مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: " نتنياهو يؤجل إعلان الهدنة الدائمة ووقف إطلاق النار لأنه يعلم أنه سيدفع الثمن الأكبر لنتائج العدوان على غزة وفشله في مواجهة ملحمة طوفان الأقصى"

العدد رقم 416 التاريخ: 2023-12-01

انحسار نفوذها في القارة الأفريقية يتمدد.. فرنسا خارج النيجر

ابتسام الشامي

انحسار نفوذها في القارة الأفريقية يتمدد.. فرنسا خارج النيجر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ابتسام الشامي

ــــــــــــــــــــــــــــ

حتى نهاية العام الجاري، سيكون على فرنسا إخلاء آخر جنودها من النيجر، قرار اتخذه الرئيس الفرنسي بعدما بدا ان بلاده فقدت قدرتها على "الدفاع" عن استعمارها الطويل للدولة التي نهبت خلال عقود طويلة من الزمن خيراتها وثرواتها.

معاندة قبل الرضوخ

منذ حصول الانقلاب العسكري في النيجر نهاية شهر تموز الماضي، كان واضحاً أن قرار سحب القوات الفرنسية من البلاد هو الخيار "الأسلم" بالنسبة لباريس، وسط خيارات أخرى انطوت على مغامرات، كما في تلويحها بالتحرك العسكري لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم، بشكل مباشر أو عبر منظمة إكواس، أو في إصرارها على بقاء سفيرها هناك، على الرغم من طلب المجلس العسكري منه المغادرة والتظاهرات الشعبية الداعمة لطرده. لكن معاندة فرنسا التحولات الجارية في أفريقيا عموماً، وفي غرب القارة خصوصاً لم ينتج عنها سوى المزيد من تآكل "الهيبة" الفرنسية، وتأكيد تراجع نفوذها التاريخي. وبهذا المعنى، فإن إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سحب القوات الفرنسية من النيجر حتى نهاية العام الجاري ليس سوى خضوع فرنسي اضطراري لمنطق التحولات وتغير موازين القوى على الساحة الأفريقية.

على أن الانسحاب الفرنسي من النيجر الذي سبقه انسحاب اضطراري مشابه من مالي وبوركينا فاسو، يحمل أبعاداً استراتيجية مرتبطة بقوة فرنسا، ومكانتها. وإذا كانت المكانة لدولة ما تقاس من جملة ما تقاس به في اتساع نفوذها بعيداً عن حدودها الجغرافية، فإن الانسحاب الفرنسي من النيجر يقفل أمامها أبواب غرب أفريقيا، ما يعني عملياً انحساراً مدوياً لمساحة نفوذها في منطقة استراتيجية، كانت على مدى عقود من الزمن خزّانها من الموارد الطبيعية والمعادن النادرة، التي جعلت من فرنسا قوة صناعية كبرى معتد بها على الساحة الدولية.

إعلان ماكرون إعادة سفير بلاده من النيجر سيلفان إيتيه، والانسحاب التدريجي للقوات العسكرية الفرنسية البالغ عددها 1500 جندي، جاء خلال مقابلة تلفزيونية الأحد الماضي، حاول خلالها تبرير "الحضور" العسكري لبلاده في القارة الأفريقية بوصفه استجابة لطلبات حكوماتها في إطار مساعدتها على مكافحة الإرهاب. وهو إذ حاول تظهير الانسحاب من النيجر بأنه "قرار" فرنسي محض، مغفلاً تنامي الحالة الشعبية الرافضة للوجود الفرنسي وضغوط المجلس العسكري النيجري وقوة تلك الضغوط في فرض أجندة الانسحاب، فإن الأخير وجد في "القرار" الفرنسي لحظة تاريخية تمثل "انتصاراً للإرادة النيجرية، وبداية نهاية للوجود الفرنسي في البلاد". وفي بيان صادر عنه، قال "المجلس العسكري" الحاكم في نيامي "ستغادر القوات الفرنسية وكذلك السفير الفرنسي أراضي النيجر، بحلول نهاية العام. هذه لحظة تاريخية تؤكد تصميم الشعب النيجري وإرادته". وأضاف أن "أي شخص أو مؤسسة أو كيان يهدِّد وجوده مصالح بلدنا، سيتعين عليه مغادرة أرض أجدادنا شاء ذلك أم أبى".

على ان الخطوة الفرنسية بإعلان الانسحاب من النيجر، لم توقف من جانب المجلس العسكري الخطوات التي سبق أن اتخذها بشأن عدد من المصالح الفرنسية في البلاد ومنها الرحالات الجوية. إذ منع النظام العسكري الحاكم في النيجر الطائرات الفرنسية، أو تلك المستأجرة لمصلحة الدولة الفرنسية من عبور المجال الجوي للبلاد. وجاء في رسالة إلى الطواقم الجوية، على موقع وكالة الأمن والملاحة الجوية في أفريقيا، أن المجال الجوي للنيجر "مفتوح أمام كلِّ الرحلات التجارية الوطنية والدولية، باستثناء الطائرات الفرنسية أو الطائرات التي تستأجرها فرنسا، وبينها تلك العائدة إلى أسطول إير فرانس"، وفي البيان دلالات واضحة حول تدهور العلاقات بين البلدين.

ماذا يعني الانسحاب الفرنسي من النيجر

الانسحاب الفرنسي من النيجر، الذي يستكمل انحسار النفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية، يعد بحسب الكثير من الخبراء ضربة قاسية لفرنسا نظراً لخصوصية هذا البلد في الاستراتيجية الفرنسية في القارة الأفريقية. وفي هذا السياق، يرى الباحث إيفان غيشاوا، المتخصص في شؤون منطقة الساحل، أن الانسحاب من البلدان الأفريقية الثلاثة مالي، بوركينا فاسو، النيجر، "يكرس الفشل الذريع لسياسة فرنسا في منطقة الساحل". في حين يؤكد دبلوماسي فرنسي أن ما حدث في "مالي امتد ببطء" مضيفاً، "لقد شهدنا هذه الموجة تتنامى منذ سنوات.. شعرت فرنسا بأنها تفقد مكانتها، ولكنها ظلت في حالة إنكار واستغراب، واليوم نجد أنفسنا أمام عواقب العسكرة المفرطة في علاقتنا بأفريقيا، في حين تعصف أزمات أمنية وبيئية ومجتمعية أيضاً بمنطقة الساحل" التي تعد من أفقر مناطق العالم.

بدورها تشير صحيفة "وولف كوتيديان" السنغالية إلى الأبعاد الاستراتيجية لما تسميه الانتكاسة الفرنسية الأخيرة في النيجر، وتقول "مع هذه الانتكاسة، ترى فرنسا أن نفوذها وسلطتها يتضاءلان بشكل كبير في غربي أفريقيا خاصة وفي أفريقيا عموماً". أما كبير الباحثين في معهد الدراسات الأمنية والمتخصص في شؤون الساحل فهيرامان رودريغ كوني، فيشير إلى أن "فرنسا لم تعرف كيف تنسحب في الوقت المناسب وأرادت الاستمرار في أداء دور القائد في سياق تشهد فيه البيئة الاجتماعية تغيراً كبيراً". وفي مقابلة مع قناة سكاي نيوز، يقول الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، جان بيار ميلالي، إن "فرنسا وصلت إلى منعطف، شاءت أم أبت، في مجال حضورها العسكري في النيجر، وماكرون اغتنم فرصة المقابلة الصحفية الأحد الماضي ليعلن عن سحب السفير ثم القوات العسكرية قبل نهاية العام الجاري"، معتبراً أن هذا القرار "يشكِّل خاتمةً للوجود العسكريِّ الفرنسي في النيجر وأفريقيا وهو نتيجة لسلسلة من الانقلابات التي شاهدناها في الأعوام الأخيرة".

خاتمة

انحسار النفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية، المتلازم مع موجة شعبية متنامية ضد فرنسا والقوى الغربية، ودخول الصين وروسيا ساحة التنافس على القارة الأفريقية، يضع علامات استفهام كبرى حول ما يمكن ان يقدم عليه الاستعمار القديم "للدفاع" عن وجوده، ووضع حدٍّ للتحوّلات الجارية في عموم القارة الأفريقية، وإذا كانت المغامرات العسكرية غير متوقعة في ظلِّ الانشغال الغربي بأوكرانيا، فإن تلويح بعض الخبراء الفرنسي بورقة الإرهاب تبدو لافتة للانتباه. ففي تعليقه على إعلان ماكرون الانسحاب من النيجر، رأى الخبير ألي تنبوم مدير مركز الدراسات الأمنية التابع للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، في مقابلة مع صحيفة "الإكسبرس" الفرنسية، "أن الرقعة التي تسيطر عليها المجموعات الجهادية المسلحة ستتوسع كثيراً، بعد انسحاب الجيش الفرنسي من النيجر"، فهل يعبّر هذا الكلام عن واقع أم عن تهويل؟ علماً أن دور فرنسا والدول الغربية في دعم الحركات الارهابية التكفيرية لا يحتاج إلى دليل.

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

ثقوب سوداء في الحاكمية.. "من يهمل معالجة المشاكل الآن.. في النهاية ستنفجر في وجهه"

ثقوب سوداء في الحاكمية.. "من يهمل معالجة المشاكل الآن.. في النهاية ستنفجر في وجهه" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عندما نربط ...

محليات

وسط الخلافات في اللجنة الخماسية بري يعلق مبادرته، والدور القطري أمام حائط مسدود

أوساط سياسية للبلاد: وسط الخلافات في اللجنة الخماسية بري يعلق مبادرته، والدور القطري أمام حائط مسدود ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد الضيقة ــــــــــــــــــــــ عاد الملف الرئاسي إلى المربع الأول ...