نيابة عن قوى الاستعمار "إيكواس" تضع الخيار العسكري على الطاولة ضد النيجر.. الغرب قلق من تنامي نزعة التحرر في إفريقيا
ابتسام الشامي

نيابة عن قوى الاستعمار "إيكواس"
تضع الخيار العسكري على الطاولة ضد النيجر..
الغرب قلق من تنامي نزعة التحرر في إفريقيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
بقي شبح الحرب مخيماً على منطقة غرب إفريقيا مع توالي الضغوط الاقليمية والدولية على المجلس العسكري في النيجر لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الانقلاب على الرئيس المخلوع محمد بازوم..
ولئن رفعت تلك الدول شعارات احترام القواعد الدستورية والأصول الديمقراطية في العملية السياسية، فإن حماستها للحرب مع معرفتها بتداعياتها الخطيرة، تفسر جانباً من الخسارة التي مُنيت بها القوى الاستعمارية بإزاحة نظام بازوم، وخوفها من اتساع رقعة الدول الساعية إلى التحرر من سطوتها في القارة السمراء.
النزعة التحررية الإفريقية تقلق الغرب
لم يكن الانقلاب العسكري في النيجر الذي أطاح في السادس والعشرين من تموز الماضي بنظام الرئيس محمد بازوم حدثاً عابراً في المشهد الإفريقي على الرغم من "الامتداد التاريخي" لظاهرة الانقلابات العسكرية في القارة السمراء، فما جرى في أفقر الدول الإفريقية، لا يمكن تفسيره بديناميته السياسية الداخلية فحسب، وإنما بما يحيط به من أحداث مشابهة، وبما "يجتاح" القارة الإفريقية من نزعة تحررية من الاستعمار.
وإلى النزعة التحررية الآخذة في الاتساع في القارة "المستضعفة"، يأتي الانقلاب السابع من نوعه منذ عام 2020 على وقع الصراع المتعاظم على النظام العالمي الجديد، حيث تسعى الدول إلى إعادة تعريف مكانتها في النظام الجديد، سواء بالاتكاء على قدراتها وإمكاناتها، أو شبكة علاقاتها وتحالفاتها. وبهذا المعنى فإن الانقلاب في النيجر ذا الأبعاد الداخلية والاقليمية والدولية، يشعل في عواصم الدول الغربية المستعمرة وفي مقدمها فرنسا، الأضواء الحمر، بما يختزنه من تحوّلات عميقة أمكن معها الحديث عن "تهديد وجودي" حقيقي للاستعمار القديم. وقد جاء انقلاب النيجر على مسافة قصيرة من صدور تقرير أممي تحت عنوان "الجنود والمواطنون: الانقلابات العسكرية والحاجة إلى التجديد الديمقراطي في إفريقيا". وفي هذا التقرير الممتد على مئة وتسعين صفحة يحاول البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، سبر أغوار العوامل المسببة للانقلابات، وكيفية التعامل مع نتائجها وفرص كبحها وإعادة الإمساك بالأوضاع السابقة لحصولها، وذلك من خلال الإجابة عن أربعة أسئلة رئيسية وفق الترتيب التالي: "ما هي محركات التنمية للانقلابات العسكرية في إفريقيا؟، ما الذي يفسر الدعم الشعبي الواضح لمثل هذه الانقلابات في الوقت الراهن، بما في ذلك في السياقات التي أطيح فيها القادة المنتخبون ديمقراطياً؟، ما الخيارات السياسية التي على الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية النظر فيها لمنع الانقلابات العسكرية بشكل فعال؟، ما الذي يمكن أن تفعله هذه الجهات الفاعلة لاستعادة النظام الدستوري والحفاظ عليه، وإعادة ضبط العقد الاجتماعي، وتعزيز الحكم الديمقراطي الشامل في البلدان المتأثرة في بلدان الساحل"؟. وبمعزل عن المتانة العلمية للأسلوب البحثي المعتمد في الدراسة، وكذلك أدواته، فإن الفريق الأممي يرجع أسباب الانقلابات العسكرية في إفريقيا إلى عدد من الدوافع أبرزها: دوافع هيكلية ومؤسسية، ومحفزات طارئة، إضافة إلى انعدام الأمن في منطقة الساحل الإفريقي، وغياب النمو الاقتصادي الشامل والتدخل العسكري في السياسة، فضلاً عن الفشل في إصلاح الجيش وغياب الضوابط والتوازنات الواضحة بينه وبين المستويات الأخرى في الحكم والادارة.
على أن اللافت في التقرير، تجاهله الحديث عن الاستعمار الغربي وتداعياته، كأحد العوامل المسببة للانقلابات، وهو تجاهل يقود إلى استنتاجات خاطئة في مقاربة التطورات الإفريقية والتعامل معها، مع وجود حالة متنامية من رفض الاستعمار وبروز عدد من القادة الجدد الذين يرفعون شعارات التحرر، لعلّ أبرزهم رئيس بوركينا فاسو إبراهيم تراوري، الذي لمع نجمه في القمة الروسية الإفريقية الأخيرة عندما تحدث عن أن "زمن العبودية للأنظمة الغربية في إفريقيا انتهى، وبدأت المعركة من أجل الاستقلال الكامل: إما الوطن أو الموت". وفي سياق التعبير عن حالة الرفض للاستعمار، وبالتزامن مع الذكرى الـ 63 لاستقلال النيجر عن فرنسا، نُظّمت تظاهرات شعبية مؤيدة لقادة الانقلاب العسكري بالعاصمة، طالبت بوقف "الهيمنة الفرنسية" على بلادهم ورفعت خلالها شعارات لافتة كتب عليها عبارة "تحيا النيجر وروسيا ومالي وبوركينا. تسقط فرنسا وإيكواس والاتحاد الأوروبي".
الغرب يدفع لمواجهة عسكرية
هذه الخلفية التي تظلل التطورات الجارية في القارة الإفريقية، دفعت قوى الاستعمار إلى محاولة السيطرة على الوضع من خلال رفع العصا الغليظة في وجه من يعملون على طرد الاستعمار وتقليص مساحة تأثيره. ومع الانقلاب العسكري في النيجر سارعت كل من فرنسا والولايات المتحدة الاميركية، الدولتان الأكثر تضرراً من خلع نظام بازوم، إلى التلطي خلف المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا المعروفة باسم إيكواس، وفوّضتاها ودول غربية أخرى "التعامل مع الحدث وإعادة الوضع الدستوري للنيجر"، وهو ما يمكن تفسيره بمحاولة دفع المنطقة إلى حرب بالوكالة عن الدول المستعمرة، أي إنتاج آلية تدمير ذاتي لمنطقة غرب إفريقيا عبر دول ومنظمات مرتبطة بقوى الاستعمار. واللافت في الأمر حماسة عدد من الدول الإفريقية لهذه المغامرة غير المحسوبة النتائج، تتقدمها نيجيريا الدولة الجارة، التي بدت خلال الأيام الماضية أنها رأس حربة التدخل العسكري في النيجر عبر بوابة إيكواس، علماً أن نيجيريا بجيشها القوي الذي يربو على أكثر من مئتين وثلاثين ألف جندي ذات تدريب عالي المستوى، ترزح تحت وطأة الإرهاب التكفيري، والذي تعتبر البيئة المضطربة أمنياً مثالية لتنامي حركاته الإرهابية وفي مقدمها داعش.
الحديث عن التدخل العسكري في النيجر واجتماع رؤساء أركان جيوش دول إيكواس للاستعداد للمرحلة القادمة بعدما وضعت المجموعة هذا الخيار على الطاولة، تزامن مع حراك سياسي ضاغط على المجلس العسكري هناك، وإلى العقوبات الاقتصادية التي فرضت على نيامي، حرصت واشنطن على الحضور "الدبلوماسي" المؤثر والفعال، وفي هذا الإطار كشفت فيكتوريا نولاند، القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأمريكي، عن زيارتها إلى النيجر في أعقاب الانقلاب وأجرائها محادثات وصفتها "بالصريحة والصعبة" مع كبار مسؤولي المجلس العسكري. وأضافت نولاند في إفادة للصحفيين إنه خلال الاجتماع، لم يهتم مسؤولو المجلس العسكري بمقترحات الولايات المتحدة بشأن السعي لاستعادة النظام الديمقراطي وقوبل طلبها للقاء رئيس النيجر المطاح به، محمد بازوم بالرفض. مشيرة إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، طلب منها أن تتوجه إلى النيجر للتحدث مع "المسؤولين عن هذا التحدي للنظام الديمقراطي ولرؤية ما إذا كان يمكننا حل هذه القضايا بشكل دبلوماسي... وكذلك لتوضيح ما هو على المحك في علاقتنا وأنواع الدعم الاقتصادي وأشكال الدعم الأخرى التي سيتعين علينا قانوناً قطعها إذا لم تجر استعادة الديمقراطية".
بدوره توعّد بلينكن، المجلس العسكري في النيجر بمحاسبته على "سلامة الرئيس المحتجز محمد بازوم"، وأكد خلال اتصال مع الأخير أن "سلامته وحياته أولوية لواشنطن".
وفي ما "رفعت" الدول الغربية من قيمة الرئيس المخلوع التفاوضية، أفادت مصادر ديبلوماسية غربية بأن المجلس العسكري الانتقالي "أخبر ديبلوماسياً أمريكياً رفيع المستوى أنهم سيقتلون بازوم في حال محاولة دول الجوار الإقدام على أي تدخل عسكري لاستعادة حكمه"، ومعلوم أن الأخير تربطه علاقات قوية بالدول الغربية، وأنه المقاول التنفيذي لمشاريعها على حساب شعبه وشعوب دول الجوار، ويختزن الكثير من الأسرار عن تلك المشاريع. وعلى الرغم من أن الدول الغربية لا تقيم وزناً لأدواتها عند المفارق الحساسة إلا أن المجلس العسكري يواجه حملة الضغوط عليه، بورقة بازوم، وهو أعلن أنه سيحاكمه بتهمة الخيانة العظمى.
وإلى ما تقدم، تستعد النيجر بقيادتها الجديدة مدعومة من المواطنين المؤيدين للمواجهة، وفي مقابل تلويح إيكواس بالتدخل العسكري، أطلق سكان العاصمة نيامي، دعوات إلى "التطوع لتجنيد جماعي، وذلك لمساعدة الجيش، في مواجهة التهديد المتزايد من قبل الكتلة الإقليمية لغرب إفريقيا إيكواس". وتهدف المبادرة، التي تقودها مجموعة من السكان المحليين، إلى تجنيد عشرات الآلاف من المتطوعين من جميع أنحاء البلاد، للدفاع عن النيجر. وفي هذا الإطار، قال أمسارو باكو، أحد مؤسسي الجماعة، لوكالة أسوشييتد برس، إن مهام المجموعة ستشمل القتال، والمساعدة في الرعاية الطبية، وتوفير الخدمات اللوجستية الفنية والهندسية، ومهام أخرى، في حال احتاج المجلس العسكري إلى المساعدة". وليس بعيداً عن الاستعداد للمواجهة سبق لكل من بوركينا فاسو ومالي إعلان تضامنهما مع القيادة العسكرية الجديدة في النيجر في مواجهة تهديدات متزايدة بالحرب.
خاتمة
على الرغم من قرع طبول الحرب من قبل إيكواس، وتعمّد إظهار استعداداتها للتدخل العسكري في النيجر، تشهد المجموعة انقساماً حيال اتخاذ القرار الخطير، وهي لذلك تفضل حتى الآن الخيار الدبلوماسي مصحوباً بضغوط اقتصادية وعسكرية، لكن قرار الحرب دونه محاذير ومخاطر عدة أبرزها أن إيكواس ومن يقف خلفها من دول غربية لم تعد اللاعب الوحيد في القارة الإفريقية، مع تنامي النفوذ الصيني والروسي، وبالتالي فإن أي قرار بالحرب سيكون خاضعاً بلا شك لاعتبارات لا تعني النيجر وحدها ولا حتى الساحة الإفريقية، وإنما الصراع الواسع على مساحة العالم في إطار تأسيس نظام عالمي جديد.