ستة اعضاء جدد في عضويتها.. بريكس تتمدد و"تستقطب" دول العالم لخياراتها السياسية
ابتسام الشامي

ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
في ما يشهد العالم ارتفاعاً ملحوظاً في حرارة الصراع على النظام العالمي الجديد، نجحت مجموعة بريكس الدولية في إثبات حضورها على المسرح السياسي العالمي، وفي استقطاب المزيد من دول العالم إلى أجندتها السياسية القائمة على تحدي نظام الأحادية القطبية بأبعاده المختلفة.
توطئة سياسية
أعطت القمة الخامسة عشرة لمجموعة بريكس الدولية مؤشراً إضافياً على مدى التحوّل الذي يمر به العالم، وفي إطاره تعيد الدول تعريف مكانتها وعلاقاتها الدولية، فليس عابراً أن المجموعة التي تتبنى بشكل علني وواضح استراتيجية التحول نحو نظام متعدد الأقطاب وتعمل على توجيه ضربات نوعية لأسس نظام الهيمنة بقيادة بالولايات المتحدة الأمريكية، تنجح في استقطاب حلفاء الأخيرة إلى مشروعها، ليسهموا، ولو "في الشكل" في تعزيز جبهة عريضة ضدها.
هذا ما جرى في قمة بريكس الأخيرة التي التأمت في جوهانسبورع عاصمة جنوب افريقيا، طابور من الدول اصطفت مقدمة أوراق اعتمادها للانضمام إلى المجموعة، منهم من قبلت عضويته ومنهم من أرجئت إلى حين آخر لاستيفاء الشروط المطلوبة. وفي ما تتجاذب الخبراء والمراقبين افكار حول ما اذا كان توسيع العضوية دافع قوة للمجموعة ام عبئا من شأنه أن يؤثر سلباً في مسارها نحو تحقيق أهدافها المرجوة، جاء اختيار الأعضاء الستة الجدد لافتاً للانتباه، وباعثاً للسؤال عن مدى القدرة على "الانسجام" في إطار سياسي، بات يحمل المزيد من تناقض الهويات السياسية من جهة، والخلافات البينية من جهة أخرى، كما هو الحال بالنسبة إلى أثيوبيا ومصر وما بينهما قضية سد النهضة الشائكة، أو السعودية والإمارات اللتان تتصارعان على الدور السياسي والمكانة الإقليمية.
وإذا كان حضور إيران في المجموعة منسجماً مع تطلعاتها ودورها الفعال في المواجهة الميدانية والاقتصادية لنظام الهيمنة الأمريكية، فإن قبول عضوية الأرجنتين، من شأنه أن يعزز توجهاً داخل المجموعة في أن تشكل بديلاً للدول الراغبة في تنويع خياراتها الاقتصادية كما السياسية، طالما أن الارتباط بالقوى الغربية ببعدَيْه السياسي والاقتصادي لم يعد مضموناً في ظل التحولات العالمية الجارية المؤثرة في مكانة الدول الكبرى.
هذا ما يطلع إليه قادة بريكس
لكن بمعزل عن أي نقاش مرتبط بمدى تأثير "التركيبة" الجديدة لمجموعة بريكس في مسارها وخطط عملها، لا بد من الوقوف بتأمل أمام حقيقة، أن هذه المنظمة "المتمحورة" حول الصين وروسيا، وثقلَيْهما السياسي والاقتصادي، اجتذبت إليها دولاً من المحور الأمريكي المقابل، في ذروة الاشتباك بين المحورين، في المواجهة الأطلسية الروسية الجارية فصولها في أوكرانيا، والتي باتت واضحة الأهداف ومعروفة الاصطفافات. ليأتي خطاب رؤساء الدول المؤسسة للمجموعة قوياً في التأكيد على المرتكزات التي قامت عليها وعلى رأسها إنهاء عصر القطب الواحد والتطلع لعالم أكثر توازناً وأمناً، واستحضار الحرب الأوكرانية بوصفها فشلاً للنظام العالمي ودافعاً للمجموعة للتّدخل لوقف حرائقها اللاهبة.
وفي هذا السياق أكد رئيس جنوب أفريقيا، الدولة المضيفة لأعمال القمة، سيريل رامافوزا، أن مجموعة بريكس قلقة من أنظمة الدفع المالية العالمية الحالية، لأنها تُستخدم كأدوات في الصراعات الجيوسياسية، مشيراً إلى "تصميم دولها على ضرورة أن تحقق شراكتها التعافي الاقتصادي العالمي الشامل ومصلحة دول الجنوب".
بدوره توقف الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في خطابه في افتتاح القمة عند تداعيات الحرب الأوكرانية بما تحمله من دلالات على "هشاشة مجلس الأمن الدولي"، وإذ شدّد على أنه "من غير المقبول أن يتخطى الإنفاق العسكري العالمي 2 تريليون دولار"، حذّر من أن العالم يعود إلى عقلية الحرب الباردة. والتحذير ذاته جاء أيضاً على لسان الرئيس الصيني، شي جين بينغ الذي اعتبر أن "عقلية الحرب الباردة" لا تزال مصدر قلق للعالم، وأن الوضع الجيوسياسي يشهد توتراً" مؤكداً ضرورة أن تؤدي دول المجموعة "دوراً في التّوصل إلى تسوية سياسية لحل النزاعات في المناطق الساخنة". أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي شارك افتراضياً في القمة، وتوجه إلى المشاركين فيها بخطاب مسجّل، فقد أشار إلى أن بعض الدول "تحاول فرض هيمنتها وسياستها الاستعمارية الجديدة"، وهو سبب يقف خلف اندلاع الحرب في أوكرانيا. مضيفاً أن مهمة المجموعة في أوكرانيا هي "وضع حدّ للحرب التي شنّها الغرب ضد سكان دونباس". لافتاً إلى سعي بلاده خلال رئاستها للقمة العمل "على توسيع استخدام العملات المحلية". وقال بوتين "نحن نتعاون على أساس مبادئ المساواة ودعم الشراكة واحترام مصالح بعضنا بعضاً، وهذا هو جوهر المسار الإستراتيجي لمجموعتنا.. وهو المسار الذي يلبي تطلعات القسم الأكبر من المجتمع العالمي، وما يسمى الأغلبية العالمية".
وكانت القمة التي حملت شعار "بريكس - أفريقيا" قد ناقشت بند توسيع العضوية، مشروع العملة المشتركة، في إطار سعيها لإحياء فكرة تقليص هيمنة الدولار على مدفوعات التجارة العالمية، حيث يدفع زعماء بريكس باتجاه زيادة استخدام العملات المحلية في التجارة البينية وإنشاء نظام دفع مشترك.
خاتمة
أثبتت قمة بريكس 2023 قدرتها على جذب الاهتمام الدولي والإقليمي إليها بشكل كبير، بخلاف ما كان متوقعاً أمريكياً من تراجع لها في ظلّ الانقسام العالمي الحاد حول الولايات المتحدة ومشروعها، ومشروع النهوض المناهض لها ممثلاً بشرق العالم وجنوبه حيث للصين وروسيا بصمات واضحة وامتدادات نفوذ عميقة، ولعلّ من أهم أسباب ثبات بريكس ونجاحها، الثقة المتنامية بها بما تمثله من أهمية على المستوى الدولي، وقد سبق أن تحدثنا عنها في مقالة تحت عنوان "مجموعة بريكس الدولية: البحث عن التوازن في عالم تمزقه المنافسة والتوتر الجيوسياسي"، ويمكن اختصار تلك الأهمية، بأنها تُعدّ من أقوى الاقتصادات العالمية، بواقع تسجيل حجم اقتصادات بريكس حتى نهاية عام 2022، نحو 44 تريليون دولار، من دون أن ننسى كما أن المجموعة المؤسسة تسيطر على 17% من التجارة العالمية، وعلى 27% من مساحة اليابسة في العالم، بمساحة إجمالية تقدر بنحو 40 مليون كيلومتر مربع. هذه البيانات والأرقام سبقت قرار التوسيع ولنا أن نتخيل ماذا ستقول الأرقام عن نفسها في المرحلة القادمة، شرط أن تستطيع المجموعة بواقعها الجديد الموسع، الانسجام وإيجاد السبل الأفضل للتعاون بما يحقق أهدافها.