ثقوب سوداء في الحاكمية.. "من يهمل معالجة المشاكل الآن.. في النهاية ستنفجر في وجهه"

"من يهمل معالجة المشاكل الآن.. في النهاية ستنفجر في وجهه"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما نربط معاً أحداث العام الأخير، من الصعب اعتبار الأدلة بأنها محض صدفة، بالعكس، تتبدّى ظاهرة مقلقة: إسرائيل تواجه مشاكل حاكمية على طول الخريطة، بدءاً من أحداث عنف الأريتيريين في جنوب تل أبيب، مروراً بظاهرة الجرائم في الوسط العربي والجريمة الزراعية وفقدان الحاكمية في النقب، وصولاً إلى حقيقة أن الحكومة توقف أشغال إقامة توربينات في هضبة الجولان بسبب تهديدات السكان الدروز للنظام العام.
على مر السنين الحكومات تمنعت، قامت بردود أفعال موضعية، وأجّلت التعامل معها إلى يوم آخر. وهكذا تضخمت أحداث صغيرة إلى أبعاد هائلة تلحق الضرر بشعور المواطنين بالأمن، لكن خطة استراتيجية – لا توجد.
في هذه المقالة، التي تركّز الإخفاقات الأساسية مثلما تظهر بزخم أكبر في الأشهر الأخيرة، اثنان من أعضاء "معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية" يعرضان رؤيتهما فيما خص الحاجة إلى تغيير الرؤية لدى قادة الدولة: من ردود فعل إلى تخطيط واستجابة واسعة لمشاكل الحاكمية (وليس هي فقط) لدولة إسرائيل. البروفيسور العقيد احتياط غابي سيبوني، يقول لـ "إسرائيل هيوم": "معالجة الملحّ وليس المهم هي صفة بشرية. لكننا نتوقع من المؤسسات، من الحكومة، أن تعرف الموازنة بين المُلحّ والمهم. في الأمن الداخلي لإسرائيل هناك مشكلة مستمرة منذ سنوات طويلة، إهمال من جهة، ومن جهة أخرى عدم أداء أجهزة فرض القانون لوظائفها، الذي يزداد مع مرور السنين: شرطة إسرائيل وثقافة عملها محدودتان جدا في معالجة هذه المشاكل".
دون رؤية شاملة
شريكه في كتابة خطة استراتيجية لدولة إسرائيل، البروفيسور كوبي ميخائيل، يشدد: "المشكلة الأساسية في إسرائيل هي أنه ليس فقط لم تُكتب أبداً عقيدة أمن داخلي، بل لم تُبحث مثلما بُحثت عقيدة الأمن القومي العسكرية. بصورة عامة، لدى الحديث عن عقيدة أمن داخلي، الناس يفكّرون بالإرهاب على الحدود أو علاقات يهود – عرب، على سبيل المثال أحداث "حارس الأسوار"، وكذلك أعمال شُرطة. لكن الأمن الداخلي أوسع من ذلك بكثير ويتضمن عناصر أخرى تؤثر على أدائنا وقوتنا".
سيبوني وميخائيل على حدّ سواء يستهلان كمثال بأحداث العنف في جنوب تل أبيب قبل أكثر من أسبوع. يقول ميخائيل: "إنها ليست المرة الأولى التي نصطدم فيها بمشكلة ترتبط بالهجرة. كل قضية العمال الأجانب في إسرائيل – التبعات بالمفهوم الديمغرافي والأثر على سوق العمل الإسرائيلية – لم تُبحث أبداً. ما هي الحاجات وما هي الآثار والأعداد التي يمكن لإسرائيل تحمّلها؟ ما هي آثار بقاء جاليات مهاجرين هنا؟ أين يصحّ توزيعهم جغرافياً؟ أي تبعات لهذا الموضوع على العلاقات الخارجية لإسرائيل؟ للدولة اليوم نظام فابلوفي من ردود الفعل في هذا الشأن، دون رؤية شاملة".
المواضيع الأساسية التي تحتاج إلى معالجة جذرية:
* إرهاب زراعي
* مشاكل الهجرة
* الجريمة في الوسط العربي
* الخوّة
* حارس الأسوار – إرهاب قومي داخلي
* البدو في النقب
* مشاكل حاكمية في النقب والجليل
* الأمن الغذائي
* استعداد لزلازل وفيضانات
ويذكر سيبوني الصِدام بين الحكومة والمحكمة العليا في محاولة معالجة موضوع الجولات السابقة دون نجاح: "في نهاية المطاف، الجريمة الزراعية، الجريمة المنظمة، حجم السلاح غير القانوني، مشاكل حاكمية.. كلها مشاكل عويصة لم تُعالج معالجة جذرية على مر السنين، وهذا يتراكم إلى حد مشكلة استراتيجية خطيرة". ويشير سيبوني مرة أخرى إلى الفشل في التنسيق بين مجمل السلطات، مع التشديد على دور السلطة القضائية، من أجل توفير استجابة ناجعة لمشكلة الحاكمية: "لدينا جهاز قضائي رحيم جداً يفرض عقوبات سخيفة على جرائم كان يُتوقع أن يفرض فيها عقوبات أشد. مشكلة الحاكمية هي مشكلة استراتيجية خطيرة تتطور منذ عشرات السنين. لم تولد الآن. في أحداث حارس الأسوار رأينا أعمال شغب عرب على الطرقات وفي مدن مختلطة، وهذه الأمور ستحدث مرة أخرى في المستقبل. قد نكون في قتال متعدّد الساحات، وفي الساحة الداخلية لا يمكن للشرطة المواجهة".
والآن يتناول الاثنان إقامة الحرس الوطني – في الظاهر خطة صحيحة مع تنفيذ خاطئ، مرة أخرى بسبب غياب تخطيط استراتيجي. يقول ميخائيل: "الآن يتساجلون ما إذا يكون الحرس الوطني خاضعاً للشرطة أو لا. تعالوا نعرف من صلاحياته ما الذي ينبغي أن يتعاطاه وماهية علاقاته مع الأجهزة الأخرى. وفقط عندها نصل إلى مسألة بناء القوة وماذا ستكون صلاحياته وبنيته التنظيمية ومجريات بناء القوة والتشغيل. عندنا يبدؤون من الآخر ونجد أنفسنا نهدر طاقة على ما هو أقل صلة في هذه الآونة".
ليس ثغرة، خلل أساسي في البرنامج
قدرة الشرطة على التعامل مع أحداث "حارس الأسوار" ثبت أنها محدودة. إذا كانت لا تنجح في النقب في التعامل مع أحداث واسعة في مناطق خارج عن سيطرة الدولة، ونفس الشيء حيال الجريمة في الوسط العربي. يقول سيبوني: "هذا ليس ثغرة، إنه خلل أساسي في البرنامج. هناك مشاكل بنيوية في الشرطة يجب معالجتها، وهناك فشل مستمر في الشرطة في كل ما يتعلق بمكافحة الجريمة المنظمة في الوسط العربي، في جمع الأسلحة وفي أماكن لا تدخل الشرطة إليها أبداً خشية وقوع مواجهات. على سبيل المثال، جنوب تل أبيب. من يُهمل هذه المشاكل – في النهاية ستصيبه في وجهه".
إنها مشاكل ضواحي وأطراف لم تسارع حكومات إسرائيل إلى معالجة ما هو أصلاً على الهامش.
"لو ان أحداث الأريتيريين وقعت في ديمونا هل كانوا سينشغلون بها؟"، يسأل سيبوني سؤالاً بلاغياً، "ما حدث مع الأريتيريين يحدث في النقب يومياً، توجد هناك مناطق من دون أي حاكمية، الشرطة لا تفرض سيادة إسرائيل في هذه المناطق لأن هذا غير مريح لها. الشرطة تفرض القانون على من هو مستعد للامتثال للقانون، عندها المواطنون المحافظون على القانون يتلقون الحكم ويُفرض عليهم، والآخرون يُنتجون واقعاً لا يمكن فرض القانون فيه. لا يمكن أن تعمل جهات فرض القانون حيث هو سهل. إحدى الإمكانيات، على سبيل المثال، إقامة قوة إضافية لمعالجة مشاكل الأمن الداخلي وطوارئ مدنية. قد يكون الحرس الوطني، إذا اعتمد على الـ 60 ألف احتياطي و20 لواء. يجب إنتاج قوة مهمة لطوارئ مدنية ووطنية لمعالجة أحداث "حارس الأسوار، الحاكمية والزلازل والحرائق".
إلى جانب الحاجة إلى استراتيجية، ميخائيل يقف على الحاجة إلى عمل منسق بين كل الأجهزة والوزارات لتحقيق معالجة مثلى. مثال على الطريقة التي يمكن أن يعمل فيها هذا صحيح حصلنا عليه من الحكومة السابقة، حسب قوله، في سياق معالجة الجريمة في الوسط العربي: "الفريق الوزاري برئاسة يوآف سغلوفيتش هو مثال على مقاربة مؤسساتية. جلبوا غالبية الجهات ذات الصلة، وأدخلوا سلطة الضرائب ووزارة الشؤون الاجتماعية وجهات اقتصادية، وكانت هناك محاولة لإنتاج منظومة وغلاف دعم ينظر إلى المشكلة بصورة واسعة وإنتاج آليات تنسيق ومزامنة، وحققوا إنجازات".
مثل طفل في محل ألعاب
"ثم أتت حكومة جديدة، ووزير جديد يتصرف مثل صبي في حانوت ألعاب"، يواصل ميخائيل. "أولاً خرّب هذه اللجنة، والآن نحن في مشكلة خطيرة. إذا كان هناك من يعتقد أن العنف في المجتمع العربي، الذي يحطّم أرقاماً قياسية في كلّ يوم، سيبقى في المجتمع العربي – لا أفهم أين يعيش. هذا سينفجر في وجوهنا على نحو كبير. سينزلق إلى المجال اليهودي ويمكن أن يُنزل كارثة على رؤوسنا، أن يؤدي إلى تدهور في علاقات اليهود – العرب وتغلغل الجريمة إلى النطاق اليهودي. سنجد أنفسنا عاجزين أمام جريمة قومية شديدة جداً. نتنياهو عيّن شخصاً لم يُدر حانوت بقالة كي يدير هذا الأمر، في فترة صعبة جداً وحساسة – من الواضح أنها نكتة، وأن هذا سيفاقم مشاكل الأمن القومي. لأسفي، نحن لسنا بعد في مرحلة الاعتراف بالمشكلة والحاجة (إلى معالجتها)".
كذلك يقول ميخائيل عن مشكلة البدو في النقب: "على مر السنين كانت هناك خطط، وليس استراتيجية. في كل مرة عمل شخص منفرد ضد المنظومة. عربدة البدو في النقب تفرض تجنّد كل المؤسسات – وليس فقط الشرطة على الطرقات وجمع الأسلحة -. يجب معالجة التربية، والاستخدام ومكانة المرأة. هناك أشخاص وهيئات يحاولون تعاطي هذا الأمر، لكنهم ليسوا دولة. لدينا دمّلة كبيرة جداً، وبدل فتحها وإخراج قيحها، وتعقيمها وتضميدها كما هو مطلوب وإعطاء معالجة دوائية مرافقة، نحن نضع لاصقة جرح ولا نرى الدمّلة. نعتقد أنها غير موجودة، إلى أن تنفجر مرة أخرى. الدولة بحاجة إلى دخول مستشفى، عناية فائقة. من هنا وُلدت فكرتي وفكرة البروفيسور سيبوني لبلورة الخطوط العريضة لاستراتيجية وطنية في الأمن الداخلي. أولاً يجب الاعتراف بالمشكلة، ثم تخصيص موارد وطنية لها. أحد الأمور هو توسيع مهم لهيئة الأمن القومي. في دراستنا نحن ندرس ما يجري في العالم – على سبيل المثال وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، التي أُقيمت بعد 11 أيلول / سبتمبر 2001. ترى أن هذه الوزارة تتعاطى الكثير من المجالات وحصلت على صلاحيات تنسيق أنشطة وزارات أخرى. لكن من أجل بدء العملية، يجب الاعتراف أولاً بالمشكلة وبالحاجة (إلى معالجتها)".
سيبوني بدأ أكثر تفاؤلاً بقليل فيما خص إمكانية الخروج من الورطة: "الشعب اليهودي سينجح في هذا أيضاً، السؤال هو بأي ثمن. ليس هنا سؤال ما إذا سننجح في الوقوف بوجه التهديدات. هذا قول أيضاً من ناحية صهيونية – أتينا إلى هنا ولسنا ننوي الرحيل من هنا -. على إسرائيل تخصيص موارد من أجل إقامة منظمة أمن داخلي إضافية، وكذلك تعزيز الشرطة. مطلوب عقوبة شديدة جداً، وكذلك فحص مسارات معاقبة سريعة (غرامات إدارية)، مثلما تم غير مرة حيال ظواهر واسعة في الجيش الإسرائيلي".
وهناك مشاكل لم تتصدر جدول أعمال إسرائيل، وهي مشمولة أيضاً في الخطة الاستراتيجية لإسرائيل (التي لم تصدر بعد): "أي قدرة للدولة للتعامل مع أحداث طبيعية متطرفة؟ زلازل، فيضانات، ارتفاع درجات الحرارة – ليس هناك أي إعداد". يحدد ميخائيل وينتقل مباشرة إلى موضوع إضافي – الزراعة الإسرائيلية، وقدرة إسرائيل على إنتاج الغذاء بنفسها. "لا أحد بحث الأمن الغذائي لإسرائيل، بل الخفض الآني للأسعار عندما يكون هناك نقص. قد يكون من غير المجدي تنمية زراعة اليوم، لكن يجب تنمية حلّ آخر، ربما مخازن طوارئ لحالة يكون فيها حصار بحري على إسرائيل يمنع قدرتها على الاستيراد. كما ان للزراعة قيمة بحد ذاتها – السيطرة على الأرض -. هذا التفكير غير قائم على مستوى الدولة".
في الزراعة، إسرائيل تئن في جبهة متأججة، الإرهاب الزراعي، الذي يلحق الضرر بقدرة الدولة على إقامة زراعة مهمة تنهض بإسرائيل، لكن تحافظ على الأرض أيضاً. يقول سيبوني: "ممنوع التعامل مع هذا على أنه مشكلة جنائية فقط، إنه أكثر من هذا بكثير. دولة إسرائيل عاجزة في هذا الحدث، ومنظمات مثل "الحارس الجديد" تحاول سد مكانها. قد نجد أنفسنا بعد عشر سنوات مع مزارعين أقل بكثير مما تحتاجه إسرائيل".
ويُنهي ميخائيل: "إنها نتيجة رؤية "ستكون الأمور على ما يرام". التهديد في مراتٍ كثيرة لا يُلتقط كملموس، وأمر إضافي: هذا نتيجة ثقافة سلطوية في دولة فيها وزراء يريدون إنجازات فورية، ينتظرون الظهور في نشرات الساعة الثامنة مساء. كلهم يريدون أن تكون الثمار في ولايتهم، هنا والآن".
إسرائيل هيوم – شيريت كوهين (مراسلة شؤون دبلوماسية ومعلّقة سياسية)