التطبيع بين مصر وإيران وتداعياته على إسرائيل

التطبيع بين مصر وإيران وتداعياته على إسرائيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناقشت مصر وإيران مؤخراً إمكانية تطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما لأول مرة منذ عام 1979. قد تخدم الخطوة التاريخية المصالح المتنوعة للدولتين، لكنها لا تزال تخضع للتحفظات، خصوصاً من القاهرة. تدرس مصر نوعية التغيير الذي طرأ في السلوك الإيراني في أعقاب التطبيع مع السعودية في نيسان 2023 وتصغي لمواقف دول الخليج والولايات المتحدة بخصوص خطواتها المقبلة.
التطبيع بين القاهرة وطهران، إذا ما تكلّل بالنجاح، لا يضرّ إسرائيل بالضرورة لأنه قد يخدم مصالح إسرائيلية حيوية - سياسية، أمنية واقتصادية -. على الرغم من ذلك، هو قد يضرّ آخرين. بناء على ذلك، على القدس بلورة موقف حياله على ضوء تفاصيله الدقيقة وإجراء حوار مع القاهرة، ومع أصدقائها في الخليج ومع واشنطن، في محاولة للتأثير على محتواه.
نُشرت خلال الأشهر الأخيرة أخبار وتقديرات بشأن تطبيع وشيك بين إيران ومصر بعد قطيعة دامت عشرات السنين. في حزيران 2023 أفيد أن الدولتين توصلتا إلى اتفاق أوّلي بشأن تشكيل لجنة مشتركة تبحث في استئناف العلاقات والتنسيق الأمني بينهما. من المتوقع أن يشمل التطبيع إرساء علاقات دبلوماسية كاملة، تحديث مكاتب المصالح في الدولتين إلى سفارات وتحضير لقاء قمة بمشاركة وزراء الخارجية أو الرؤساء.
الزعيم الإيراني علي الخامنئي ومجموعة مسؤولين كبار في حكومته أعربوا بشكل علني عن تمنيهم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، بينما حافظت مصر حتى الآن على صمت نسبي. خلال تطرق نادر إلى تقارير أشار وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن المسألة تتعلق بـ "تخمينات"، لكنه أضاف أن مصر تتابع عن كثب عمليات التطبيع بين إيران ودول الخليج، ولا تستبعد حصول تغيير في الخط التقليدي حيالها إذا ما وجدت في ذلك منفعة.
عمليات جسّ النبض الإيرانية - المصرية تحصل خلال فترة "انفراج إقليمية"، بيت قصيدها استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في نيسان الفائت. رحّبت القاهرة بالتطبيع السعودي - الإيراني، لكنها لا زالت تدرس هل وكيف سيؤثر على سياسة إيران في مختلف القضايا الإقليمية.
خلفية تاريخية
القطيعة الدبلوماسية بين مصر وإيران تعود إلى بداية الثورة الإسلامية عام 1979، عندما استضاف الرئيس أنور السادات في بلاده الشاه المخلوع. إضافة إلى ذلك يعود أصل التوتر بين الدولتين إلى معارضة الجمهورية الإسلامية لاتفاق السلام بين إسرائيل ومصر.
بعد اغتيال السادات عام 1981، تحول القاتل خالد الإسلامبولي إلى بطل في إيران، وسمّى الحرس الثوري شارعاً في طهران على اسمه وأصدر طابعاً بريدياً تخليداً لذكراه.
خلال فترة رئاسة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي (1997-2004) طرأ تحسّن محدود على علاقات الدولتين، لكن إيران واصلت دعم نشاط مجموعات إسلامية متطرّفة عملت ضد نظام الرئيس حسني مبارك. كما سُجل تحسن آخر بعد ارتقاء الإخوان المسلمين الحكم في مصر (2012)، لكنه لم يستمر لفترة طويلة، لاسيما بسبب دعم السلطة الجديدة في مصر الثورات ضد نظام الأسد في سوريا.
اتّسم عقد حكم عبد الفتاح السيسي حتى الآن بعلاقات باردة لكن خالية من الأزمات العميقة بين الدولتين. بخلاف حلفائها في الخليج، رأت مصر في إيران تهديداً ثانوياً بعيداً على أمنها القومي وفي تنظيمات إسلامية متطرّفة تهديداً أساسياً وواقعياً أكثر. في الواقع لا تستسيغ القاهرة التعاظم النووي الإيراني، تآمرها الإقليمي ونفوذها المتزايد في المنطقة العربية، لكنها لا زالت ترى في الإخوان المسلمين الخصم الرئيسي والمباشر من ناحيتها.
الانفراج الحاصل الآن هو ثمرة اتصالات جرت خلال العامين الأخيرين شملت محادثة بين السيسي ووزير الخارجية الإيراني على هامش لجنة دولية عُقدت في بغداد في آب 2021، لقاء بين وزير الاستخبارات المصري ونائب الرئيس الإيراني في تشرين الثاني 2022 واتصالات بين بعثات استخباراتية من الدولتين. الحوار بين الطرفين بات حثيثاً منذ نيسان الفائت في أعقاب استئناف العلاقات بين إيران والسعودية وهو يتم بوساطة عمان والعراق، الذي يستضيف المحادثات بين الطرفين.
مصالح متبادلة
بالنسبة لإيران ومصر التطبيع لا يعني إلغاء أو فضّ كل خلافاتهما، إنما تعاون براغماتي على حثّ مصالح مشتركة - ثنائية وإقليمية -.
ترى إيران في تحسين العلاقات مع مصر جزءاً من مسعى متواصل، لاسيما من جانب الحكومة الحالية في طهران، لحثّ منظومات العلاقات بينها وبين دول عربية سنّية على رأسها دول الخليج. هذا الاتجاه يعتبر في إيران فرصة لتحسين موقفها الإقليمي ولتعزيز الردع مقابل إسرائيل. لا شك بأن استئناف العلاقات مع لاعب رئيسي في العالم العربي، على شاكلة مصر، سيُعرض من قبل طهران كإنجاز سياسي مهم وكتعبير إضافي لتغيير ميزان القوى الإقليمي لصالحها وزيادة الاعتراف بمكانتها من جانب دول عربية، بما في ذلك في المعسكر الموالي للغرب.
تحسين العلاقات مع العالم العربي يشكّل بنظر إيران فرصة لضبط عمليات إشكالية من ناحيتها في المنطقة، وعلى رأسها التطبيع بين إسرائيل وعدة دول عربية ومساعي إسرائيل لحثّ ائتلاف إقليمي معادي لإيران. لدى إيران أيضاً مصلحة جدية في تحسين العلاقات مع مصر، التي قد تؤمن لها فرصة لتوسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية في المنطقة، من جملة أمور عن طريق قناة السويس، وزيادة تصديرها إلى مصر. بذلك تجسيد لإستراتيجية "اقتصاد المقاومة"، التي تبنّتها طهران من أجل تحسين مواجهتها لنظام العقوبات الدولية أيضاً عن طريق زيادة حجم التجارة مع أسواق إقليمية.
كما تولي مصر من جانبها أهمية فائقة لاعتبارات اقتصادية في بلورة سياستها مقابل إيران. إمكانية سائدة في عدة مجالات:
التجارة: زيادة بيع بضائع مصرية للسوق الإيراني؛
السياحة: توسيع السياحة الدينية الإيرانية إلى مواقع شيعية في الدولة والى جنوب سيناء، حيث أعلنت مصر في آذار عن تسهيلات في إعطاء تأشيرات لسيّاح إيرانيين؛
التأهيل: مشاركة مصرية في مشاريع لتأهيل العراق وسوريا، اللتان تشكلان منطقة نفوذ إيرانية، ممكن بتمويل خليجي؛
الطاقة: مساعدة إيرانية لتجنيد لبنان وسوريا للتعاون في مجال الغاز في شرق البحر المتوسط. إضافة إلى ذلك، قد تشتري مصر عبر العراق نفط يُجرّ من إيران، استناداً إلى رفع العقوبات الأمريكية.
تحديات في الطريق إلى التطبيع
موقف مصر الأساسي حول التطبيع مع إيران لا زال حديثاً وحذراً. المنطلق في القاهرة هو أن اقتراب طهران من دول عربية لا يعكس تغييراً استراتيجياً في طموحها الإقليمي إنما اعتبارات نفعية، تقيّد نوع وحجم التفاهمات التي هي مستعدة للتوصل عليها مع جاراتها. مواصلة خطوات التطبيع يتأثر من متغيرين أساسيين:
أولاً، نجاح المحاولة السعودية - الإيرانية. في العقد السابق امتنعت مصر من التقرّب بشكل ملحوظ من إيران من جملة أمور بناء على تشكيل تحالفاتها السياسية والاقتصادية مع السعودية والإمارات وضرورة أخذ مواقفهم بالحسبان. على الرغم من أن التطبيع السعودي - الإيراني يمهّد على ما يبدو خطوة مصرية - إيرانية مماثلة، هناك من يرى فيه اختباراً لنوعية التغيير الذي طرأ في سياسة إيران الإقليمية، التي ستحسم نتائجها إن كان سيحصل تقارب عربي - إيراني أوسع وأعمق.
ثانياً، ضوء اخضر أمريكي. يسود في مصر انطباع بأن واشنطن، تفضّل التركيز في الوقت الراهن على الحرب في أوكرانيا والصراع ضد الصين، ولا ترفض تقارباً عربياً - إيرانياً يساهم في استقرار وتهدئة الشرق الأوسط. على الرغم من ذلك، يمكن تقدير أن مصر سوف تطبّع علاقاتها مع إيران فقط بعد التأكّد من أنه لن يؤدي في أعقاب ذلك إلى أزمة في علاقاتها مع الولايات المتحدة، لاسيما خلال فترة ضائقة اقتصادية، حيث تحتاج لاستمرار المساعدة الاقتصادية السنوية الأمريكية ودعم واشنطن للمؤسسات المالية الدولية التي تمنحها قروض، مثل صندوق النقد.
توصيات لإسرائيل
من وجهة نظر إسرائيلية، مسألة التطبيع بين مصر وإيران ليست ربحَ طرفٍ يعادل خسارة للطرف الآخر. تحسين العلاقات بين الدولتين لن يأتي بالضرورة على حساب العلاقات بين مصر وإسرائيل أو يضرّ بمصالح إسرائيلية حيوية، وبالتالي على القدس اختبار العملية بشكل موضوعي، وفق محتواها. على شاكلة مصر، لإسرائيل مصلحة في تخفيف التوتر في المنطقة، تعزيز أمن مسارات الملاحة في البحر الأحمر، تعزيز التعاون في شرق البحر المتوسط في مجال الغاز. هذا، ولإسرائيل مصلحة في تحسين الوضع الاقتصادي في مصر وتعزيز استقرارها الداخلي.
في المقابل، العلاقة العربية - الإيرانية التي تتعزّز- وضمنها المصرية - الإيرانية- تخفي في طياتها تحديات لإسرائيل: ستساعد إيران في رحلة التخلص من العزلة الإقليمية، وتعزّز نفوذها في المنطقة وتضعف المعسكر الإقليمي الذي تبلور في أعقاب "اتفاقات أبراهام"، على خلفية مواجهة التهديد الأمني الإيراني المشترك. تقليص الشرخ العربي - الإيراني إلى جانب استمرار التصعيد الحالي بين إسرائيل والفلسطينيين قد يؤدي إلى تكرار إرجاء مؤتمر "منتدى النقب"، الذي تشارك فيه مصر أيضا، وتسريع عودة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني إلى مركز الأجندة الإقليمية.
سيناريوهات تهديد إضافية، غير أنّ أرجحية حصولها متدنية، قد تنتج عن التقارب المصري - الإيراني تشمل عبور قطع بحرية إيرانية في قناة السويس من أجل تهريب نفط أو أخطر من ذلك - وسائل قتالية، تعزيز متفق عليه لموطئ قدم إيرانية في قطاع غزة، مسّ بالتقارب الذي سُجّل في السنوات الأخيرة بين إسرائيل ومصر ووضع إسفين في التنسيق الأمني بين القدس والقاهرة -.
في الختام، توصية لإسرائيل أن لا تعارض تلقائياً كلّ تطبيع مصري- إيراني، بل أن تسعى ليكون محتواه يتناسب مع المصالح الإسرائيلية. لذلك على القدس إجراء حوار مع القاهرة - كذلك مع واشنطن وأصدقائها الخليجيين- بمحاولةٍ لصوغ اتجاهات انفراج إقليمية، والاندماج بها بالمقدار المتاح. التحسين الذي طرأ في السنوات الأخيرة على العلاقات الإسرائيلية - المصرية في مجالات الأمن، الطاقة والسياحة يمنح القدس روافع تأثير على القاهرة، حتى لو التوتر السائد في الآونة الأخيرة في الساحة الفلسطينية يضرّ بفعاليتها.
معهد أبحاث الامن القومي – أوفير فينتر (باحث كبير في معهد أبحاث الأمن القومي ومحاضر في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة تل أبيب) راز تسيمت (خبير في الشؤون الإيرانية في معهد دراسات الأمن القومي)