النيجر في عين العاصفة.. الانقلاب يربك قوى الاستعمار الغربي، وإيكواس تعلن الحرب!
ابتسام الشامي

النيجر في عين العاصفة..
الانقلاب يربك قوى الاستعمار الغربي، وإيكواس تعلن الحرب!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
فرض الانقلاب العسكري في النيجر نفسه حدثاً دولياً بامتياز، مع مسارعة الدول الغربية إلى إدانته وفرض عقوبات على المجلس العسكري، فضلاً عن تحريض مجموعة "إيكواس" للتدخل عسكرياً لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم، بما يعكس خطورة ما جرى على المصالح الغربية في الدولة الإفريقية التي تعد آخر معاقل الاستعمار الفرنسي في الساحل الإفريقي.
النزعة التحررية الإفريقية
دلّت ردود الفعل الدولية، لاسيما الغربية منها، على حدث الانقلاب العسكري في النيجر، على خصوصية هذا البلد ومحوريته، لمصالح الدول الغربية في القارة السمراء، تتقدمها فرنسا، صاحبة الباع الاستعماري الممتد قروناً من الزمن. وما تداعي تلك الدول لإدانة الانقلاب، ومحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، عبر العقوبات أو التلويح بالحرب، سوى تعبير عن مخاوف تصاعدت خلال السنوات الماضية من صحوة إفريقية، تسعى بجد للتحرر من ربقة الاستعمار، واستنزافه خيرات القارة الإفريقية وثرواتها واستباحته سيادة دولها وكرامة شعبها. وفي ما ينحو العالم نحو نظام جديد، تعيد فيه الدول والقوى الدولية تعريف مكانتها، وتحديد علاقاتها، بدا أن هناك اتجاهاً إفريقياً متنامياً يطرح أسئلة المكانة في عالم متحول، ولعل الانقلابات التي توالت في عدد من الدول الإفريقية منذ عام 2020 تلامس تلك التطلعات، وتحاول ترجمتها في طرد المستعمرين القدامى من جهة، وفي المزيد من الانفتاح على قوى دولية مؤثرة في صناعة التحولات الجارية على مستوى العالم وفي مقدمها الصين وروسيا. ولعلَّ القمة الروسية الإفريقية الأخيرة وما انتهت إليه من اتفاقات على مستوى تعزيز أطر التعاون والشراكة بين موسكو وعدد من العواصم الإفريقية، دليل واضح على الاتجاه التغييري في القارة "المنهوبة".
من هذه الخلفية يمكن التأسيس لفهم خلفيات التطورات في إفريقيا وآخرها الانقلاب في النيجر، وما تلاه من مواقف وردود أفعال دولية وإقليمية، وما يمكن أن تؤدي إليه التطورات، في حال ذهبت مجموعة إيكواس وبغطاء غربي مكشوف، للتدخل العسكري في البلاد.
النيجر: الموقع والأهمية
وإذا كان من المنطقي تفسير الصخب الغربي حيال الانقلاب لاسيما الفرنسي منه، بخسارة موقع استعماري آخر في القارة الإفريقية، بعد مالي وبوركينا فاسو، فإن ذلك من شأنه أن يقود إلى الحديث عن أهمية النيجر، وما تتمتع به هذه الدولة الفقيرة من مكانة وثروات كانت عرضة للسرقة الغربية الممنهجة، التي استثمرت في صناعة الصورة اللامعة لدول الغرب المستعمرة.
إلى الغرب من قارة إفريقيا تقع النيجر متوسطة سبع دول، تحدها من الجنوب نيجيريا وبنين ومن الغرب بوركينا فاسو ومالي ومن الشمال كلاً من الجزائر وليبيا، فيما تحدها تشاد من جهة الشرق. وإذ تتصدر جاراتها من حيث المساحة المقدرة بنحو 1.27 مليون كيلومتر مربع، إلا أن الصحراء الكبرى تغطي نحو 83% من تلك المساحة. وإلى ما تقدم، فإن النيجر تأتي في مقدمة الدول الإفريقية بوصفها دولة "حبيسة" أي ليس لديها منفذ بحري.
يقدر عدد سكان النيجر بنحو 27.129 ملايين نسمة، يتركز معظمهم في أقصى جنوب البلاد وغربها، وهم يتحدرون من قبائل وإثنيات متعددة لها امتدادات مع دول الجوار.
الدولة التي احتلت موقعا جغرافيا مركزيا في ما يعرف بمنطقة الساحل الإفريقي، الممتدة من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً، تمتاز بثرواتها الطبيعية، التي ترفع منسوب الصراع عليها، ومن أهم تلك الثروات، اليورانيوم، الذي كان مقدراً أن تكون النيجر ثاني منتج له في العالم عام 2014. هذا فضلاً عن الفحم وخام الحديد والقصدير والفوسفات والجبس والملح والنفط، وهي ثروات استراتيجية في عالم الصناعات الحديثة والمتطورة.
وعلى أهمية الثروات الطبيعية المتوافرة بكميات ضخمة، يمكن القول إن الموقع الجغرافي للنيجر و"الوظيفة السياسية" التي رسمتها الحكومات المتعاقبة للبلاد، زادت من أهميتها. فمنذ أقدم العصور اشتهرت الدولة الإفريقية الأعلى حرارة في العالم، بكونها بوابة للعابرين من دول إفريقيا إلى الجنوب، وشمالاً من جنوب الصحراء، وهي بهذا الموقع الاستراتيجي، اجتذبت القوى الدولية إليها، وعلى الدوام ارتفعت باضطراد أهميتها بالنسبة لفرنسا وحلفائها، لاسيما في السنوات القليلة الماضية حين تراجعت مراكز ثقلها في عدد من دول القارة السمراء لمصلحة منافسيها. وفي مؤشر على خصوصية النيجر بالنسبة لفرنسا على وجه التحديد، بَنَت الأخيرة عدداً من القواعد العسكرية هناك، مستفيدة من الاستقرار الذي عرفته البلاد لأكثر من عقد من الزمن في محيط مضطرب، تنتشر فيها الحركات المتطرفة، وتنشط فيه تجارة الهجرة إلى أوروبا. وبإصدارها تشريعات تجرّم نقل المهاجرين في جميع أنحاء غرب إفريقيا، حصلت النيجر على مساعدات أوروبية، وتعاظم التدافع نحوها بعد خروج فرنسا من إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو، ما جعلها موئلاً للوجود العسكري الغربي، وكان من نتائج ذلك، انتشار القواعد العسكرية الغربية على أرضها، ومنها ثلاث قواعد عسكرية فرنسية تضم 1500 جندي على الأقل، هذا فضلاً عن المواقع اللوجستية المستخدمة في التدريب، قاعدتان أمريكيتان تضمان نحو 1100 جندي، مركز لوجستي ألماني يضم قوات عسكرية، بالإضافة إلى تواجد قوات إيطالية وكندية تشترك في تدريب القوات الخاصة النيجرية، وفق اتفاقية شراكة عسكرية مع الاتحاد الأوروبي موقعة عام 2022. وبهذا الحضور العسكري الكبير، ارتفعت مكانة النيجر، وأهميتها لدى الدول الغربية، التي استفادت من مساحة الصحراء الشاسعة فيها لتدريب قواتها وإجراء المناورات، ومنها مناورة "فلينتوك"، التمرين السنوي الذي يجريه حلف شمال الأطلسي، وقوات العمليات الخاصة الأمريكية في إفريقيا.
ردود الفعل على الانقلاب
أهمية الموقع الجغرافي للنيجر، ومحورية الدولة الإفريقية في الأجندة الاستعمارية الغربية للقارة الإفريقية، يفسّر حجم الصدمة من الانقلاب والارتباك الواضح في التعامل معه في عواصم الدول الغربية، وهو ارتباك ناجم عن شعورها بالخسارة الفادحة، فالانقلاب شكّل صفعة قوية لفرنسا، لما له من تداعيات على وجودها في منطقة غرب إفريقيا والساحل، وبحسب وكالة "فرانس برس" فإن الاضطرابات في النيجر "تشكل مصدر قلق كبير للدول الغربية خصوصاً فرنسا، لأن الرئيس بازوم يعدّ آخر حلفاء باريس في غرب إفريقيا. كما تخشى فرنسا أن تكون النيجر الدولة التالية التي تخسرها لصالح روسيا في غرب إفريقيا".
بدورها توضح صحيفة "تايمز" البريطانية حجم الخسارة الفرنسية في التطورات الأخيرة محاولة تفسير الإدانة الشديدة للانقلاب الصادرة من باريس. وتقول في هذا السياق "إن النيجر الغنية باليورانيوم، وقبل واقعة الانقلاب أصحبت ضمن أهداف موسكو حيث تساعدها البيئة الأمنية المتدهورة في بسط سيطرتها على المستعمرات الفرنسية السابقة"، وإذ اتهمت الصحيفة روسيا باستغلال الانقلاب الذي أطاح بحكومة بوركينا فاسو أواخر العام الماضي لمدّ نفوذها، لفتت إلى أن "النيجر، هي المستعمرة الفرنسية السابقة الوحيدة في المنطقة، التي لا تزال باريس تسيطر عليها، ضرورية لمحطات الطاقة النووية التي توفر 70% من الكهرباء لفرنسا".
الإدانة الشديدة للانقلاب صدرت أيضاً من واشنطن، حيث عبر البيت الأبيض، عن "قلق الولايات المتحدة إزاء التطورات الحاصلة في النيجر"، داعيا الحرس الرئاسي، إلى "إطلاق سراح الرئيس بازوم، ووقف العنف". وكانت العلاقات بين واشنطن ونيامي قد تنامت في الآونة الاخيرة، حيث زار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، دولة النيجر في 16 اذار الماضي، وبحث مع الرئيس المخلوع محمد بازوم ووزير الخارجية حسومي مسعودو، "سبل تعزيز الشراكة بين البلدين في مجالات الدبلوماسية والديمقراطية والتنمية والدفاع ومكافحة الإرهاب". ويرجع الخبير الأميركي بيتر آليكس، في حديث لموقع" سكاي نيوز عربية" قلق الولايات المتحدة من التطورات الاخيرة، إلى أن النيجر ستصبح في حال نجاح الانقلاب، الدولة رقم 11 في سلسلة الدول الإفريقية التي تشهد نفوذاً روسيا عبر مجموعة فاغنر بعد استمالة بوركينا فاسو العام الماضي".
خاتمة
حتى كتابة هذه السطور، كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة باسم إيكواس قد أعلنت أنها في صدد التحرك عسكريا في النيجر لإعادة الأمور إلى نصابها، وقال رئيس ساحل العاج الحسن واتارا، في تطورٍ مفاجئ، إن المجموعة قررت بدء تدخلها العسكري "في أقرب وقت". مضيفا أن قادة إيكواس، أعطوا الضوء الأخضر لعملية عسكرية "لاستعادة النظام الدستوري في النيجر"، وفي حال كانت هذه التصريحات تعكس قرارا بالتحرك العسكري وليس ضغطاً سياسياً فإن منطقة غرب إفريقيا ستكون على موعد مع تطورات دراماتيكية، لن تبقى محصورة في نطاقها الجغرافي في ظل صراع النفوذ الدولي المتعاظم، وهنا ستكون على المحك مواقف وقرارات روسيا مالي بوركينا فاسو والجزائر.