مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: " نتنياهو يؤجل إعلان الهدنة الدائمة ووقف إطلاق النار لأنه يعلم أنه سيدفع الثمن الأكبر لنتائج العدوان على غزة وفشله في مواجهة ملحمة طوفان الأقصى"

العدد رقم 416 التاريخ: 2023-12-01

التطبيع مع السعودية.. مصالح مقابل تحديات

التطبيع مع السعودية.. مصالح مقابل تحديات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تقف إسرائيل اليوم أمام فرصة تاريخية للدفع قدماً نحو اتفاق سلام مع السعودية برعاية الولايات المتحدة، على ضوء التقاء مصالح لا سابق له تشكَّل بين الدول الثلاث. عملياً، بتعلق الأمر بصفقة رزمة واحدة كبيرة، تحقُّقُها الكامل مرتبط بدفع عدة عناصر مختلفة من جانب كل واحد من اللاعبين.

مع ذلك، الطريق إلى الدفع قدماً بصفقة ما زال طويلاً ومليئاً بالمطبات. يتعلق الأمر، قبل كل شيء، بكل ما يتعلق بتطوير دائرة الوقود النووي كامل في السعودية والحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي. وذلك إلى جانب الصعوبات المتوقعة بسبب المطالب السعودية في المجال الفلسطيني، مساعي العرقلة من جانب المحور الراديكالي والجدول الزمني على ضوء الانتخابات الرئاسية والكونغرس في الولايات المتحدة خلال شهر تشرين الثاني 2024.

المصلحة السعودية.. ضمانات أمنية أمريكية

يهدف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى تحويل السعودية إلى قوة اقتصادية عالمية ضمن رؤيته لعام 2030، التي لن تعتمد فقط على موارد النفط التي تضاءلت، ولا تكون عرضة لتهديدات من إيران. وذلك، مع الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر في نظره المفتاح لتحقيق أهدافه، وتحقيقاً لهذه الغاية، يسعى إلى تعزيز التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، والذي سوف يقوم على ثلاث ركائز: ضمانات أمنية متينة من قبل الولايات المتحدة لأمن السعودية؛ تزويد منظومات أسلحة متطورة جداً (مثال، طائرات حربية من نوع "أف 35" ومنظومات دفاع جوي)؛ تطوير برنامج نووي مدني كامل في المملكة، يتضمن تخصيب يورانيوم.

وفقاً لرؤية ولي العهد الشاب، يفترض أن تتم المصادقة على الاتفاق من قبل الكونغرس، للتقليل قدر الإمكان من خطر قيام إدارة أمريكية أخرى بالعمل على إلغائه. في المقابل، ولي العهد مستعد للدفع قدماً باتفاق تطبيع مع إسرائيل. وذلك، إلى حد كبير، من خلال الفهم أن هذه هي الطريق الوحيد لإقناع سواء إسرائيل أو الإدارة الأمريكية والكونغرس بمطالبه بعيدة المدى. إضافة إلى ذلك، فإن التطبيع مع إسرائيل يتناسب مع وجهة نظره، بأنّ تخفيف التوترات الإقليمية هو خطوة ضرورية على طريق الازدهار الاقتصادي. وتشكل إجراءات المصالحة مع إيران وسوريا في الأشهر الأخيرة، وفي وقت سابق أيضاً مع تركيا، مدماكاً آخر في هذا المفهوم.

المصلحة الأمريكية.. كبح الصين والتحالفات الإقليمية

تبذل الإدارة الأمريكية مساعي بارزة للدفع قدماً في الصفة الثلاثية، كما انعكس في سلسلة الزيارات لمسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية إلى المملكة في الأشهر الأخيرة. الاجتماعات المحتملة في الشهر المقبل للرئيس بايدن مع ولي العهد السعودي، بن سلمان، على هامش قمة الـ G20 في نيودلهي، ومع رئيس الحكومة نتنياهو في الولايات المتحدة، قد تشكل مرحلة حاسمة في الطريق إلى بلورة تفاهمات بين الأطراف.

وراء الجهود الأمريكية للدفع نحو الصفقة هناك مصالح متنوعة. وتهدف الولايات المتحدة إلى استعادة علاقاتها مع المملكة العربية السعودية لتكون بمثابة ثقل موازي للتعاون المتزايد بين السعودية والصين على المستوى الاستراتيجي وفي مجالات الطاقة والتكنولوجيا. وقد انعكس ذلك في زيارة الرئيس شي للمملكة (كانون الاول 2022) واتفاق المصالحة بين السعودية وإيران بوساطة صينية (آذار 2023). إضافة إلى ذلك، هناك قلق في واشنطن من أن رفض طلبات ولي العهد قد يدفع السعودية إلى تعميق علاقاتها مع الصين وروسيا.

من وجهة نظر الإدارة، اتفاق السلام بين السعودية وإسرائيل قد يؤدي إلى تحسين مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وإثبات أنها فعلياً القوة العظمى الوحيدة التي يمكنها تحريك خطوات مهمة في المنطقة. بل إن الاتفاق يتناسب مع مفهوم الرئيس بايدن لتعزيز التعاون المتعدد الأطراف وتحمل القدرة على تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط. وذلك، من بين أمور أخرى، من خلال إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل ودول أخرى في العالم الإسلامي والدفع قدماً بالمشاريع الاقتصادية الإقليمية واسعة النطاق. إضافة إلى ذلك، ترى الإدارة أن هذه الخطوات لها أيضاً آثار مباشرة على قدرة إسرائيل ودول الخليج على التعامل مع التهديدات المتزايدة من إيران، من بين أمور أخرى من خلال إنشاء تحالفات دفاعية وتعاون أمني عميق. وأخيراً، قد يساعد الاتفاق الإسرائيلي السعودي بايدن في الفترة التي تسبق الانتخابات، بسبب التأثير المحتمل على أسعار الوقود.

العائق الفلسطيني.. ليس في صلب الاهتمام بل شرط ضروري

هناك بالفعل مقاربات مختلفة فيما يتعلق بمركزية القضية الفلسطينية في مجموعة الاعتبارات السعودية والأمريكية. لكن يبدو أنه حتى لو لم تكن القضية على رأس سلم أولويات الطرفين، فإن هناك تفاهماً بينهما على ضرورة تقديم حل يتكامل مع التطلعات الفلسطينية ومبادرة السلام العربية. لأن أي اتفاق يتحقق، سيصطدم بمعارضة كبيرة من جانب السلطة الفلسطينية ودول عربية أخرى، كذلك أيضاً من جانب الملك سلمان وجهات أخرى داخل المملكة. اللقاء الثلاثي في مصر، بمشاركة أبو مازن، الرئيس السيسي والملك عبد الله، أثبت حالة التأهب القائمة بخصوص الموضوع وسط الفلسطينيين والدول العربية. تعيين السفير السعودي في الأردن سفيراً غير مقيم لدى السلطة الفلسطينية وقنصلاً في القدس الشرقية، إشارة إلى الأهمية التي تنوي السعودية منحها للقضية الفلسطينية.

وفي الوقت الراهن، هناك ضباب يحيط بالمطالب السعودية في هذا الشأن. وقد تكون المطالب المحتملة، على أقل تقدير، اعتراف إسرائيل بمبدأ الدولتين، وتجنُّب اتخاذ المزيد من الإجراءات الأحادية الجانب لتوسيع المستوطنات، وإخلاء المواقع الاستيطانية غير القانونية، ووقف سياسة العقاب الاقتصادي. ومن الممكن أيضاً أن تطلب المملكة العربية السعودية من إسرائيل نقل أراضي إلى سيطرة السلطة الفلسطينية. هذا، مع اشتراط التقدم في عمليات التطبيع بموقف إسرائيل من التزاماتها تجاه الموضوع الفلسطيني.

ومع ذلك، فإن سياسة الحكومة الحالية تجاه المنظومة الفلسطينية، وخصوصاً المفاهيم التي يقودها الوزيران سموتريتش وبن غفير لتكثيف المستوطنات وضم الأراضي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، توضح أنه في تركيبتها الحالية، فإن قدرة الحكومة على الاستجابة، ولو على الحد الأدنى من المطالب من جانب المملكة العربية السعودية، محدود للغاية.

مساعي الإحباط من جانب المحور الراديكالي

يضاف إلى ذلك الجهود المتوقعة من المحور الراديكالي، بقيادة إيران، حزب الله، حماس، لنسف عملية التطبيع، بسبب الانعكاسات المباشرة على وضعهم الاستراتيجي والأمني. من المعقول أن تحاول إيران العمل بطرق مختلفة من أجل عرقلة الدفع قدماً باتفاق، وقبل كل شيء، عبر التشجيع على نشاطات إرهابية ضد إسرائيل في المنظومة الفلسطينية. وذلك، من خلال التقدير أن التصعيد الأمني سيصعب على جميع الأطراف التقدم نحو صفقة وعلى الأقل يؤدي إلى تأخيرها.

اختراق حواجز في المجال النووي

إن السماح للمملكة العربية السعودية بتطوير برنامج نووي مدني شامل، وخصوصاً القدرة على تخصيب اليورانيوم على أراضيها، ينطوي على تحديات عديدة ومتنوعة. السعودية قد تدفع دولاً أخرى في المنطقة، وفي مقدمتها مصر وتركيا، إلى المطالبة بتطوير برامج مماثلة في أراضيها، بما يؤدي إلى سباق نووي في الشرق الأوسط. على المدى الطويل، هناك خطر من أن تسعى المملكة العربية السعودية إلى استخدام المعرفة التي اكتسبتها لتطوير برنامج نووي عسكري. وذلك بشكل خاص في ظل ما ينشر عن اتصالات محتملة بينها وبين باكستان في هذا المجال، وتصريحات ولي العهد السابقة بأن إيران إذا حصلت على السلاح النووي فإن السعودية ستعمل أيضاً على الحصول عليه. علاوة على ذلك، فإن أي اتفاق في المجال النووي مع المملكة العربية السعودية قد يكون له أيضاً عواقب على اتفاقيات التفتيش المحتملة مع إيران.

الإطار الزمني لبلورة الصفقة

ومن المرجح أن تكون الفترة الزمنية لقدرة الرئيس بايدن على استثمار رأس المال السياسي المطلوب لدفع الصفقة محدودة حتى منتصف العام المقبل على الأكثر. وذلك بسبب دخول المنظومة السياسية الأمريكية إلى المراحل الأخيرة للانتخابات الرئاسية والكونغرس (تشرين الأول 2024). ومن أجل المصادقة على الاتفاق، سيكون مطلوباً من الرئيس بايدن تجنيد دعم على الأقل 26 سيناتور جمهوري (المطلوب مصادقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ – 67 سيناتور)، وذلك على فرض أن جميع الـ 51 السيناتور الديمقراطي سيؤيدون الاتفاق، بمن فيهم الذين يتبعون نهجاً عدائياً ضدّ ولي العهد السعودي. بناء على ذلك يبدو أنه في حال لم تنجح الأطراف في بلورة صفقة في الأشهر المقبلة، المدلول سيكون تأجيلها على الأقل حتى صيف 2025، حيث تبلور الإدارة الجديدة سياساتها في المسائل الخارجية.

معاني وتوصيات

دولة إسرائيل بقيادة نتنياهو تواجه مفترق قرار تاريخي للدفع قدماً باتفاق سلام مع الدولة الأهم في العالم العربي والإسلامي. يتعلق الأمر باتفاق سيغير الميزان الاستراتيجي في الشرق الأوسط لسنوات عديدة قدماً. بناءً على ذلك، قبل كل شيء، ينصح أن يعلن رئيس الحكومة إلغاء كامل لخطوات تغيير الجهاز القضائي من أجل وقف تآكل القوة الاستراتيجية الشاملة لإسرائيل وإعادة العلاقات مع الإدارة الأمريكية إلى مسارها الطبيعي.

ونظراً للتداعيات الاستراتيجية للاتفاق، فإن الحكومة الإسرائيلية مطالبة بإجراء فحص معمّق مع الجهات المعنية في الدولة للفوائد والمخاطر الموجودة في طلبات ولي العهد السعودي. عملياً، يجب على الحكومة التأكد من أن تحفظ الولايات المتحدة التفوق النوعي الذي يتمتع به الجيش الإسرائيلي والتأكد من إنشاء آليات أمنية كافية لتشديد الرقابة والقيود على البرنامج النووي المدني الذي تطمح المملكة العربية السعودية إلى إنشائه. وفي هذا السياق، يجب على إسرائيل أن تعارض أي خطة من شأنها أن تسمح للسعودية بتخصيب اليورانيوم على أراضيها، نظراً للمخاطر الكثيرة الكامنة في ذلك، وكما ذكرنا، الخوف من أن يؤدي ذلك إلى اختراق الحواجز وسباق نووي في الشرق الأوسط.

الدكتور شاي هار تسفي – معهد السياسيات والاستراتيجية (جامعة رايخمن)

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

التطبيع مع السعودية.. مصالح مقابل تحديات

التطبيع مع السعودية.. مصالح مقابل تحديات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تقف إسرائيل اليوم أمام فرصة تاريخية للدفع قدماً نحو اتفاق ...

إقليميات

ركب التطبيع المتهالك وهتاف الجماهير.. لا تصالح

ركب التطبيع المتهالك وهتاف الجماهير.. لا تصالح ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هيثم أبو الغزلان ــــــــــــــــــــــ في الوقت الذي تزداد فيه الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين؛ أرضاً، وبشراً، ...

دوليات

نتائج الهجوم الأوكراني المضاد مخيبة لآمال إدارة بايدن اليورانيوم المنضب محاولة جديدة لتغيير معادلات الميدان

نتائج الهجوم الأوكراني المضاد مخيبة لآمال إدارة بايدن اليورانيوم المنضب محاولة جديدة لتغيير معادلات الميدان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ خيبت النتائج المتواضعة للهجوم العسكري ...

محليات

القوات رأس حربة في مواجهة مبدأ الحوار وفشل مبادرة الرئيس بري ستدخل لبنان في المجهول

أوساط سياسية للبلاد: عشية وصول الموفد الفرنسي... القوات رأس حربة في مواجهة مبدأ الحوار وفشل مبادرة الرئيس بري ستدخل لبنان في المجهول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد ...