مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: " نتنياهو يؤجل إعلان الهدنة الدائمة ووقف إطلاق النار لأنه يعلم أنه سيدفع الثمن الأكبر لنتائج العدوان على غزة وفشله في مواجهة ملحمة طوفان الأقصى"

العدد رقم 416 التاريخ: 2023-12-01

ثلاث سنوات على الاتفاق بين إسرائيل والبحرين: السلام المنسيّ

ثلاث سنوات على الاتفاق بين إسرائيل والبحرين: السلام المنسيّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سياسة الحكومة الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية والضغوط الداخلية على الأسرة المالكة في البحرين تصعِّب تحقُّق القدرة الكامنة في العلاقات بين الدولتين. منذ البداية، كانت انطلاقة البحرين أكثر تعقيداً من انطلاقة الإمارات المتحدة؛ كذلك لم يُضمن للبحرين تعويض حقيقي معروف من قبل الإدارة الأمريكية لقاء انضمامه إلى "اتفاقيات أبراهام". لذلك، قد تصطدم العلاقات، إن لم تكن قد اصطدمت، بالجمود.

مجموعة أحداث مؤسفة جسّدت مؤخراً الضغوط على علاقات إسرائيل والبحرين ومصاعب عملية التطبيع بين الدولتين. ففي شهر تموز أُرجئت عند اللحظة الأخيرة زيارة مخططة لوزير الخارجية إيلي كوهين إلى البحرين، المعدّة لتكون الزيارة الأولى لمسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إلى المملكة منذ تبدّل الحكومات في إسرائيل. في البحرين برّروا القرار بأسباب قهرية تقنية، لكن يبدو أن السبب كان صعود وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، إلى جبل الهيكل (الحرم القدسي) قبل يوم من إعلان التأجيل. في الموازاة برزت صور من البحرين لرجال دين شيعة يدوسون العلم الإسرائيلي مع هتافات صاخبة خلال مسيرة عاشورائية - مشهد مألوف تظهر خلاله مقاومة تطبيع العلاقات مع إسرائيل -.

انطلاقة انضمام البحرين إلى "اتفاقيات أبراهام" كانت أكثر تعقيداً من انطلاقة الإمارات المتحدة: في البحرين تحكم أسرة آل خليفة السنّية الغالبية الشيعية. بخلاف الإمارات، حيث يوجد برلمان ومجتمع مدني ناشط، يتحدّون أحياناً الأسرة المالكة. احتجاج شعبي واسع ضد السلطة خلال فترة الربيع العربي عام 2011 تم الردّ عليه بتدخل عسكري سعودي وإماراتي للدفاع عن السلطة في المنامة. بالتزامن، قدرة مناورة البحرين السياسية محدودة جراء اعتمادها على السعودية، الناجم أيضاً عن تراجع احتياط النفط لديها. على هذه الخلفية، موافقة السعودية على التطبيع بين البحرين وإسرائيل تعتبر إشارة إيجابية من ناحية السعودية حيال إسرائيل.

منذ توقيع الاتفاق مع إسرائيل سُجّلت في البحرين حوادث احتجاج محدودة لكن ثابتة ضد إسرائيل وداعمة للفلسطينيين. في إسرائيل تبنّوا مبرر الأسرة المالكة البحرينية ضد تصريحات المعارضة ضدها، الذي بموجبه تتعلق المسألة باحتجاج وسط الشريحة الشيعية، الموالية لإيران. بهذا الشكل على سبيل المثال، عندما تظاهر مئات البحرينيين قبيل زيارة الرئيس إسحاق هرتسوغ إلى المملكة في كانون الأول 2022، اتهمت جهات إسرائيلية إيران بـ "تأجيج النفوس". تلك الادعاءات ليست عارية عن الصحة: المتظاهرون ضد إسرائيل في الواقع محسوبين على حزب الوفاق الشيعي، الذي نُفي زعيمه الروحي عيسى قاسم إلى إيران ويرسل من هناك رسائل معارضة التطبيع مع إسرائيل.

على الرغم من ذلك، مجموعة استطلاعات رأي أجريت في البحرين منذ إرساء العلاقات مع إسرائيل تشير إلى عدم وجود فارق حقيقي في موقف السنة والشيعة في البحرين حيال التطبيع مع إسرائيل. أمر لا يقل أهمية هو الانخفاض الحاد في دعم الاتفاق مع مرور السنوات: بينما مع توقيعه عام 2020، نسبة ما يقارب أربعين بالمائة من المستجوبين البحرينيين نظروا إليه بإيجابية، في استطلاعات رأي جرت منذ ذلك الحين انخفضت النسبة خمسين بالمائة. التأرجح يشير إلى أن معارضة التطبيع ليست أمراً غير مستبعد، وقد يتعلق الأمر بنتيجة فجوة بين التوقعات والواقع، تشكّلت خلال السنوات الثلاثة المنصرمة.

بخلاف الإمارات المتحدة، المغرب والسودان، لم يوعد البحرين بتعويض حقيقي معروف من قبل الإدارة الأمريكية مقابل الانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام"، لكن كان من المفترض أن تحقّق البحرين منفعة مباشرة من العلاقات الجديدة مع إسرائيل نفسها: من ناحية عسكرية، عن طريق التعاون مع إسرائيل في مواجهة التهديد الإيراني، ومن ناحية اقتصادية، من خلال فرص سوف يقدّمها السوق الإسرائيلي للاقتصاد البحريني.

الجزء الأمني تقدّم مباشرة وبقوة. في غضون حوالي سنة ونصف من إرساء العلاقات زار البحرين رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت، وزير الخارجية يائير لبيد، وزير الأمن بني غانتس ورئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي، حيث التقوا مع زعامة الأسرة المالكة والجيش البحريني لتنسيق التعاون الأمني بين الدولتين. الزيارة العلنية لمسؤولين إسرائيليين كبار إلى المملكة الصغيرة، التي تبعد حوالي مئة وخمسين كيلومتراً عن السواحل الإيرانية، والتعاون الاستخباراتي وفي مجال الطائرات غير المأهولة، حملوا رسالة واضحة بأن إسرائيل والبحرين تقفان في جبهة موحّدة ضد إيران.

على الرغم من ذلك، بقي المستوى الاقتصادي للعلاقات متأخراً. يظهر من معطيات المكتب المركزي للإحصاءات أنه بينما تاجر الإماراتيون مع إسرائيل سنة 2021-2022 بحوالي 2.5 مليار دولار (ما عدا الماس والخدمات)، بلغت التجارة مع البحرين حوالي 20 مليون دولار فقط. يمكن تفسير الفجوة من جملة أمور بكون الإمارات المتحدة مركز اقتصادي عالمي (Hub) (ولذلك تعكس المعطيات أيضاً، ربما بشكل أساسي، إعادة تصدير بضائع من مرافق أخرى)، بالفرص التي تعرضها وبالمواقع السياحية الخلابة الكثيرة الموجودة فيها (استضافت دبي سنة 2022 حوالي 15 مليون سائح). بينما وفد حوالي مليون إسرائيلي إلى الإمارات المتحدة سنة 2022، فقط آلاف من الزوار الإسرائيليين زاروا البحرين (يمكن تفسير هذه الفجوة في جزء منها بكون دبي مركز طيران عالمي وهدف انتقالي لرحلات ربط إلى آسيا). سنة 2022 زار إسرائيل 1400 سائح من الإمارات المتحدة و400 فقط من البحرين.

العلاقات الاقتصادية مهمة بالنسبة للمجتمع البحريني وهي ملموسة أكثر من العلاقات الأمنية بين الدولتين. أربعون بالمائة من البحرينيين مستعدون لعلاقات تجارية محددة مع إسرائيل، تنفع الاقتصاد المحلي، مقابل واحد من عشرة فقط مهتمون بالتعاون معها ضد إيران. التعويض الاقتصادي المحتمل قد يتغلغل إلى قطاعات في البحرين خارج دوائر السلطة، بالنسبة إليها التطبيع ليس فقط مرهوناً بكلفة نكث التضامن مع الفلسطينيين، إنما أيضاً لا يُرجع الربح الاقتصادي المرتقب، ويقنعهم بوجود جدوى في العلاقات. قبيل نهاية العام 2022، انتقاد الموضوع، الذي حتى ذلك الحين سُمع فقط من المعارضة، وصل أيضاً إلى دوائر السلطة. مصدر مقرّب من الحكومة في المنامة اعترف خلال كلام مع وسائل الإعلام الإسرائيلية أن البحرين كان يريد رؤية استثمارات إسرائيلية في المملكة وليس فقط رجال أعمال إسرائيليين يأتون لزيارات خاطفة بهدف تجنيد أموال لمشاريع في إسرائيل.

خطوات حكومة إسرائيل الحالية بالتأكيد ليست في صالح العلاقات والمملكة البحرينية بدورها تتنصّل من كلام وزراء اليمين وخطوات الحكومة في الموضوع الفلسطيني. بخلاف الزيارات المتتالية للزعامة السياسية العسكرية الإسرائيلية إلى البحرين في السنوات 2021-2022، التي زار خلالها إسرائيل أيضاً وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني في إطار "منتدى النقب"، لم تسجّل سنة 2023 لقاءً رسمياً بين مسؤولين كبار من الدولتين. أمر لا يقل أهمية هو واقع أن اتفاق التجارة الحرّة بين إسرائيل والبحرين، الذي صاغته المستويات المهنية، انتهى قبل حوالي عام وكان من المتوقع أن يحفّز التجارة بين الدولتين، لم تصدّقه الزعامات حتى الآن.

المصاعب التي واجهتها السلطة البحرينية للتّقدم في مسار التطبيع لا تنحصر بالمستوى الدبلوماسي. ففي أيار الفائت، وقّعت مجموعة من 44 رجل دين بحريني بارز على رسالة حادّة أُرسلت إلى وزير التعليم البحريني بطلب إلغاء "تغييرات مشبوهة" أُجريت على المنهاج التعليمي الوطني: إزالة أحاديث وروايات من سيرة حياة النبي محمد (التي على ما يبدو تتناول علاقته باليهود) وكذلك نشيد القدس والمسجد الأقصى. الرسالة، التي ادُعي فيها أنه "لا يمكن تبرير التغييرات بحجة التسامح والتعايش"، تثير سخط في شبكات التواصل الاجتماعي وأشار متصفحون بحرينيون إلى تغييرات أخرى واجهوها في الكتب التعليمية: إضافة اسم إسرائيل إلى خريطة العالم، حذف درس في العلوم الاجتماعية تناول اليهود وإضافة درس يتناول اتفاق التطبيق بين البحرين وإسرائيل. مباشرة بعد نشر الرسالة سارع ولي العهد ورئيس الحكومة للإعلان عن وقف فوري للتغيير، وأفيد من وزارة التعليم في المملكة عن تشكيل طاقم خبراء لإعادة اختبار كافة التغييرات التي طرأت على البرنامج التعليمي. إذن أثبت المجتمع المدني في البحرين أن بمقدوره من خلال حوار داخلي درء تأثيرات محددة للتطبيع مع إسرائيل، التي حصلت بصورة مماثلة في دول مثل الإمارات المتحدة والسعودية دون معارضة شعبية مهمة.

خلاصة واستنتاجات

لا تشكّل سياسة حكومة إسرائيل في الساحة الفلسطينية والاحتجاج في البحرين ضد التطبيع مع إسرائيل تهديداً على العلاقات في هذه المرحلة، على الرغم من أنها تواجه جموداً. يجب استيعاب المقاومة ضد إسرائيل والاتفاق معها أيضاً في إطار صراع المعارضة البحرينية ضدَّ الأسرة المالكة، لكن لا يجب الاستخفاف بالخيبة البحرينية من التطبيع والتحريض المحلي ضده. في المدى البعيد، هذه الخيبة قد تسحق أيضاً العلاقات الأمنية والعسكرية المزدهرة بين الدولتين، وبالطبع تؤثر بصورة سلبية على قرار دول أخرى تدرس إمكانية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وتختبر الثمن والفائدة الكامنة في ذلك.

على الرغم من أن لدى السلطة البحرينية مصلحة في الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل بمعزل قدر الإمكان عن القضية الفلسطينية، لا يمكن تجاهل الأهمية الكبرى لهذه القضية وسط المجتمع البحريني. تصرف حكومة إسرائيل في الموضوع والأحداث في الضفة الغربية تسبّب مصاعب للمنامة في حثّ شراكات اقتصادية ومبادرات مدنية، قد تقلل الخيبة من التطبيع، بينما الواقع الحالي يمنح الاحتجاج ضدها دفعة إلى الأمام. على الرغم من حجمها وأهميتها الاقتصادية الضئيلة، أهمية العلاقات مع البحرين تكمن في موقعها الاستراتيجي، في تعاونها مع الولايات المتحدة (في منطقتها يسيطر الأسطول الخامس) وكونها مرتبطة في وسطها بالسعودية. لذلك، أهمية الاتفاق بين إسرائيل والبحرين أكبر بكثير من إيجابيات التعاون المتبادل - يشكّل الاتفاق شبه بالون تجربة حيال السعودية، يختبر الايجابيات والسلبيات في العلاقات مع إسرائيل على خلفية المبادرة الأمريكية لحثّ تطبيع بين القدس والرياض -.

معهد أبحاث الامن القومي - إيلان زلئيت ويوآل غوجنسكي

 

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

ثلاث سنوات على الاتفاق بين إسرائيل والبحرين: السلام المنسيّ

ثلاث سنوات على الاتفاق بين إسرائيل والبحرين: السلام المنسيّ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سياسة الحكومة الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية والضغوط ...

إقليميات

تونس والحاجةُ إلى شراكةٍ وتنميةٍ إقليميةٍ مع الجزائرِ

تونس والحاجةُ إلى شراكةٍ وتنميةٍ إقليميةٍ مع الجزائرِ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توفيق المديني ـــــــــــــــــــــ قام رئيس الحكومة التونسية السيد أحمد الحشاني بزيارة الجزائر يوم الأربعاء 4 ...

دوليات

الغرب والمواجهة مع روسيا.. أولوية دعم أوكرانيا تتراجع

الغرب والمواجهة مع روسيا.. أولوية دعم أوكرانيا تتراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ في ما تتجه بعض الأنظمة الغربية لانخراط عسكري مباشر مع روسيا في ...

محليات

بانتظار عودة الموفد الفرنسي حركة الموفد القطري بلا بركة، وفرنجية ثابت إلى النهاية

أوساط سياسية للبلاد: بانتظار عودة الموفد الفرنسي حركة الموفد القطري بلا بركة، وفرنجية ثابت إلى النهاية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد الضيقة ــــــــــــــــــــــ حتى الآن لا تطورات إيجابية متوقعة ...