قبل 6 دول هي: الصين، روسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، وأوزبكستان، قبل أن تنضم إليها عام 2017، الهند وباكستان في القمة التي استضافتها العاصمة الكازاخستانية أستانا، أما في قمة مدينة دوشنبه عاصمة طاجيكستان، عام 2021، فقد اتخذ القادة المشاركون قرار تعديل وضع إيران في المنظمة من عضو مراقب إلى دولة كاملة العضوية. وفي ما تحمل بعض الدول، كما كانت إيران سابقاً، صفة دولة مراقبة في منظمة شنغهاي للتعاون ومنها: بيلاروسيا، أفغانستان، منغوليا، نيبال، كمبوديا، أرمينيا وسريلانكا، تنتظم علاقة دول أخرى بها، بصفة دولة "شريكة في الحوار"، ومنها تركيا ومصر وقطر، في وقت تسعى فيه كل من السعودية، والبحرين، والإمارات، والعراق وسوريا، إلى حمل الصفة الأخيرة ذاتها.
وإلى أهمية التعاون بين دولها الأعضاء في مجالات سياسية واقتصادية وأمنية، تكتسب منظمة شنغهاي أهمية خاصة من ناحية جغرافية وديمغرافية، حيث تتمدد المنطقة التي تضم دولها الأعضاء من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب. وعلى وجه أكثر تحديداً، من القطب الشمالي إلى المحيط الهندي، ومن مقاطعة ليان يون جانج الصينية إلى كلينينغراد الروسية، وهي منطقة تضم ما يقرب من نصف سكان العالم، في كيانات لديها قدرات وامكانات ومزايا استراتيجية في الموقع والثروات وكذلك في امتلاك القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والعلمية، حيث تضم منظمة شنغهاي خمس كيانات نووية، ما يجعلها أكبر تحالف سياسي إقليمي في العالم.
الأهداف والتطلعات
تأسيس منظمة شنغهاي التي يشار إليها في الدول الغربية بالتحالف الشرقي، جاء في ذروة الاستباحة الغربية للعالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تصرفت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، بصفتها قائدة العالم بلا منازع، مع ما رافق ذلك من محاولات إخضاع الدول المتمردة، وبالتالي فإن ولادة منظمة شنغهاي، كإطار دولي يرتفع بنيانه على قواعد من التعاون والشراكة، انطوى في ذاته، على تحدي منطق الفرض والإخضاع الذي بنيت عليه الأحادية القطبية الأمريكية. وقد جاء ميثاق المنظمة الذي يتضمن مبادئها وهيكلها ونطاق عملها منسجماً مع الأهداف التي وضعتها، والتي تتمحور بشكل أساسي حول تعزيز الثقة المتبادلة بين الدول، وتفعيل سياسة حسن الجوار بين أعضائها، المصممين على "محاربة الإرهاب وتدعيم الأمن، ومكافحة الجريمة وتجارة المخدرات، ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي"، وهي أهداف ترجمتها الجهود المبذولة لأعضاء المنظمة لاسيما في القضايا الامنية، حيث نجحت في إفشال الكثير من العمليات الإرهابية ومكافحة عدد من الحركات الانفصالية، والجرائم الدولية المنظمة وذلك من خلال التنسيق الأمني الفعّال بين أعضائها، كما يؤكّد الأمين العام للمنظمة راشد عليموف في تقرير موثّق بأرقام دقيقة حول الانجازات الامنية لمنظمة شنغهاي.
على أن التعاون بين أعضائها لا يقتصر على الجانب الأمني والاستخباري فحسب وإنما يتمدد أيضاً نحو التعاون العسكري، حيث "تجري التدريبات العسكرية بانتظام بين الأعضاء لتعزيز التعاون والتنسيق ضد الإرهاب والتهديدات الخارجية الأخرى، والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين". وقد عبّر هذا التعاون العسكري عن نفسه بأشكل متعدّدة لعل أبرزها إلى التدريبات المشتركة لجيوش الدول الأعضاء فيها، المناورات المشتركة، وآخرها مناورات "مهمة السلام 2021"، بمشاركة روسيا والصين الهند وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وباكستان، إضافة إلى بيلاروسيا، التي لا تزال تحمل صفة مراقب، وهي وقعت في القمة الثالثة والعشرين للمنظمة مذكرة التزامات، تمهد لقبول عضويتها لاحقاً فيها.
التكامل الاقتصادي
تركيز التعاون بين أعضاء منظمة شنغهاي على المجالين الأمني والعسكري، لا يغيّب أهمية التعاون الاقتصادي الذي يعتبر حجر الزاوية في بنائها، فقد عملت المنظمة منذ تأسيسها، على خلق بنية تحتية مرنة وفعالة للتعاون الاقتصادي والتجاري. علما ان حجم اقتصادات أعضائها، بلغ عام 2020، نحو 18.4 تريليون دولار، في ما سجلت التجارة البينية بين دولها 6.2 تريليون دولار خلال الفترة ذاتها. ولتفعيل اطر التعاون في المجال الاقتصادي، اسست المنظمة مجموعة من الاطر والمجالس والاتحادات، أبرزها مجلس الأعمال الخاص لتوسيع التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، و"اتحاد البنوك المشتركة" لتوفير التمويل والخدمات المصرفية للمشاريع الاستثمارية الحكومية. هذا فضلاً عن الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها دول منظمة شنغهاي في مجال النفط والغاز والطاقة الكهربائية.
خاتمة
يعكس انتهاء قمة شنغهاي بتأكيد قادتها ضرورة تعزيز التعاون بين أعضائها، ومنح فرص انضمام دول اخرى اليها، انزياح المنظمة لتعزيز هويتها كجبهة عالمية مناقضة للجبهة الغربية، مستفيدة من التحولات العالمية التي تفرض على الدول والتكتلات والمنظمات ذات الطبيعة الإقليمية أو الدولية، إعادة تعريف دورها، ومكانتها في عالم متغير، وهو ما بدأته منظمة شنغهاي منذ نشأتها وتستمر في توفير الظروف وخلق الفرص المؤاتية للوصول إلى عالم متعاون ومتشارك، يكون نقيضاً لتجربة الأحادية القطبية الأمريكية.