حذر في الطريق إلى التطبيع مع السعودية

حذر في الطريق إلى التطبيع مع السعودية
معهد القدس للإستراتيجيا والأمن - أفرايم عنبار
يجب تخفيف الانفعال في إسرائيل عبر النظر إلى التكلفة المحتملة لنسج علاقات علنية مع السعودية.
انفعال كبير سرى في كل العالم إثر المقابلة التي منحها وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان (MBS ) الحاكم الفعلي للملكة العربية السعودية، لفوكس نيوز، وقال فيها "إننا في كل يوم نقترب" من علاقات طبيعية مع إسرائيل. نافيًا الشائعات عن تعليق المفاوضات حول هذا الموضوع.
تطبيع مع السعودية هو على ما يبدو استمرار لاتفاقيات أبراهام، التي بدون شك لاقت ترحيبًا من الرياض. مع ذلك، فإن تحويل العلاقات المتبادلة مع السعودية من شبه سرّية إلى العلن له أهمية خاصة بالنسبة لإسرائيل. فالسعودية، التي تحمي الأماكن الإسلامية الأكثر أهمية ودولة غنية جدا، لديها وزن كبير في العالم العربي والإسلامي. خطوة كهذه سوف تفتح فرصًا إقتصادية ودبلوماسية كثيرة أمام إسرائيل في دول إسلامية مهمة، مثل بنغلادش، العراق، الكويت واندونيسيا. هي ستحسّن مكانة إسرائيل في الهيئات الدولية، وستدفع بشكل أكبر الموضوع الفلسطيني إلى الهوامش.
مع ذلك، يجب تخفيف الإنفعال في إسرائيل عبر النظر إلى التكلفة المحتملة لنسج علاقات علنية مع السعودية
إدارة بايدن، التي تدفع باتجاه التطبيع، تريد من إسرائيل أن تؤيد نقل تكنولوجيا نووية أميركية تتيح للرياض تخصيب يورانيوم، وهو مسار قد يوصلها خلال أسابيع إلى امتلاك قدرة عسكرية نووية. استخراج وقود نووي، عبر تخصيب يورانيوم، قد يكون خطرا من ناحية أن لا سبيل لضمان الحصول على إنذار في وقت حقيقي عن إخفاء مادة انشطارية لاستخدام عسكري. حتى عمليات التفتيش الأكثر دقة لا يمكنها أن تتيح كشفا بلا عقبات قبل أن يصبح الوقت متأخرا لمنع تحولها إلى دولة نووية. عمليا، لا فارق بين برنامج نووي مدني وآخر عسكري.
وليّ العهد قال خلال المقابلة المذكورة أعلاه إن بلده سوف يمتلك سلاحًا نوويا في حال سيتأكد من أن إيران تمتلك قنبلة نووية. فهو لديه خشية مبررة من إيران نووية. وإيران بطريقها للتحوّل إلى قوة عظمى نووية، إلا في حال تنفيذ هجوم وقائي أميركي أو إسرائيلي. إشباع الطموحات السعودية النووية في هذا الوقت سوف يسرّع سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط. في البداية، هذا سوف يعزز الضغط على إيران لاستكمال برنامجها النووي. كذلك، فإن صفقة نووية أميركية-سعودية سوف تدفع دولا أخرى في الشرق الأوسط إلى محاولة امتلاك قدرات نووية بسرعة وفي نهاية الأمر أيضا امتلاك سلاح نووي. تركيا ومصر تخطران فورا على البال. منع انتشار نووي في المنطقة هو مصلحة أميركية واضحة.
شرق أوسط نووي متعدد الأقطاب هو منظومة دولية متداعية جدا. يصعب تحقيق ردع نووي في الشرق الأوسط بسبب المسافات القليلة، ومواصفات القيادة السياسية. فهذا هو كابوس استراتيجي لإسرائيل الصغرى. عقيدة بيغين تهدف إلى منع سيناريو كهذا حتى ولو باستخدام القوة. هذا هو المنطق بمعارضة قنبلة نووية إيرانية.
لا ينبغي لنا نسيان أن في الشرق الأوسط هناك عدد من المجموعات الدينية المتعصبة جدا التي لا تملك الكثير من الإلتزامات الأخلاقية. وداعش هي مثال حي. حزب الله موجود على لائحة المنظمات الإرهابية لدى دول كثيرة في العالم. اتّباع الوهابية، الصيغة الإسلامية المنتشرة في السعودية، لأن حتى الآن سلطة وليّ العهد الحالي ليست الحاكم الرسمي، ليست نموذج اعتدال. وخلافا لمناطق أخرى في العالم، يمكن لمتطرفين متدينين الوصول إلى السلطة. آيات الله يقررون في طهران، ولديهم تأثير كبير في عواصم إضافية. إمكانية سقوط سلاح نووي بيد متطرفين متدينين مخيفة.
معاهد تفكير أميركية تدعو الرئيس بايدن إلى عدم التوقيع على اتفاق تعاون نووي مدني مع السعودية، إلا في حال ستتنازل الأخيرة عن تخصيب اليورانيوم، معالجة وقود من أجل مفاعل نووي، استخدام وتفعيل مفاعلات مياه ثقيلة أو معامل انتاج مياه ثقيلة. كما تصر هذه المعاهد على أن توافق السعودية على المراقبة المتوغلة جدا للوكالة الدولية للطاقة الذرية (سابا) في إطار البروتوكول المضاف. شروط كهذه قبلت بها إدارة بوش وأوباما عندما تم التصديق على برنامج نووي مدني للإمارات العربية، جارة السعودية. وليس واضحا أن المملكة السعودية لديها نية بقبول أي أمور إجبارية. حتى إن كان الأمر كذلك، فإن الشروط التي ورد ذكرها أعلاه، المعروفة كـ "المعيار الذهبي" لعدم انتشار سلاح نووي، تتيح بناء بنية تحتية نووية يمكن تطويرها في مرحلة لاحقة إلى برنامج عسكري.
من أجل الحقيقة، السبيل الأفضل لتبديد الهواجس الأمنية المبررة من جانب السعودية ودمجها باتفاقيات أبراهام هو أن تمنع الولايات المتحدة وإسرائيل تطبيق البرنامج النووي الإيراني. وللأسف الشديد، هذا مرتبط بعملية عسكرية. يجب أن نأمل بأن يدرك الزعماء الأميركيون والإسرائيليون أن تحقيرهم مقابل إيران لا يترك لهم خيار في هذه المرحلة إلا استخدام قوة عسكرية ضد البنية التحتية النووية الإيرانية. المسؤولية الملقاة على عاتقهم تعني المبادرة إلى هجوم وقائي ضد المنشآت النووي الإيرانية، بدلا من السماح للسعودية بتخصيب يورانيوم.
هذا أيضا الرد الأفضل على التسلل الصيني إلى الشرق الأوسط. فالصينيون عقدوا اتفاقيات استراتيجية مع إيران، سوريا والسلطة الفلسطينية، وكلها كيانات سياسية معادية لأميركا. والولايات المتحدة لديها مصلحة بجعل العالم يرى أنه لا يمكن الإعتماد على الصين التي هي حائط مائل. يجب أن يثبُت لدول المنطقة أن التقرب إلى الصين لا يمكن أن يحول دون منع خطوات أحادية الجانب من جانب الولايات المتحدة الأميركية (أو حليفتها إسرائيل) وأنه من الأفضل عدم اتّباع سياسة تعارض مصالح واشنطن.
ينبغي أن نأمُل بأن يدرك الزعماء الأميركيون والإسرائيليون مسؤوليتهم الحقيقية إزاء الإستقرار والسلام في الشرق الأوسط وأن لا يقعوا بفتنة التضحية بمصالح قومية حيوية من أجل مكاسب سياسية داخلية.