تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية والسياسية: الجزائر تطور شراكتها الاستراتيجية مع الصين وتنتظر دعمها للانضمام إلى بريكس وشنغهاي
ابتسام الشامي

ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
على الرغم من أنها ليست حديثة العهد، إلا أن توطيد العلاقات الصينية الجزائرية في هذا التوقيت السياسي يحمل الكثير من الدلالات والمعاني المرتبطة تحديداً بتموضع الدول ضمن تحالفات وتكتلات ذات طبيعة سياسية واقتصادية على أعتاب ولادة نظام عالمي جديد.
وبارتقائها في السلم الاقتصادي، تقارب علاقات الصين والجزائر الشراكة الاستراتيجية التي من شأنها أن تنعكس إيجاباً على مصالح البلدين.
الأبعاد السياسية للزيارة
فرضت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الصين نفسها حدثاً دولياً بامتياز، يتجاوز كونها زيارة لتعزيز العلاقات الثنائية وتطوير التعاون الاقتصادي، إلى كونها زيارة سياسية تروم الجزائر من خلفها إلى إعادة تعريف مكانتها بوصفها دولة عربية أفريقية ذات أهمية استراتيجية على خريطة العالم، وعلى الرغم من أن سياسة التوجه شرقاً التي تبناها تبون منذ وصوله إلى الرئاسة عام 2019، لا تقطع صلات التواصل مع الغرب بفعل المصالح المشتركة لاسيما مع الاتحاد الأوروبي، إلا أن زيارته للصين تنطوي على اتجاه سياسي جديد يستهدف تحريك السياسة الخارجية لبلاده، وتوسيع مروحة علاقاتها بدول العالم، بعد فترة "ركود" فرضتها أحداث وتحولات إقليمية ودولية، ربطاً بتداعيات ما سمّي بالربيع العربي وما احدثه من فوضى سياسية وأمنية في عدد من الدول، مضافا إلى ذلك محاولات "فرض" التطبيع على العالم العربي عبر ما عرف باسم اتفاقيات إبراهام التي بقيت الجزائر على موقفها الرافض لها. وإذا كانت تداعيات المواجهة الأطلسية الروسية في أوكرانيا قد فرضت على العالم الغربي "إعادة" اكتشاف أهمية الجزائر وثروتها من النفط والغاز، ومحاولة الاستفادة منه لتعويض نقص الغاز في الدول الأوروبية، فإن ما تطمح إليه الجزائر يتجاوز الاعتراف الغربي بأهميتها في "لحظات الشدة والحاجة"، إلى صناعة المكانة وتعزيزها بشبكة علاقات دولية وتحالفات سياسية واقتصادية تكون في صلبها ومحورية فيها. بهذا المعنى، يمكن فهم الأهمية التي توليها السياسة الخارجية الجزائرية في هذه المرحلة للانضمام إلى تجمُّعات إقليمية جديدة يأتي في مقدمها منظمة شنغهاي، ومجموعة بريكس الدولية، التي قاد الانضمام إليها الرئيس تبون إلى الصين بعد زيارة مماثلة إلى روسيا، هدفت إلى الدفع قدماً بطلب انضمام بلاده إلى المجموعة.
تاريخ العلاقات
ولئن كانت غير مستوفية حتى الآن بعض الشروط الملزمة للانضمام، فإن الدعم الذي تلقته الجزائر من الصين في هذا المجال سيكون رصيداً كبيراً لها في مسار الانضمام الذي تعمل عليه الحكومة الجزائرية بجد، وهو مسار يتوقع أن تكون له خواتيم إيجابية بالنظر إلى أهمية الموقع الجغرافي للجزائر بالنسبة الصين، كونها دولة مشاطئة للبحر الأبيض المتوسط الذي يندرج في صلب مبادرة الحزام والطريق، المعروفة أيضاً باسم طريق الحرير الجديدة. وإلى أهمية الدعم الصيني للجزائر في هذا المجال، فإن زيارة تبون إلى بكين نجحت في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتطوير آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري بما يرتقي بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية المتفق عليها سابقاً. وهو تطور نوعي في سياق علاقات جمعت البلدين منذ خمسينيات القرن الماضي، وبدأت بالتحديد في العشرين من كانون الأول عام 1958 بتوقيع بيان مشترك، اعترفت فيه جمهورية الصين الشعبية بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، قبل أن يولي الرئيس الصيني آنذاك ماو تسي تونع اهمية كبيرة لنضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، ويوعز بتقديم الدعم السياسي والمادي والعسكري للجزائر. وبعد الإعلان عن استقلالها عام 1962، سارعت الصين إلى الاعتراف بالجمهورية الجزائرية، لتشهد العلاقات بين البلدين منذ ذلك الحين تطوراً مضطرداً في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. ومنذ عام 2014، اتفقت حكومتا البلدين على رفع مستوى العلاقات بينهما إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، لتصبح الجزائر أول دولة عربية تعقد مثل هذه الشراكة مع الصين.
نتائج زيارة تبون
وضمن مسار استكمال تطوير التعاون، يمكن القول إن زيارة الأيام الخمسة للرئيس الجزائري إلى الصين، التي جاءت متزامنة مع الذكرى الـ 65 لإنشاء العلاقات الجزائرية الصينية، والذكرى الـ 60 لإرسال أول بعثة طبية صينية إلى الجزائر، والذكرى التاسعة لإقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، قد نجحت في تحقيق أهدافها، فقد أكد الضيف الزائر أن "المشاريع والاتفاقات التي أبرمت مع الجانب الصيني ضخمة، وتعود بالمنفعة المتبادلة على الطرفين". وخلال لقائه مع ممثلي الجالية الجزائرية في الصين، أعلن تبون أن الأخيرة ستستثمر 36 مليار دولار، في مجالات مختلفة في بلاده، تشمل الصناعة والتكنولوجيا الحديثة واقتصاد المعرفة والنقل والزراعة والسياحة، إضافة تكثيف زيارات الوفود الطالبية بين البلدين. وإلى ما تقدم، تفيد تصريحات المسؤولين في البلدين وكذلك البيان الصادر عن لقاء تبون الرئيس الصيني شي جين بينغ، اتفاق البلدين على تعزيز التعاون بينهما في مجالات جديدة منها الأمن والدفاع الوطني. وبحسب البيان ذاته، فقد "رحبت الصين برغبة الجزائر في الانضمام إلى مجموعة بريكس وهي تدعم جهودها لتحقيق هذا الهدف". وإلى تعميق شراكتهما الإستراتيجية الشاملة، شدد الجانبان على الحاجة إلى تعاون سياسي وأمني وثيق، ودعم المصالح الأساسية المشتركة والحفاظ على سيادتهما وسلامة أراضيهما. وذكر البيان المشترك أن الصين والجزائر اتفقتا على العمل سوياً فيما يتعلق بمحاربة التنظيمات الإرهابية المتطرفة داخل حدودهما، ودعم الدول الأخرى مثل الصومال والسودان في جهودهما الأمنية.
خاتمة
موقّعاً 19 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع الجانب الصيني تشمل مجالات مختلفة، اختتم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زيارته إلى الصين، التي جاءت كما أشرنا سابقاً في سياق دفع طلب بلاده للانضمام إلى منظمتي شنغهاي وبريكس، وبالتالي حجز مكانة خاصة لها في عالم يشهد تحولات جذرية من شأنها أن تقود إلى نظام جديد، يزداد وزن الدول الإقليمية فيه بالقدر الذي تنجح فيه في تعريف مصالحها وتشبيك علاقاتها الدولية بما يخدم تلك المصالح، انطلاقاً من مكانتها ونظرتها إلى موقعها ومكامن قوتها.