هل إن الحرب الأهلية في إسرائيل هي سيناريو محتمل؟

هل إن الحرب الأهلية في إسرائيل هي سيناريو محتمل؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد عرف العالم الحديث وما قبل الحداثة عدداً لا بأس به من الحروب الأهلية والانقلابات الأهلية في الماضي. في بعض الحالات كانت هذه الحروب والانقلابات هي التي غيرت الوضع ودفعته إلى القائم حالياً. هكذا في أمريكا، وهذا ما حصل في بريطانيا، في فرنسا وفي دول كثير في أخرى.
يميل التاريخ إلى التمييز بين الحرب الأهلية والثورة الأهلية، ويميل المؤرخون إلى إرجاع مفهوم الحرب الأهلية إلى الحالة التي يشن فيها سكان مختلفون من نفس الأمة، ولكل منهم قوته العسكرية الخاصة، حرباً للسيطرة على البلاد. بينما الثورة الأهلية هي مفهوم يشير إلى قوة مدنية ليس لها قدرات عسكرية تنجح في التسبب في سقوط الحكم واستبداله بطرق الاحتجاج، الإضراب، التمرد وما إلى ذلك. تعتبر الثورات من هذا النوع أكثر سمات حقبة ما قبل الحداثة، وقد وقعت في إيطاليا وفرنسا، على سبيل المثال، من قبل أفراد الطبقة الوسطى الذين شعروا بالأذى من قبل أفراد الطبقة الحاكمة.
خلال الأسابيع الأخيرة وعلى خلفية التطرّف الحاصل في إسرائيل في ظل تحركات الحكومة أحادية الجانب لتأسيس الانقلاب السلطوي، بدأت تسمع أصواتٌ تؤيد أو تعارض التمرّد المدني وكذلك أصوات أولئك الذين يعبرون عن مخاوفهم من اندلاع حرب أهلية وشيكة. سنحاول أن نفهم ما إذا كان أحد هذه السيناريوهات قد يحدث في إسرائيل وما معنى الوضع الذي سينشأ في أي احتمال من هذا القبيل.
كما ذكرنا في العصر الحديث نسبياً وقع عدد من الأحداث التي يمكن تعريفها على أنها حرب أهلية. في الحرب الأهلية الإنجليزية التي وقعت في القرن السابع عشر، تمرد البرلمان الإنجليزي على الملك تشارلز الأول. في أمريكا ما قبل الاتحاد، كانت هناك حرب بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية التي انسحبت من الاتحاد وأرادت إجراء سياسات مختلفة. استخدمت الأطراف جيوش مسلحة بكل ما للكلمة من معنى وفي أي شيء طوال أربع سنوات. الحرب الأهلية في روسيا جرت بداية القرن العشرين، حينها قاتل الشيوعيون ضد الجيش الأبيض. وهذا ما حصل أيضاً في الحرب الأهلية الداخلية التي حدثت في العام 1918 بين "الحمر" الشيوعيين مؤيدي الاتحاد السوفييتي، وبين "البيض" القوميين. الحرب الأهلية في إسبانيا وقعت قبل الحرب العالمية الثانية وجرت بين قوات اليمين القومي بقيادة الجنرال فرانكو وقوات اليسار الاشتراكي. كذلك الحرب الأهلية في إيطاليا التي جرت بين الديمقراطيين والشيوعيين (بدعم من الحلفاء) والفاشيين والنازيين (بدعم دول المحور) في إيطاليا الفاشية. كذلك أيضاً تلك التي كانت تجري بالتوازي في اليونان.
هذه القائمة لا تزال طويلة لكن خصائصها متشابهة وتتضمن صراعاً أيديولوجياً أو دينياً أو اجتماعياً عميقاً على طبيعة وسلوك الدولة من خلال القوة العسكرية التي استخدمتها مختلف الأطراف.
من الصعب للغاية في هذه المرحلة تقدير إلى أين ستطور الاحتجاجات الجماهيرية في إسرائيل وإلى أي مدى ستبتعد الحكومة في محاولاتها لإحداث تغيير إداري وحوكمي في إسرائيل دون توافق. على ما يبدو سيعرف التاريخ كيف يفعل ذلك بشكل أفضل في المستقبل. ولكن إذا فهمنا الخصائص والعوامل المختلفة التي تخلق الثورات والحروب الأهلية، فلا يمكننا تجنب الاستنتاج الواضح بأن هذه تحدث بوضوح في إسرائيل اليوم.
على سبيل المثال، الفجوة الأيديولوجية العميقة والصراع الواسع بين وجهات النظر العلمانية والتعددية والآراء الدينية والخلاصية التي تسعى إلى تغيير صورة الدولة. الفجوة بين نظرة الأطراف المختلفة إلى جهات إنفاذ القانون. الفجوة الهائلة في فهم وإدراك جوهر النظام الديمقراطي ودور مؤسساته وسلطاته المختلفة. كل هذه الأمور تخلق اليوم بلا شك أرضية ناضجة لتطوير حرب أهلية في إسرائيل. بالنظر إلى حالة اللامبالاة الكاملة من جانب الحكومة وعدم اتخاذ إجراءات التهدئة والوحدة، من المتوقع أن تتفاقم الاحتجاجات، وتتسع الانقسامات، وتتصاعد ردود الفعل والعنف من الجانبين.
الأمر الذي يمنع على ما يبدو التطور الكامل إلى حرب أهلية اليوم هو الافتقار إلى القوة العسكرية تحت تصرف جميع الأطراف. ولكن هل هذا هو الوضع فعلاً؟.
إن الجيش الإسرائيلي، الذي تم تعريفه منذ إنشاء الدولة على أنه جيش الشعب، كان بالفعل فوق أي سجال اجتماعي وسياسي منذ إنشاء الدولة، ولكن يبدو أن شيئاً ما قد تغير في هذا المجال أيضاً. ظاهرة الرفض وردود الفعل عليها، وتفاقم الجدل العام حول موضوع إعفاء طلاب المدارس الدينية، والنقاشات في الجمهور الصهيوني المتدين حول وجوب طاعة أوامر إخلاء المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية، وغير ذلك. كل هذا يهدد قوة الجيش الإسرائيلي ومكانته كجيش شعبي ويدخله في النقاش السياسي على الأقل على مستوى المواطنين. تم بناء الجيش الإسرائيلي على أساس تسلسل قيادي واسع للغاية يشمل مجموعة من القادة من الصهيونية الدينية. في الانتخابات الأخيرة، صوّت جزء كبير من الجنود لحزب بن غفير اليميني المتطرف، ويبدو أنه حتى داخل الجيش هناك انقسامات سياسية تتعلق بعمله في حالات الطوارئ وفي المواقف التي لا يوجد إجماع بشأنها في المجتمع الإسرائيلي.
عند أخذ جميع البيانات الموجودة وعلى خلفية تحليل الوضع الحالي، تظهر صورة مقلقة للغاية قد تؤدي بدولة إسرائيل إلى صراع أهلي عنيف قد يتحول إلى حرب أهلية يشارك فيها عناصر تخدم في الجيش.
صحيح أن الأمر يتعلق بسيناريو متطرف، لكنه ليس مستحيلاً في الوضع الحالي. يجب على حكومة إسرائيل أن تدرك على الفور حساسية تطور الوضع السياسي والاجتماعي بين مواطني الدولة، وأن تتصرف بحزم لتهدئة الأنفس، وتعزيز الرسائل الموحدة، ووقف التشريعات المتطرفة والأحادية الجانب، وبشكل خاص للحوار والتوافق الواسع فيما يتعلق بالقضايا التي تهم جميع مواطني الدولة.
معهد السياسات والاستراتيجية – ليئور أكرمن (باحث كبير في معهد السياسيات والاستراتيجية جامعة رايخمن)