تحالف عسكري دفاعي جديد في أفريقيا.. نزعة الاستقلال تتعزز
ابتسام الشامي

تحالف عسكري دفاعي جديد في أفريقيا..
نزعة الاستقلال تتعزز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتسام الشامي
ــــــــــــــــــــــــــــ
بين احتجاز سفيرها في النيجر وطرد ملحقها العسكري من بوركينا فاسو، توزّعت الصفعات القاسية لفرنسا في القارة الأفريقية خلال الأيام القليلة الماضي، في وقت تبدو فيه، والدول الغربية محدودة الخيارات أمام تعاظم التحدّي لوجودها الاستعماري التقليدي في قارة بنت تلك الدول أمجادها على ثرواتها وإفقار شعوبها وتخلفهم.
مؤشرات سياسية لتحالف عسكري
أعاد الإعلان عن ميثاق "ليبتاكو - غورما" المؤسس لتحالف دول الساحل في القارة السمراء، تسليط الضوء على واقع انحسار النفوذ الفرنسي في القارة التي استعمرت الكثير من دولها ردحاً طويلاً من الزمن، قبل أن تمنحها استقلالاً شكلياً منتصف القرن الماضي، حافظت معه على مصالحها من خلال طبقة من الحكام "الفرنسيّي" الهوى والتوجّه، كما هي حال أسرة بونغو في الغابون.
التحالف الجديد لدول الساحل الذي ضم مالي وبوركينا فاسو، والنيجر، يهدف بحسب المعلن عنه الى تأسيس إطار للدفاع الجماعي، وتبادل المساعدات بين الدول الثلاث التي تواجه تحديات مشتركة، تتقدمها مواجهة الإرهاب العابر للحدود، و "مقاومة" فرنسا طرد نفوذها من هناك، في أعقاب الانقلابات العسكرية التي شهدتها، مترافقة مع نزعة تحررية شعبية، داعمة للوجوه الجديدة في الحكم وخطابها السياسي المناوئ لهذه الدولة الاستعمارية. وفي ما يتعلق بالتحدي الأخير، فإن الميثاق "الثلاثي" يستبطن في أهدافه إنشاء تحالف عسكري لمؤازرة الدول الثلاث بعضها بعضاً، في حال تعرضت إحداها لاعتداء خارجي، مع إبقاء باريس وحلفائها في مجموعة "إيكواس" خيار التدخل العسكري في النيجر على الطاولة، على الرغم من تراجع فرص هذا الخيار مع عدم وجود إجماع عليه داخل المجموعة، وتهيب عدد من دولها مغامرة من هذا النوع غير محسوبة النتائج. وتأكيداً على البعد الدفاعي للتحالف، أوضح رئيس النظام الانتقالي في جمهورية مالي عاصيمي غويتا "أن هدف هذا التحالف هو القيادة بصورة مشتركة بهيكلة الدفاع الجماعي للدول الثلاث، والمساعدة المتبادلة لصالح شعوب الدول الموقعة على تأسيسه"،
وفي ما أشار رئيس بوركينا فاسو الانتقالي النقيب إبراهيم تراوري، إلى أن "إنشاء تحالف دول الساحل خطوة حاسمة في التعاون بين الدول الثلاث، حرص حاكم النيجر الجديد الجنرال عبد الرحمن تياني على التأكيد على أن ما وصفه بالتوقيع التاريخي على ميثاق ليبتاكو/غورما الذي يؤسس لتحالف دول الساحل، من شأنه أن "ينبني منطقة ساحل سلمية ومزدهرة وموحدة".
رسالة تحدٍّ لفرنسا
وكما أشارت إليه كلمات الجنرالات الثلاث في حفل التوقيع على وثيقة التحالف الذي وصفه بعض المراقبين بالناتو الأفريقي، فإنه ينطوي على أبعاد سياسية لا تقل أهمية عن أبعاده العسكرية. وإذ يذكّر اسم "تحالف دول الساحل" بمبادرة عرفتها منطقة الساحل الأفريقي عام 2017 وهدفت في حينها الدول والجهات الغربية والأفريقية المشاركة، إلى "تعزيز الاستقرار والتنمية الشاملة" في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والديمغرافية لدول الساحل، من دون أن تحقق إنجازات تذكر في أي منها، فإن الإعلان عن تأسيس التحالف الجديد، جاء متزامناً مع رسالة قوية لفرنسا، حملتها تطورات دراماتيكية خاصة "بوجودها" هناك، مع إعلان باريس احتجاز سفيرها في النيجر من قبل "الانقلابيين"، وطرد السلطات الجديدة في بوركينا فاسو الملحق العسكري الفرنسي. وإلى ما يحمله الحدثان من دلالات قوية بشأن التحدي الذي يواجهه النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي خاصة والقارة الأفريقية بشكل عام، فإن تأسيس التحالف الثلاثي يؤكد قوة الاتجاه "الاستقلالي" في القارة المنهوبة، بما يعنيه هذا الاتجاه من قوة دافعة لاستعادة الشعوب الأفريقية عبر من يمثلها في السلطات الحاكمة الجديدة، سيادتها وقرارها المستقل، بما يخدم مصالحها وحدها بمعزل عن مصالح القوى الاستعمارية. ولعل أهم ما في دلالات الحدث الأفريقي ممثلاً بإنشاء التحالف، التوجه إلى التعامل مع التحديات المشتركة، من قاعدة توحيد الجهود والإمكانات، وفي مقدمها العسكرية والاستخبارية، وهو ما من شأنه أن يعطي جهود مكافحة الإرهاب، وكذلك مواجهة النفوذ الفرنسي، قوة قادرة على تغيير المعادلات الميدانية والسياسية التي حكمت المنطقة خلال الأعوام الماضية. ولعل ما أشار إليه نص وثيقة التحالف يوضح بشكل لا لبس فيه الأهداف الاستراتيجية له. وهي تحولات عبّر عنها نص الوثيقة في سياق توضيح الأهداف الاستراتيجية للتحالف. حيث تؤكد وثيقة "ليبتاكو – غورما" - نسبة إلى اسم المنطقة الحدودية بين الدول الثلاث - على أن تساعد البلدان الأعضاء بعضها بعضاً "بما في ذلك المساعدة العسكرية، في حال وقوع هجوم على أي منها مهما كان مصدره". ويضيف نص الميثاق أن "أي اعتداء على سيادة ووحدة أراضي إحدى هذه الدول يعتبر عدواناً عليها جمعاء، وينشأ عنه بصورة تلقائية، واجب تقديم المساعدة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن وضمانه".
صراع النفوذ على أفريقيا
التحول الذي تعيشه منطقة الساحل الأفريقي ودول أخرى في القارة السمراء، في مقاربتها لواقعها وكيفية التعامل مع التحديات الماثلة أمامها وفي مقدمها الإرث الاستعماري الثقيل، يرتكز بشكل أساسي، إلى تنامي الحالة الاستقلالية، وجود عوامل خارجية دافعة ومساعدة، في ظلّ تعاظم صراع القوى الكبرى على النفوذ في العالم، وفيه تبرز القارة الأفريقية بما تكتنزه من أهمية استراتيجية في الجغرافيا والديمغرافيا والثروات، كواحدة من ساحات الصراع المهمة، وهو ما قاد الصين وروسيا إلى تفعيل حضورهما في القارة بأشكال مختلفة من عروض التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني، ما وفّر للدول الأفريقية بديلاً عن القوى الغربية الاستعمارية التقليدية، ولعلّ هذا بالتحديد ما يفسر به الخبراء التطورات التي تعيشها القارة الأفريقية اليوم، ويتعزّز معها الاتجاه الاستقلالي. وبقدر ما يشكله هذا البعد من نافذة فرص للقوى الساعية للاستقلال الحقيقي، بقدر ما يرفع مستوى القلق لدى الدول الغربية على نفوذها الذي تزاحمه موسكو وبكين، وقد جاءت خطوة تأسيس التحالف الثلاثي الجديد لتؤكد لتلك الدول عمق التحولات في القارة الأفريقية. وكان من اللافت جداً في هذا السياق، مشاركة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف في اجتماع مغلق مع وزراء دفاع الدول المعنية بالعاصمة باماكو، قبل الإعلان رسمياً عن تأسيس هذا التحالف، في مؤشر على مباركة روسيا هذا التحالف، ووقوفها خلفه وإلى جانب أعضائه، لتحقيق الأهداف المرصودة لتأسيسه.
خاتمة
يؤكد التحالف العسكري الجديد لدول الساحل الأفريقي، أن ما تشهده القارة الأفريقية يعبّر عن حالة استقلالية معتبرة، بدأت تؤطّر نفسها ضمن تحالفات من شأنها أن تعقّد واقع الدول الغربية في القارة الأفريقية وفي مقدمها فرنسا، خصوصاً إذا ما نجح التحالف الجديد في استقطاب دول أخرى اليه، علماً أن الإعلان عن الحلف الثلاثي تضمّن دعوة صريحة من قبل أعضائه لدول المنطقة للانضمام إليه.