أوكرانيا والأطلسي.. عضوية استجلبت الحرب وبقيت ممنوعة
ابتسام الشامي

أوكرانيا والأطلسي.. عضوية استجلبت الحرب وبقيت ممنوعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
أبقت قمة حلف شمال الأطلسي الفيتو مرفوعاً في وجه انضمام أوكرانيا إلى التحالف العسكري الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولئن أصاب القرار كييف بخيبة أمل عبّر عنها رئيسها فلادومير زيلنسكي بتغريدة نارية، فإن رفع تركيا الفيتو من أمام عضوية السويد، ترك الكثير من علامات الاستفهام حول الوجهة السياسية التركية الجديدة، والثمن الذي حصلت عليه أنقرة.
الأطلسي لا يقبل أوكرانيا في صفوفه
مرة جديدة يُضبط حلف الناتو "متهرباً" من قبول عضوية أوكرانيا في صفوفه، متهيباً تداعيات العضوية بدلالاتها السياسية ومفاعيلها العسكرية، لاسيما في ذروة المواجهة مع روسيا. وعلى الرغم من محاولة قادة التحالف الاشارة إلى أن ما يحول حتى الآن دون عضوية أوكرانيا "مسار إصلاحي" لم تفتتحه الدولة التي ارتأت أن تكون رأس حربة الأطلسي في مواجهة روسيا، فإن وزارة الخارجية الأمريكية، لم تجد حرجاً في الكشف عن الأسباب الحقيقية لقرار المنع، وإذ اعتبر الناطق باسمها، ماثيو ميلر، أن هناك شروطاً عدّة رأى "حلف شمال الأطلسي" أن أوكرانيا يجب أن تستوفيها قبل دعوتها للانضمام، بما في ذلك الإصلاحات الديمقراطية وانتهاء الحرب، أكد وجود سبب مهم آخر لعدم انضمامهم إلى الناتو في هذا الوقت، وهو أن ذلك "سيضع الولايات المتحدة على الفور في حرب مباشرة مع روسيا"، ما يعني عملياً أن الولايات المتحدة والدول الغربية، ما زالت تفضل خيار محاربة الروس بالأوكرانيين، علماً أن "التوجهات الأطلسية" لأوكرانيا، واندفاع كييف نحو الحلف العسكري المصمم - في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة - لإضعاف الدولة الروسية، وتحجيم نفوذها الإقليمي والدولي، كان سبباً رئيسياً في إطلاق موسكو عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا عشية الرابع والعشرين من شباط عام 2022. وبعد سبعة عشر شهراً من المعارك الضارية، وفقدانها مساحة مهمة من جغرافيتها، لم تحظ أوكرانيا "بالجائزة" المفترضة، وجل ما حصلت عليه في قمة الحلف الأطلسي في العاصمة الليتوانية "فيلينوس" وعداً بإنشاء "مجلس الناتو - أوكرانيا"، وهو هيئة مشتركة جديدة للحوار السياسي والمشاركة والتعاون وتطلعات أوكرانيا الأوروبية - الأطلسية للعضوية" في الحلف.
قرار الأطلسي إبقاء أوكرانيا خارج أسواره المبنية على معادلات سياسية وعسكرية دقيقة مع موسكو لم تحن حتى الآن لحظة تغييرها على الرغم من الحرب الدائرة، وجّه صفعة قوية للرئيس الأوكراني فلودمير زيلنسكي، الذي استبق قمة الأطلسي بجولة على الدول الأعضاء فيه، حاشداً دعم انضمام بلاده إلى الحلف. وفي تعبير عن خيبة الأمل من القرار، قال زيلنسكي في تغريدة نارية له: "الآن، في طريقنا إلى فيلنيوس، تلقينا إشارات تفيد بأن صياغات معينة تجري مناقشتها من دون أوكرانيا"، مضيفاً: "أود أن أؤكد أن هذه الصياغة تتعلق بدعوة أوكرانيا إلى أن تصبح عضواً في (الناتو)، لا في شأن عضويتها في الحلف. إنه أمر غير مسبوق وسخيف عندما لا يجري تحديد إطار زمني لا للدعوة ولا لعضوية أوكرانيا". وعبر زيلنكسي عن استيائه من فكرة أن الظروف لم تكن مهيأة "لمجرد دعوة كييف للانضمام، ناهيك عن العضوية الكاملة". وعلى الرغم من محاولة الرئيس الأوكراني لاحقاً، "الانسحاب" التكتيكي من مضمون التغريدة، بأخرى شكر فيها دول الأطلسي على "دعمها المتواصل لبلاده"، فإن ذلك لم يغير شيئاً في حقيقة أزمة الثقة المتفاقمة بين كييف و"حلفائها" الأطلسيين، وهي أزمة زاد من وطأتها، الفشل العسكري الأوكراني في الهجوم المضاد لاستعادة ما سيطرت عليه القوات الروسية، على الرغم من الإمداد والعسكري الغربي لأوكرانيا بأحدث أنواع الأسلحة والصواريخ والأنظمة التكنولوجية الحربية والاستخبارية.
الدعم العسكري بديل عن العضوية
الاستياء الغربي من الفشل العسكري الأوكراني بدوره، لم يدفع إلى الوراء "أجندة الدعم" العسكري لكييف، وفي محاولة لامتصاص غضب الأخيرة من مفاعيل عدم ضمها إلى الأطلسي، أعلنت قمة فيلينوس، عن برنامج ضمان أمني كبير، يهدف إلى حماية أوكرانيا من غزو آخر، وفي هذا الإطار، قالت أماندا سلوت، مديرة مجلس الأمن القومي لأوروبا، أن الولايات المتحدة، تعلن جنباً إلى جنب قادة مجموعة السبع عن "تصميمها على مساعدة أوكرانيا في بناء جيش قادر على الدفاع عن نفسه وردع أي هجوم مستقبلي". وفي كلام ينطوي على الكثير من التشكيك في" الإدارة" الأوكرانية للدعم العسكري المقدم لها، تضيف سلوت، أن العملية المقترحة في البرنامج المذكور، ستضمن "أن المساعدة العسكرية التي نقدمها لأوكرانيا للدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي، ستكون جزءاً من استثمار طويل الأجل في القوة الأوكرانية مستقبلاً".
وفي سياق متصل بالدعم العسكري، أعلنت النروج، أنها ستقدم لأوكرانيا، خلال العام الجاري، مساعدات عسكرية إضافية، تشمل طائرات مسيرة متناهية الصغر وأنظمة دفاع جوي وحصصاً غذائية للجنود. أما ألمانيا، فقد تعهّدت بدورها بتزويد أوكرانيا بالمزيد من الدبابات وصواريخ باتريوت والعربات المدرعة، بقيمة 700 مليون يورو إضافية، في وقت أعلن فيه وزيرا دفاع الدنمارك وهولندا أنهما جمعا 11 دولة للمساعدة في بدء تدريب الطيارين الأوكرانيين، على طائرات مقاتلة من طراز "أف 16" الشهر المقبل، على أن يجري إنشاء مدرسة في رومانيا لتلك الغاية. وفي سياق متصل أعلنت فرنسا، استئناف الدعم العسكري لأوكرانيا، وتزويدها بصواريخ طويلة المدى من طراز "سكالب".
السويد إلى الأطلسي
وفي ما خرجت أوكرانيا من قمة الأطلسي خائبة سياسيا بقرار عدم ضمها، باتت السويد على مسافة خطوات من العضوية، بعدما رفعت تركيا فيتو المنع، وأذنت لبرلمانها إعداد مشروع قانون للمصادقة على بروتوكول الاتفاق الثلاثي الذي يضم إليها السويد وفنلندا. ولئن اعتبر قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في هذا الشأن انعطافة كبرى باتجاه الغرب، فإن السؤال الذي فرض نفسه إزاء ذلك، هو الثمن السياسي لهذه الانعطافة، وهو ما حاول الإعلام التركي والغربي الإجابة عنه، من دون وجود معلومات رسمية تؤكد وجود صفقة بين أنقرة وواشنطن، على الرغم مما دلت عليه بعض المؤشرات، وفي مقدمها رفع الحظر الأمريكي عن تزويد تركيا بطائرات "أف 16"، علماً بأن أردوغان كان قد استبق القمة، بطرح معادلة، عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، مقابل عضوية السويد في الأطلسي.
وفي محاولة لقراءة الموقف التركي من زاوية انتقادية، يكتب مصطفى بلباي، في صحيفة "جمهوريات"، أن أردوغان الذي دخل الانتخابات الرئاسية وهو غاضب على الناتو والغرب والولايات المتحدة، "يعمل بالتنسيق معهم على خريطة طريق جديدة"، مضيفاً أن "ما جرى في فيلنيوس هو بالضبط ما كان يريده الغرب. وتركيا لم تكن دولة تفاوض بل دولة تجري مساومات معها". لكن نتائج المساومات بحسب الكاتب "لم تعطِ تركيا شيئاً محدداً سوى وقف دعم الإرهاب - في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني - ودعمها للدخول إلى الاتحاد الأوروبي وتشكيل آلية ضمن الأطلسي لمكافحة الإرهاب. وكلها عموميات".
بدورها تقدر صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نقلاً عن مراقبين، أن تكون انعطافة أردوغان الجديدة في علاقاته الخارجية، محاولة "لضمان مصلحة أنقرة الخاصة، إذ بات يميل نحو تحسين العلاقات مع الغرب، وذلك على الأرجح سعياً منه إلى مواجهة الصعوبات الاقتصادية في الداخل، والحصول على مقاتلات أف 16 الأمريكية لتحديث أسطوله". وفي سياق هذا التقدير، تنقل الصحيفة عن مصادر أمريكية قولها "إن مسؤولين أمريكيين أبلغوا نظراءهم الأتراك، في وقت سابق، أن جعل بعض أعضاء الكونغرس ينهون معارضتهم لصفقة المقاتلات سيصبح أسهل، في حال وافق أردوغان أولاً على انضمام السويد إلى الناتو".
خاتمة
على وقع الحرب الدائرة في أوكرانيا وفي ظل المدى الطويل المتوقع لها، وغياب فرص الحل السياسي، يسعى الأطلسي لضبط صفوفه، وتأجيل ما أمكن من خلافات داخلية من شأنها أن تظهره غير متماسك. وتحت هذا السقف ربما يندرج "شراء" الرضا التركي بخصوص انضمام السويد، عبر صفقة الأف 16، أما انضمام أوكرانيا فيبقى مؤجلاً طالما أن الغرب، "يتهيب" المواجهة المباشرة مع روسيا، ويفضل مواجهتها بالوكالة "حتى آخر أوكراني"، في درس جديد تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية في فن استخدام "الحلفاء" لخدمة مصالحها.