خطاب رئيس الموساد في مؤتمر رايخمن: "للموساد مشكلة في التعامل مع التهديدات الاستراتيجية"

خطاب رئيس الموساد في مؤتمر رايخمن:
"للموساد مشكلة في التعامل مع التهديدات الاستراتيجية"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتب اللواء في الاحتياط تايمر هامين، رئيس شعبة الاستخبارات سابقاً، بعد يوم على خطاب رئيس الموساد ددي بارنيع، في معهد السياسات ضد الإرهاب في جامعة رايخمن، بأن "إيران تتواجد في أفضل وضع لها من الناحية الأمنية في السنوات الأخيرة".
وكتب هايمن: "من الناحية العملية، هذه دولة على عتبة السلاح النووي وتعكس ردعاً نووياً دون أن تدفع كلّ الأثمان التي يتعيّن على الدولة التي تحتفظ بقنبلة في قبوها أن تدفعها". وبذلك ناقض هايمن (رئيس شعبة الاستخبارات سابقاً) كلام بارنيع بأن الذي قال بأن الموساد سيهتم بأن لا يكون لإيران سلاح نووي على الإطلاق.
إنها ليست المرة الأولى التي يعرض فيها الموساد وشعبة الاستخبارات أراءً متضاربة. فقط في الفترة الأخيرة، على خلفية 50 عاماً على حرب يوم الغفران، لا يزال التوتر بين الجهازين مستمراً حول مسألة ما إذا كان "الملاك" (عميل مصري كان لصيقاً لأنور السادات) مزدوجاً.
تركيز على العمليات التكتيكية
الخطاب الأخير لبارنيع، في مؤتمر معهد السياسات والاستراتيجية في جامعة رايخمن، كشف مشكلة الجهاز في التعامل مع التهديدات الاستراتيجية على إسرائيل، وعلى رأسهم، النووي الإيراني. معظم الخطاب، وليس من فراغ، كان مركّزاً على التهديدات التكتيكية لرئيس الموساد ضد الخلايا الإيرانية التي تحاول قتل يهود في الخارج.
بالطبع، يتعلق الأمر بتهديد خطير يجب معالجته، لكن السؤال الذي يطرح: ما هي الوظيفة الأساسية للموساد كجهة تجسس خارجية الوحيدة لدولة إسرائيل؟. وعلى هذا النحو، فإن وظيفته هي التحذير من الحرب. وفي الترتيب الثاني، يتولى الموساد مهمة إحباط أو مراقبة التهديدات الاستراتيجية، وعلى رأسها الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. العمليات التكتيكية مثل مطاردة الوحدات الإيرانية مهمة، لكنها ليست الجوهر الأساسي للجهاز.
طوال 23 عاماً يحاول الموساد تأخير أو إيقاف (اعتماداً على من تسأل) المشروع النووي العسكري الإيراني. وعلى الرغم من أن البحث على محرك البحث جوجل سوف يثمر عن عناوين رئيسية مذهلة، إلا أنه في واقع الأمر، كما زعم هيمان هذه الأيام، فإن إيران تمتلك من المواد النووية المخصبة ما يكفي لبناء ستة منشآت نووية (المنشأة = القنبلة).
وبالطبع السؤال الذي يُطرح هو كيف استغرق لإيران كلّ هذا الوقت لتطوير قنبلة نووية؟ (بفرض أنها لا تمتلك ذلك بعد، كما تقول الأجهزة الاستخبارية في إسرائيل والولايات المتحدة). لقد أجرت إيران جميع التجارب على مكونات القنبلة حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تقريباً في الوقت الذي تم فيه تعيين مائير داغان رئيساً للموساد وأمره إريك شارون بتأخير البرنامج النووي الإيراني.
منذ ذلك الوقت، لم تجرِ إيران تجربة رسمية ولم تعرض منشأة (كما فعلت على سبيل المثال كوريا الشمالية). إيران، عن قصد بدايةً، اختارت مسار الضبابية. والموساد صَعَدَ (استغل) هذا الغموض لكي يسوّق للجمهور في إسرائيل نجاحات عملياتية. حتى لو كانت هناك أمور كهذه، الكلاب تنبح والقافلة تمر.
جاء في تقرير isis الأمريكي، الذي يعمل منذ سنوات مع الموساد لضرب إيران منذ سنوات، بان: "إيران تحتفظ بالقدرة، بواسطة 40 كيلوغرام من اليورانيوم العالي التخصيب بنسبة 60% وثلاث أو أربع سلاسل متطورة من أجهزة الطرد المركزي، للانطلاق نحو قنبلة وإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب للاستخدام في صنع الأسلحة خلال 12 يوماً".
وكتب هايمن عن ذلك: "لقد اعتدنا على الوضع. لقد قمنا بتطبيع التهديد. وإذا واصلنا الاعتياد على هذا الوضع الخطير ولم نقم بتغيير استراتيجي، سننتهي مع إيران نووية".
وسائل قتالية روسية
إلى جانب النتائج المثيرة للجدل بشأن أداء الموساد فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وضع رئيس الموساد أيضاً اسم روسيا في عناوين الأخبار. بأنها على وشك أن تزود إيران بالوسائل القتالية التي ستشكل تهديداً على إسرائيل. روسيا زوّدت إيران بطائرات تدريب في الفترة الأخيرة، ويتوقع، ربما، أن تزود إيران بطائرات قتالية في المستقبل.
كيف ينوي الموساد التعامل مع روسيا في هذا الشأن؟ تدمير المعدات العسكرية الروسية على الأراضي الإيرانية؟ تدمير طائرات النقل الروسية في الجو؟ القضاء على كبار المسؤولين في صناعة الأسلحة الروسية؟.. وحتى لو افترضنا أن الموساد قادر تقنياً على القيام بذلك، فإن روسيا ليست إيران. الموساد لا يريد أن يبدأ حرباً مع المخابرات الخارجية الروسية، هذا على ما يبدو قد لا ينتهي بشكل جيد. ومن المتوقع أيضاً أن تؤدي حرب الظل مع روسيا إلى جبي أثمان سياسية وجيو/سياسية من الحكومة الإسرائيلية، وهو أمر ليس من المؤكد أن أي شخص في القدس يريد دفعه.
مال صيني
إلى جانب صعوبات الموساد في التعامل مع النووي الإيراني مع الوسائل القتالية الروسية في إيران، ثمة تحديان استراتيجيان، أشار رئيس الموساد في خطابه إلى جانب استراتيجي آخر يجد الموساد صعوبة في التعامل معه، وهو الصين. وفقاً لبارنيع، تُعدُّ الصين واحدة من أكبر مشتريي النفط من إيران خلال السنوات القليلة الماضية، التي فرضت فيها عقوبات صارمة على صناعة النفط الإيرانية. المال الصيني يزوّد طهران بأنبوب أوكسجين مالي يساعد في التعامل مع طوق العقوبات الغربية.
كيف ينوي الموساد التعامل مع الصين؟ إغراق الناقلات في خدمة الصين التي تغادر إيران؟ القضاء على كبار المسؤولين في صناعة النفط الصينية؟ ومن الواضح لأي شخص لديه فهم أنه من المشكوك فيه ما إذا كان الموساد لديه أي نفوذ في الصين على الإطلاق. سواء بسبب الاختلافات اللغوية والثقافية أو بسبب قدرة المؤسسة على تطوير البنية التحتية في بلد كبير مثل الصين.
أضف إلى ذلك تقنيات المراقبة المتوفرة في الصين، ما يثير الشك في مدى سهولة قيام الموساد بتشغيل عملاء في نظام مراقبة كهذا. ولم نتحدث عن الموافقة التي يجب الحصول عليها من رئيس الحكومة لمثل هذا النشاط. يمكن الافتراض أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد حقاً التورط مع الصينيين بشأن النفط الإيراني. وحتى الأمريكان لا يهتمون بذلك.
التركيز: العمل التكتيكي
في الخلاصة، يمكن أن نفهم لماذا ركّز خطاب رئيس الموساد على العمل التكتيكي للتعقب وتهديد الخلايا الإيرانية أو التي تعمل تحت اسم إيران، التي تحاول قتل إسرائيليين في الخارج. الموساد ممتاز في العمل التكتيكي.
يتضمن تاريخ الجهاز نجاحات في ملاحقة النازيين والإرهابيين. مع ذلك، في القضايا الاستراتيجية، مثل الملف النووي الإيراني، والدعم الاقتصادي الصيني لإيران، والدعم العسكري الروسي لإيران - هذه تحديات صعبة على الموساد -. ولذلك لم يركز عليهم رئيس الموساد في خطابه.
حتى في الملعب الأمريكي الأمر ليس سهلاً على الموساد. أفيد في الفترة الأخيرة أن الأمريكيين ينوون القيام بصفقة أسرى مقابل مال مع إيران. في النهاية، قرر الأمريكيون الإفراج عن الأموال المحتجزة في كوريا الجنوبية لصالح إيران. وهناك أيضاً اتفاق نووي جديد يجري صياغته سراً على ما يبدو بين واشنطن وطهران. كيف يؤثر الجهاز على القرارات في البيت الأبيض؟ أصلاً إذا كان له ذلك؟.
ظروف مخففة
ليس هناك شك في أنه ليس من السهل عموماً جمع المعلومات الاستخبارية في الخارج. إلى جانب التحديات العملياتية المتمثلة في اختراق المنظمات والوصول إلى صنّاع القرار على الجانب الآخر، أدّت سياسة الاتفاق الإسرائيلية في السنوات الأخيرة إلى تقييد الموساد بسبب التكلفة الجيوسياسية الكامنة في التجسُّس بين "أصدقاء" أو "أصدقاء المستقبل".
وفي السنوات الأخيرة، تنتقل إسرائيل من استراتيجية "الحرب مع الجميع" إلى استراتيجية "الاتفاقات مع الجميع". اتفاقيات إبراهيم في الخليج، والمنتدى الآسيوي الذي روّج له نتنياهو في زيارته الأخيرة لقبرص، والجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاقات في أفريقيا تديرها وزارة الخارجية وغيرها. في سياسة الاتفاقيات، قد يؤدي التجسس المتبادل إلى تكلفة جيو/سياسية، وهي حقيقة تجعل من الصعب أيضاً على الموساد التعامل مع التهديدات الاستراتيجية.
إضافة إلى ذلك أن التعامل مع قوى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي يختلف تماماً عن بناء سيطرة استخباراتية في بلد مثل إيران أو سوريا. سواء في جانب البنية التحتية (التكلفة، التحديات التشغيلية، الحجم المادي)، وفي جانب التعامل مع أجهزة مكافحة التجسس المحلية أو في جانب رد الفعل المضاد من الجانب الآخر.
من هنا يطرح السؤال، هل الموساد في تشكيلته الحالية، مبني للتعامل مع تحديات استراتيجية مشاركة فيها دول كبرى مثل الصين، روسيا، أوروبا والولايات المتحدة. تحديات التي يتوقع أن تصبح أكثر تعقيداً في السنوات المقبلة.
موقع إسرائيل دفينيس – عامي روحكس دومبا