مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: " نتنياهو يؤجل إعلان الهدنة الدائمة ووقف إطلاق النار لأنه يعلم أنه سيدفع الثمن الأكبر لنتائج العدوان على غزة وفشله في مواجهة ملحمة طوفان الأقصى"

العدد رقم 416 التاريخ: 2023-12-01

اتفاق دفاعي بين واشنطن والرياض: الجدوى والتداعيات على إسرائيل

اتفاق دفاعي بين واشنطن والرياض: الجدوى والتداعيات على إسرائيل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في إطار المبادرة الإقليمية التي تدفع نحوها الإدارة الأمريكية، تريد العربية السعودية التوقيع على اتفاق دفاعي بينها وبين الولايات المتحدة. إن تعزيز الالتزام تجاه حليف مركزي مثل المملكة العربية السعودية ومعه زيادة الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط هو مصلحة إسرائيلية واضحة.

لذلك، لا ينبغي أن يكون لدى إسرائيل مشكلة أساسية مع الالتزام الأمني الأمريكي تجاه المملكة، بما في ذلك اتفاقية الدفاع بين الدولتين.  لكن على إسرائيل أن تشترط موافقتها على التقارب بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بعدم تقديم تنازلات أمريكية في المجال النووي، الأمر الذي قد يمس بأمنها.

تدير الإدارة الأمريكية في الأشهر الأخيرة حواراً وثيقاً مع السعودية، الغرض منه "صفقة كبيرة" التي، بحسب تعريف مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، الذي زار الرياض أيضاً (منتصف آب 2023)، التوصل إلى الاستقرار في الشرق الأوسط. يتعلق الأمر بصفقة بين السعودية والولايات المتحدة، التي يمكن أن تتضمن أيضاً عنصر التطبيع بين القدس والرياض. السعودية من جانبها أعربت عن اهتمام بالتوقيع على الاتفاق الدفاعي مع الولايات المتحدة.

أدارت الولايات المتحدة اتصالات حول هذا الموضوع في السنوات الأخيرة أيضاً مع الإمارات العربية، حتى الآن يدون نجاح. حالياً، على خلفية المبادرة الإقليمية التي تقودها الإدارة الأمريكية، طرحت مرة أخرى مسألة الاتفاق الدفاعي السعودي – الأمريكي، وهذه المرة كجزء من طلبات المملكة مقابل التطبيع مع إسرائيل. حتى الآن، بحسب المتحدثين باسم الإدارة الأمريكية، "لا يوجد لنا إطار ولا توجد لدينا الظروف الجاهزة للتوقيع، لا يزال هناك عمل يتعين القيام به"، على الرغم من أنه وفقاً لسوليفان هناك "فهم واسع للعديد من العناصر الأساسية". وفي هذا المقال سيتم دراسة جدوى الطلب السعودي وتداعياته.

الإدارة الأمريكية مهتمة بفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع السعودية، على الرغم من موقفها البارد تجاهها في بداية ولايته (وصف الرئيس بايدن المملكة بالدولة "المجذومة" في حملة الانتخابات الرئاسية، بل وهدد بـ "عواقب" بسبب رفضها طلبه زيادة إنتاج النفط). ومن المرجح أن هذا التحول يستند إلى فهم مفاده أن الولايات المتحدة يجب أن ترد على محاولات الصين توسيع تدخلها في الشرق الأوسط، ومن جملة أمور، ستهم بذلك أيضاً مشاركة الصين في اتفاق استئناف العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية. على هذه الخلفية يجب النظر إلى بيان الرئيس بايدن، على هامش قمة G-20 التي جرت في الهند في شهر أيلول، بخصوص المبادرة إلى مشروع بنية تحتية طموح يربط الهند بالبحر المتوسط، الذي تتواجد السعودية في صلبه.

المقابل الذي من المحتمل و/أو يبدو أن الولايات المتحدة ستطلبه من السعودية من أجل تحقيق الصفقة "الكبيرة"، بما في ذلك تعميق الالتزامات الأمنية الأمريكية تجاه المملكة:

• تقليص العلاقات بين الرياض وبكين في مختلف المجالات، مع التركيز على التعاون التكنولوجي والأمني والنووي.

• سلوك سعودي أكثر "مسؤولية" في مجال الطاقة ومراعاة المصالح الأمريكية في هذا المجال.

• اتخاذ خطوات بناء ثقة تجاه إسرائيل، كجزء من عملية التطبيع تأخذ في الاعتبار حساسيات المملكة.

• عمل سعودي تمهيداً لإنهاء الحرب في اليمن.

• مطالب في مجال حقوق الإنسان والجهاز القضائي في السعودية.

• طلب أن يقوم السعوديون بتحسين وتعزيز (وتمويل) البنية التحتية اللوجستية الأمريكية في السعودية.

يحظى تحسّن العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة حالياً بمؤيدين في واشنطن من طرفي الطيف السياسي، ومن البارز في هذا السياق محاولة السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام إقناع زملائه الجمهوريين، بمن فيهم المرشح الرئاسي دونالد ترامب، بدعم المبادرة التي تقودها الإدارة الأمريكية. ومع ذلك، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت الولايات المتحدة لديها الحماس للدخول في التزام دولي عميق بشكل عام وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، التزام سيتطلب تخصيص قوات وموارد طوال الوقت، خصوصاً عندما تكون المصلحة الأمريكية الأكثر إلحاحاً تقع في جنوب شرق آسيا.

أكثر من ذلك، معقولية الجاهزية الأمريكية للتوقيع على اتفاق دفاعي مُلزم وفقاً لنموذج الناتو (البند 5) منخفضة لأنه سيلزم الولايات المتحدة من الناحية القانونية النظر إلى أي هجوم على السعودية كما لو أنه هجوم عليها. لكن قد يكون بالإمكان إيجاد قاسم مشترك إذا قبل السعوديون من الولايات المتحدة اتفاقاً يساهم حقاً بالتعاون الأمني بين الدولتين ومع ذلك يكون أقل إلزاماً من هذا النموذج. والنموذج المحتمل الذي يمكن الاعتماد عليه هو الاتفاق الموقع مؤخراً بين الولايات المتحدة والبحرين. علاوة على ذلك، فإن عنصر اتفاق دفاعي ليس العنصر الإشكالي الوحيد للإدارة، التي سيتعين عليها التغلب على العديد من الاعتراضات، بما في ذلك بين المشرعين الديمقراطيين، وكذلك فيما يتعلق بالمطلب السعودي بالسماح لها بتطوير قدرات مستقلة لتخصيب اليورانيوم على أراضيها.

من ناحية السعودية، المصلحة الأولى العليا هي الدفاع الأمريكي من هجمات إيرانية. لا يخشى السعوديون من القيود على حرية عملهم (كما يوجد في إسرائيل)، لأن قوتها العسكرية محدودة على أي حال، وبالتأكيد فيما يتعلق بإيران. لكن، اتفاق دفاعي رسمي مع الولايات المتحدة، وبشكل خاص إذا كان ملزماً بالبند 5 لدى الناتو (والذي قد يُطلب من المملكة تقديم تنازلات كبيرة تجاه إسرائيل) ستزيد من فرص المساعدة الأمريكية في حالة وقوع هجوم على المملكة العربية السعودية. وتسعى السعودية جاهدة إلى إضفاء طابع رسمي وثيق على الاتفاق الناشئ مع واشنطن أيضاً على خلفية الشك الذي برز في السنوات الأخيرة بشأن الاستعداد الأمريكي للدفاع عنها، من بين أمور أخرى في ظلِّ عدم وجود ردٍّ أمريكي على الهجوم الإيراني على المنشآت النفطية في المملكة في أيلول 2019. في انتشار قوات القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة - القيادة الوسطى الأمريكية - هناك انخفاض بنسبة 85% مقارنة بعام 2008، عام الذروة، وحتى بين عامي 2022 و2023 هناك انخفاض بنسبة 15% (بسبب الانسحابات من أفغانستان والعراق).

التحالف الدفاعي المتبادل ليس "منتجاً للعرض" وحيداً. ككل معاهدة دولية هو نتاج توافق بين دول، لديهم حرية بلورته وفقاً لمصالحهم.

في المستوى الأعلى المعاهدات والاتفاقيات الأمنية - معاهدة الناتو وداخلها المادة الخامسة التي تلزم أعضاء الحلف باتخاذ خطوات لمساعدة بعضهم البعض، بما في ذلك العمل العسكري، إذا تعرض أحد أعضاء الحلف الآخرين لهجوم عسكري.

المستوى الأدنى - يمكن للولايات المتحدة أن تحدّد أن المملكة العربية السعودية هي شريك دفاع رئيسي (MDP)، وهي خطوة تقع ضمن سلطة الرئيس، والتي لن تلزم الولايات المتحدة باتخاذ أي خطوة إلى جانب المملكة العربية السعودية.

في المستوى السفلي - يمكن للولايات المتحدة أن تحدّد أن المملكة العربية السعودية هي Major-Non NATO Ally (MNNA).  ويسمح هذا التعريف للدول بزيادة تعاونها الأمني والتكنولوجي، ولن يُلزم الولايات المتحدة أيضاً (يتم تعريف إسرائيل على هذا النحو، إلى جانب مصر وقطر والبحرين وباكستان وغيرها).

إن تعزيز الالتزام الأمريكي تجاه الشرق الأوسط وتجاه حليف مركزي فيه مثل المملكة العربية السعودية، إلى جانب زيادة الوجود العسكري في الخليج العربي، هو مصلحة إسرائيلية واضحة. لذلك، لا ينبغي أن يكون لدى إسرائيل مشكلة كبيرة مع دخول الولايات المتحدة في أي التزام أمني مع المملكة العربية السعودية، بما في ذلك التوقيع على اتفاق دفاعي. هذه هي الخلفية للأسباب التالية:

• مع ذلك، فإن القدس والرياض تتعاونان في مختلف المجالات الأمنية والاستخباراتية منذ سنوات عديدة، وقد يؤدي اتفاق أمريكي سعودي إلى تعزيز هذا الاتجاه.

• الاتفاق الدفاعي السعودي – الأمريكي سيساعد في المساعي الإقليمية لكبح التوسع الإيراني في المنطقة.

• زيادة التعاون الأمني بين واشنطن والرياض سيكون بمثابة منصة لرفع مستوى قدرات إسرائيل "على سبيل التعويض".

الاتفاق الدفاعي مع الولايات المتحدة مصلحة سعودية كبرى، لكن السعودية لن تكتفي بالتزام أمريكي بأمنها من أجل الموافقة على "صفقة تطبيع" مع إسرائيل. من المرجح أن الرياض لن تتنازل وستصر على تلبية مطالبها الأخرى أيضاً، وعلى رأسها موافقة الحكومة الأمريكية على رفع قدراتها في المجال النووي، وعلى وجه الخصوص، تشغيل دورة وقود نووي كاملة، بما في ذلك اليورانيوم. التخصيب، داخل نطاق المملكة - أيضاً على ضوء صعوبة الرد من قبل الإدارة وإسرائيل بشكل إيجابي على ذلك.

وهذا الطلب السعودي يضع إسرائيل، التي لها مصلحة واضحة في التوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية، أمام معضلة كبيرة. ففي الوقت الذي يمكن لإسرائيل أن توافق على اتفاق دفاعي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، يجب عليها أن تعرب عن معارضتها للتنازلات الأمريكية في المجال النووي: ستسمح دائرة الوقود المستقلة للسعودية بتجميع القدرات والمعرفة والمواد في المجال النووي، وقد تسرّع سباق التسلح النووي في دول أخرى في الشرق الأوسط.

معهد أبحاث الأمن القومي – يوآل غوجنسكي (رئيس الساحة الإقليمية ورئيس البرنامج الخليجي بالمعهد) وألداد شبيط (باحث كبير في المعهد)

 

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

اتفاق دفاعي بين واشنطن والرياض: الجدوى والتداعيات على إسرائيل

اتفاق دفاعي بين واشنطن والرياض: الجدوى والتداعيات على إسرائيل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في إطار المبادرة الإقليمية التي تدفع ...

إقليميات

التوافق الإقليمي بين الرياض وطهران يُسْهِمُ في حلِّ الأزمةِ اليمنيةِ

التوافق الإقليمي بين الرياض وطهران يُسْهِمُ في حلِّ الأزمةِ اليمنيةِ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توفيق المديني ـــــــــــــــــــــ تتكثف منذ مدة مساعٍ إقليمية ودولية لإيجادِ حلٍّ سياسيٍّ شاملٍ ...

دوليات

تحالف عسكري دفاعي جديد في أفريقيا.. نزعة الاستقلال تتعزز

تحالف عسكري دفاعي جديد في أفريقيا.. نزعة الاستقلال تتعزز ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ بين احتجاز سفيرها في النيجر وطرد ملحقها العسكري من بوركينا فاسو، ...

محليات

وسط انقسام في اللجنة الخماسية بيروت تنتظر عودة الموفد الفرنسي والحوار هو السبيل لملء الفراغ الرئاسي

أوساط سياسية للبلاد: وسط انقسام في اللجنة الخماسية بيروت تنتظر عودة الموفد الفرنسي والحوار هو السبيل لملء الفراغ الرئاسي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد الضيقة ــــــــــــــــــــــ بانتظار عودة الموفد ...