كيم في روسيا.. الغرب قلق من التعاون العسكري بين موسكو وبيونغ يانغ
ابتسام الشامي

كيم في روسيا..
الغرب قلق من التعاون العسكري بين موسكو وبيونغ يانغ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
على الرغم من أنه ليس اللقاء الأول من نوعه، إلا أن التوقيت السياسي لزيارة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون روسيا ولقائه رئيسها فلاديمير بوتين، منحها الكثير من الأبعاد، وفي مقدمها البعد العسكري الذي أشعل الأضواء الحمر في واشنطن والعواصم الغربية.
زيارة بأبعاد متعددة
لم يخالف كيم جونغ أون التوقعات الأمريكية بزيارة وشيكة له إلى روسيا، وكما في التسريبات المتعمدة عن كيفية حصول الزيارة وطبيعتها، وصل الزعيم الكوري الشمالي إلى روسيا بقطاره الخاص المصفح، الذي سبق أن استخدمه عام 2019 في زيارته إلى فيتنام، حيث التقى الرئيس الأمريكي في حينه دونالد ترامب. وفي قاعدة فوستوشني الواقعة في أقصى شرق روسيا، اختار بوتين استقبال ضيفه، في أحدث موقع لإطلاق الصواريخ الفضائية الروسية، في إشارة إلى أهداف الزيارة، وفي جوهرها تطوير العلاقات العسكرية بين الجانبين، وهو ما أكدته لاحقاً نتائجها، وكذلك الخطاب السياسي الذي تبادله الزعيمان خلالها.
ضيف روسيا الذي وصلها بعد جولة داخل حدود بلاده المحاصرة شملت خمسة مصانع أسلحة تنتج الصواريخ الباليستية، ومحركات المسيرات، والقذائف الصاروخية، وتدشين غواصة قادرة على إطلاق صواريخ محمّلة برؤوس نووية، ذهب بعيداً في تأييد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، واصفاً إياها بالحرب المقدسة. ونقلت عنه وسائل الإعلام الروسية قوله: "لقد ارتقت روسيا لقتال مقدّس لحماية سيادتها وأمنها ضد القوى المهيمنة.. ونحن سندعم دائماً قرارات الرئيس بوتين والقيادة الروسية". مضيفاً "نحن واثقون من أن جيش روسيا وشعبها سيحققان بالتأكيد نصراً كبيراً في النضال المقدس لمعاقبة تجمع الشر". بدوره، أكّد بوتين، لضيفه أن اجتماعه به يعقد في وقت مميز لتزامنه مع مناسبة مرور 75 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وكوريا الشمالية، حيث كانت موسكو من أوائل الدول التي اعترفت رسمياً بنظام كوريا الشمالية في أعقاب حرب الكوريتين وما تلاها من شطر خط الهدنة، شبه الجزيرة إلى شطرين.
وعلى الرغم من أن العلاقات بين الجانبين تعود إلى منتصف القرن الماضي، إلا أنها في هذه المرحلة تأخذ طابعاً خاصاً ربطاً بالتحولات التي شهدها العالم في إطار الصراع المتنامي والمنافسة الجيوسياسية بين القوى الكبرى من جهة، وفشل سياسة الحصار الأمريكية في تقويض طموحات عدد من الدول في الاستقلال وعدم التبعية وبناء القوة التي تمكّنها من مواجهة سياسات الإخضاع، سواء بالقوة العسكرية أو الحصار الاقتصادي. وبهذا المعنى يمكن القول إن كوريا الشمالية قدمت نموذجاً في تحدي الإرادة الأمريكية، ففي ظل الحصار الخانق السياسي والاقتصادي الذي تعاقبت على فرضه الإدارات الجمهورية والديمقراطية في واشنطن ومحاولات الأخيرة عزل الدولة التي صنفتها في محور الشر، نجحت بيونغ يانغ في تأسيس بنية صلبة للصناعات المدنية والعسكرية، شملت مختلف أنواع المعدات القتالية وصولاً إلى الصواريخ البالستية ذات الرؤوس النووية العابرات للقارات، والتي باتت تلامس في مدياتها الطويلة سواحل الولايات المتحدة الأمريكية، من دون أن ننسى نجاحها في إنتاج الصواريخ الفرط الصوتية، ومحاولاتها إطلاق صواريخ باتجاه الفضاء، ولعلَّ تعاونها مع روسيا في هذا المجال سيحسن لاحقاً من قدراتها، ويحقّق طموحاتها الفضائية، وهو ما تراهن عليه كوريا الشمالية التي عزّزت علاقاتها مع روسيا ما بعد إطلاق الأخيرة عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، مستفيدة من حاجتها أولاً إلى العتاد العسكري بمختلف أنواعه لإمداد الحرب الطويلة، وثانياً سقوط الكثير من التحفظات الروسية السابقة والحسابات السياسية لموسكو في تطوير صلاتها بنظام تعاديه واشنطن وتفرض عقوبات على التعامل معه. وقد أمكن خلال الأشهر الماضية ملاحظة التقدم في العلاقات بين الجانبين على وقع تطور الصراع الروسي الأطلسي، وكان من أبرز تجليات هذا التقدم، الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى كوريا الشمالية في شهر تموز الماضي، لحضور عرض عسكري. الزيارة التي رافقه فيها نائبه المسؤول عن المشتريات العسكرية الجنرال اليكسي كريفوروتشكو، شملت أيضاً جولة برفقة الزعيم الكوري الشمالي، على معرض للأسلحة يضمُّ نماذج من مفخرة صناعات البلاد في المسيرات الهجومية، وطائرات الاستطلاع، وأحدث جيل من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وإذ تعهد المسؤول الروسي في ختام زيارته، تعزيز تعاون بلاده مع كوريا الشمالية، فإن سبل التعاون فُتِحَتْ على مصراعيها، ومن ضمنها التدريبات العسكرية المشتركة، حيث أعلن الأسبوع الماضي أن موسكو تدرس ضم بيونغ يانغ إلى مناورات بحرية مشتركة مع الصين.
الغرب القلق يحذر من زيادة التعاون العسكري
زيارة زعيم كوريا الشمالية إلى روسيا بناء على ما تقدم من معطيات، تصبح تتويجاً لمسار من تطور التعاون العسكري وليس افتتاحاً له، ولعلّ هذا ما أثار قلق الدول الغربية، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية. فإلى ما تحمله الزيارة من أبعاد سياسية يتقدمها تبلور تحالف ثلاثي استراتيجي، قوامه الصين، كوريا الشمالية، روسيا، وحجز الأخيرة موطئ قدم لها في قضية الكوريتين، فإن ثقل القلق الغربي يتركز على البعد العسكري للزيارة وهو ما يمكن ملاحظته في ردود الفعل الصادرة عن العواصم الغربية قبيل وأثناء الزيارة، وكذلك في مواكبة وسائل إعلامها للحدث. وفي هذا السياق نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن خبراء قولهم إن موسكو "تسعى للحصول من بيونغ يانغ على مخزونها من قذائف المدفعية التي تحتاج إليها في حربها بأوكرانيا، في حين تريد كوريا الشمالية الحصول من روسيا على مساعدة لتحديث عتادها القديم الذي يعود إلى الحقبة السوفياتية وبخاصة عتاد قواتها الجوية والبحرية". ولعلّ ما تخشاه الولايات المتحدة الأمريكية من تعزيز العلاقات الروسية مع كوريا الشمالية، تجاوزها السقوف المعتادة في علاقات البلدين، وذهاب روسيا بعيداً في سياق المواجهة المفتوحة مع القوى الغربية في أوكرانيا، نحو إمداد كوريا الشمالية بالتكنولوجيات العسكرية المتطورة، بما فيها تكنولوجيا أقمار الاستطلاع العسكرية، والغوّاصات العاملة بالطاقة النووية، إضافة إلى الطائرات المقاتلة، وهو ما من شأنه أن يحسِّن موقعها في إطار مواجهتها للحصار الأمريكي المفروض عليها. وقد وجدت هذه المخاوف الأمريكية ترجمتها في ردود فعل بعض المسؤولين الأمريكيين على زيارة كيم لروسيا، ومن بينهم الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون، الذي "حث" الجانب الكوري على "وقف مفاوضات الأسلحة مع روسيا". أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، فقد فضل التلويح بالعقوبات مجدداً، وقال "أود أن أذكر البلدين بأن إرسال كوريا الشمالية أي أسلحة إلى روسيا سيُعتبر انتهاكاً مباشراً لقرارات مجلس الأمن الدولي"، مؤكداً أن بلاده "ستواصل فرض عقوباتها الخاصة ولن تتردد في فرض عقوبات جديدة".
التحذيرات من التعاون العسكري الروسي الكوري الشمالي، انسحبت أيضاً على "حلفاء" الولايات المتحدة الأمريكية. فقد دعت كوريا الجنوبية كلّاً من روسيا وكوريا الشمالية للوفاء بواجبهما فيما يتعلق بعدم تبادل الأسلحة. وقال مجلس الأمن الوطني في كوريا الجنوبية إنه يتعين على الدولتين الامتثال للالتزام بحظر التجارة في مجال الأسلحة والتعاون العسكري، وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي وعقوبات دولية مختلفة. وأضاف المجلس "محذراً" من أن سيول سوف "تتعامل بحزم مع مسألة التعاون العسكري بين بيونغ يانغ وموسكو بالتزامن مع التشاور مع الولايات المتحدة واليابان والمجتمع الدولي". وفي حين ندد زعيم الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية بما سماه "اتفاق الشيطان" بين موسكو وبيونغ يانغ، حذّرت طوكيو من أي "انتهاك" للعقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي على بيونغ يانغ والتي تمنعها من إبرام صفقات أسلحة. وقالت وزيرة الخارجية اليابانية إن بلادها "تتابع بقلق" المحادثات بين روسيا وكوريا الشمالية، لا سيما على ضوء "احتمال أن تؤدي إلى انتهاك للحظر المفروض من قبل مجلس الأمن الدولي على إبرام أي صفقة متعلقة بالأسلحة مع كوريا الشمالية".
خاتمة
غيّرت المواجهة الروسية الأطلسية الدائرة في أوكرانيا قواعد الاشتباك الدولي، وهي اذ هدفت إلى تفكيك روسيا او خنقها في الحد الأدنى، فإنها أعطتها المبرر لتجاوز الكثير من الاعتبارات التي حكمت أداءها السياسي وعلاقتها الدولية، وما تطوير تعاونها العسكري اليوم كوريا الشمالية، وقبلها مع إيران، وارتقاء علاقاتها مع الصين لتحالف استراتيجي، سوى تجليات من التحول الكبير الذي تعيشه روسيا في إطار مواجهتها التحديات المفروضة عليها، وإعادة تعريف مكانتها الدولية في عالم ينزاح نحو نظام جديد.