مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: " نتنياهو يؤجل إعلان الهدنة الدائمة ووقف إطلاق النار لأنه يعلم أنه سيدفع الثمن الأكبر لنتائج العدوان على غزة وفشله في مواجهة ملحمة طوفان الأقصى"

العدد رقم 416 التاريخ: 2023-12-01

حرب لبنان الثالثة في الداخل الإسرائيلي

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ستبدو حرب لبنان الثالثة في الداخل الإسرائيلي، إذا كانت إسرائيل محظوظة بشكل غير عادي، كما حرب لبنان الثانية، لكن أسوأ بكثير.

قدرات حزب الله

ليس فقط أن حزب الله يتمتع اليوم بقوة نيران أكبر بكثير مما كان عليه في الحرب السابقة، ولكن يمكن للمرء أن يتوقع أن الحرب في الشمال سوف تكون مصحوبة بأعمال شغب واضطرابات إلى حد الانتفاضة الفعلية، وما يعرف "استراتيجية توحيد الساحات" أو "توحيد الجبهات" الإيرانية، والمدعومة من بين جملة أمور بوسائل قتالية قامت إيران بتهريبها إلى إسرائيل في السنتين الأخيرتين. وفي الوقت الذي تتساقط فيه صليات كثيفة من الصواريخ على الجبهة الداخلية، وتكون الشرطة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي منشغلين بمهام مختلفة، فإن حتى عدد صغير نسبياً من مثيري الشغب العنيفين أو الإرهابيين المسلحين يمكن أن يسبب أضراراً كبيرة.

بحسب تقديرات المؤسسة الأمنية، سيطلق حزب الله في الحرب المقبلة حتى 6000 صاروخ في اليوم. معظمهم سيخطئ أو سيتم اعتراضه، لكن حتى 1500 سيسقطون كل يوم في مناطق مبنية وما شابه. هذا الإطلاق سيكون في الأيام الأولى، وبعد ذلك يتوقع أن تنخفض وتيرة الإطلاق إلى حوالي 1500 حتى 2000 صاروخ فقط. وللمقارنة، في حديث مغلق في العام 2009 قدّر مصدر في الموساد أن حزب الله سيحاول إطلاق 400 – 600 صاروخ في اليوم، منهم حوالي 100 نحو تل أبيب. في حرب لبنان الثانية أطلق حزب الله بمعدل وسطي حوالي 120 صاروخ في اليوم، وفي الذروة وصل إلى حوالي 250 صاروخ في اليوم – في الإجمال حوالي 4000 صاروخ قتلوا 53 مدنياً وجندياً.

ولا يشمل هذا التقدير إطلاق الصواريخ البحرية على منصة "كاريش"، وهو السيناريو الذي قد تكون عواقبه خطيرة للغاية على إسرائيل (خصوصاً وأن المنصة، على عكس منصات الحفر الأخرى في إسرائيل، تم بناؤها لتخزين كميات هائلة من المكثفات، وهو منتج ثانوي للتنقيب عن الغاز، وسيكون من الضروري إخلاؤه على الفور في حالة الحرب، لكن تقنياً المنصة ليست "الجبهة الداخلية" ومن المحتمل أن تكون نشاطات حزب الله ضدها بصواريخ كروز أو طائرات بدون طيار أو سلاح جوال، مثل الطائرات المسيرة التي أطلقها حزب الله نحوها وأسقطت في 7/2022 وليس صواريخ معظمها غير دقيق لإصابة هدف نقطوي.

مسألة عدد الصواريخ التي يمتلكها حزب الله محل خلاف بين الباحثين. ويتحدث القليلون عن نحو 40 ألفاً؛ الأكثرية – ثلاث مرات أو أكثر. في عام 2010، تشير التقديرات إلى أن حزب الله، باستثناء الكاتيوشا قصيرة المدى، لديه 13 ألف صاروخ برؤوس حربية يبلغ وزنها الإجمالي 1453 طناً. وقد زاد العدد بشكل كبير منذ ذلك الحين، وهو ما يعني أن حزب الله لديه آلاف الأطنان من المتفجرات التي تستهدف إسرائيل.

مع ذلك يجب أن نذكر أن فرصة أن تطلق كل هذه الصواريخ خلال الحرب ضعيفة.  أولاً، تحاول كل قوة عسكرية أن تحتفظ لنفسها باحتياطي للرد على مفاجآت العدو: وحتى لو افترضنا أن حزب الله كان لديه القدرة على إطلاق كل صواريخه في يوم واحد، فهذا يعني أنه في اليوم التالي كان سيبقى دون إمكانية الاستمرار والتأثير على الحرب بهذا الشكل. في غياب المعرفة المسبقة بمدة الحرب، فإن معدل إطلاق النار سيكون دائماً محدوداً بسبب الرغبة في الحفاظ على قوة للمستقبل وقيود أخرى (على سبيل المثال، خلال حرب لبنان الثانية، قُدِّر أن حزب الله كان لديه 15000 صاروخ والصواريخ – أطلقت أقل من ثلثها). ثانياً، إن الكمية التي سينجح حزب الله في إطلاقها لا تعتمد فقط على عدد الصواريخ التي يمتلكها، بل أيضاً على عدد منصات الإطلاق (وهي أكثر محدودية)، والقوة البشرية التي تشغلها (وهي أكثر محدودية)، وأخيراً على الجيش الإسرائيلي - أي مدى تمكن الجيش الإسرائيلي من ضرب منصات يمكن التخلص منها قبل الإطلاق، أو مدى نجاحه في ضرب منصات تستخدم أكثر من مرة بشكل عام.

في ظل النجاحات التي حققها الأوكرانيون في مهاجمة المطارات الروسية باستخدام طائرات بدون طيار وطائرات مسيرة بمختلف أنواعها، ومؤخراً أيضاً نجاحات روسية مماثلة، فمن المستحيل استبعاد احتمال نجاح حزب الله أيضاً في إلحاق أضرار كبيرة بسلاح الجو، وبالتالي الحد مؤقتاً من قدرة إسرائيل على ضرب الصواريخ الموجهة إليها. حتى الفترة الزمنية الصغيرة التي تبلغ بضع ساعات والتي تكون فيها قدرة سلاح الجو على العمل محدودة بسبب تدمير عدة طائرات أو إلحاق الضرر بالطيارين أو تلف المدرج، يمكن أن يستخدمها حزب الله بشكل جيد لإطلاق صواريخ ثقيلة ودقيقة، إذا علم أن خطر تدمير منصات الإطلاق من قبل الطائرات الإسرائيلية أقل. وحتى القيام بعملية ضد قوات الجيش الإسرائيلي أو المستوطنات القريبة من السياج، والتي من شأنها أن تركز العديد من الجنود والعديد من الموارد القتالية، يمكن أن تسهل على حزب الله ضرب أهداف أخرى، لأن الجيش الإسرائيلي ليس لديه موارد أو اهتمام غير محدود.

وفي حال نجح حزب الله في إطلاق الكمية المقدرة من الصواريخ والقذائف، فقد تكون إسرائيل محظوظة وحتى نظام البنية التحتية الأساسية لن يتضرر؛ من المشكوك فيه أن يتمكن حزب الله من إطلاق هذا العدد الكبير من الصواريخ الثقيلة والدقيقة، في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن، إلى درجة إغراق المنظومات الدفاعية. وإذا كان الحظ أقل، فقد يتحقق السيناريو الذي يتحدث عن الأضرار التي لحقت بمحطات الطاقة، والتعطيل الشديد للعديد من الأنظمة، والانقطاع لفترات طويلة في مناطق واسعة، وربما تلف إنتاج الكهرباء لفترة طويلة من الزمن.

وحتى لو كان الهدف الرئيسي للمنظمة اللبنانية هو غوش دان، فإن الخطر في شمال البلاد، وخصوصاً بالقرب من الحدود، قد يكون أكبر بكثير. وذلك لأن معظم ترتيب قوات التابعة لحزب الله تتكون من صواريخ صغيرة نسبياً، يتراوح مداها من بضع كيلومترات إلى أربعين كيلومتراً. وبحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، فإن 50% من الأسلحة الصاروخية الموجودة في أيدي حزب الله يبلغ مداها حوالي 15 كيلومتراً أو أقل، و40% أخرى قادرة على الوصول إلى خط حيفا، وحوالي 5% فقط من الأسلحة لمدى أطول بكثير. ما زال الأمر يتعلق بآلاف الصواريخ القدرة على الوصول إلى الوسط والجنوب إذا وافقنا على معظم التقديرات، لكن من الواضح أن الأمر يتعلّق بجزء صغير من الصواريخ: التهديد سيكون أصعب بكثير كلما أصبح المدى أقرب إلى الحدود مع لبنان.

الوسائل القتالية قصيرة المدى – صاروخ 107 ميليمتر، المعروف لدى الإسرائيلي بالكاتيوشا، وصاروخ 122 ميليمتر، المعروف بالغراد – يمكن أن تكون فعالة ضد أهداف عسكرية (قوات تناور، مناطق تجمع، قواعد) وذلك ضد مستوطنات في الشمال فقط. كميات المواد الناسفة فيهم (بشكل عام من 10 كيلو لصاروخ الـ 107 وبين 25 - 18 لصاروخ 122) قليلة نسبياً لكن لا يجب الاستخفاف بها، وهم بشكل عام (هذه الصواريخ) لا يمكنهم تدمير مباني بإصابة واحدة. إلى جانب ذلك، يمتلك حزب الله بعدد غير معروف بصواريخ "بركان"، وهم عبارة عن برميل متفجر ضخم يبلغ مئات الكيلوغرامات المربوطة بمحرك صاروخي. مداهم عدة كيلومترات، ومستوى دقتهم منخفض، لكن ضخامة الانفجار يغطي فقدان الدقة. ووفقاً للتقديرات في العام 2016 كان بحوزة حزب الله عدة مئات من صواريخ كهذه.

من الصعب معرفة الهدف الرئيسي لحزب الله من إطلاق الصواريخ. من المحتمل أنه سيحاول إبطاء تحرّكات الجيش الإسرائيلي وتدمير أكبر عدد ممكن من الوحدات العسكرية، وقد يحاول على وجه التحديد تدمير أهداف البنية التحتية مثل محطات الطاقة أو مطار بن غوريون أو (الأهم من ذلك) الموانئ البحرية. التي تعتبر ضرورية للإمدادات إلى إسرائيل، وقد يحاول أساساً قتل عدد كبير من المدنيين الإسرائيليين، الذين يعتبرهم في نظره هدفاً مشروعاً وحتى نقطة ضعف لإسرائيل. وهو بالطبع قد يحاول الجمع، على حساب التقليل من الضرر في كل مجال، أو تغيير طريقة عمله خلال القتال، عندما يتبين أي أكثر فعالية.

الفارق كبير بين حرب لبنان الثانية وحرب لبنان الثالثة وقد يكون عدد مشاهد الدمار كبيراً ما سيؤثر على القدرة على التعامل معها. التقدير العسكري قبل عدة سنوات كان أنه في الأسابيع الثلاثة الأولى من القتال سيكون هناك 10000 موقع مدمر صغير (إصابات في مباني لا تؤدي إلى خطر الانهيار)، عدة مئات من مواقع الدمار المتوسط (المباني التي لم تنهار ولكنها تعرضت لأضرار هيكلية وقد تنهار)، ومواقع الدمار الكبير المعدودة (انهيار المباني كلياً). لكن إذا نجح حزب الله في إسقاط، يوماً بعد يوم، أعداد كبيرة من الصواريخ على أهداف مدنية، حينها سيكون من الصعب على الجبهة الداخلية والسلطات المحلية إنقاذ المصابين من بين الأنقاض وإعادة الحياة إلى طبيعتها، حتى لو عدد قليل من الصواريخ هدمت مباني. إن القوات التي يمكن أن تتمركز عندما يكون هناك مركز تدمير واحد في اليوم أو حتى ثلاثة، وتمر فترات زمنية طويلة بين سقوط الصواريخ في نفس المنطقة - لا يمكن مقارنتها بحجم القوات في واقع خمسين نقطة دمار متوسط في اليوم. وينطبق هذا بشكل خاص إذا كانت الصواريخ دقيقة نسبياً، وتضرب بشكل متكرر نفس المنطقة المحدودة. وللمقارنة، تخيلوا مساعي الإنقاذ من منطقة بقطر حوالي كيلومتر، يوجد فيها عدة مباني مدمرة وحوالي مائة صاروخ يسقط عليها كل يوم. حالات انهيار عشرات المباني هي بالطبع توقعات خطيرة مقارنة بالتقديرات المعتادة، ولكن بالنظر إلى كمية الذخيرة التي في أيدي حزب الله، ينبغي على الأقل أن تؤخذ في الاعتبار. وفيما يتعلق بالضحايا، تشير التقديرات المنشورة في السنوات الأخيرة إلى مقتل ما يصل إلى 500 مدني في الحرب المقبلة؛ وقد يكون هذا الرقم متفائلاً للغاية، خصوصاً إذا انهارت العديد من المباني ولم يكن هناك من ينقذ جميع المحاصرين بسرعة. وقد يكون التعامل مع الحرائق الكبيرة أو الحوادث في المصانع التي تحتوي على مواد خطرة أمراً صعباً للغاية بسبب نقص القوى العاملة. كابوس صيغة إلحاق ضرر بخزان الأمونيا في حيفا، والذي خافوا منه إلى حين إفراغ الخزان، قد يتحقق هذه المرة في عدة أماكن التي من الصعب معرفة عدد المصابين الذين سيسقطون نتيجة ذلك.

لكن في حال اندلاع حرب كبرى في الشمال، منظومات الدفاع الجوي لا يمكنها أن تغطي كل أراضي إسرائيل، ولا حتى شيء قريب لذلك. نجاحات القبة الحديدية الاستثنائية منذ أن دخلت إلى الاستخدام، أنست تقريباً حقيقة أنها غير مخصصة بالأصل للدفاع عن كل مستوطنة ومستوطنة؛ وتراوحت العِلل بين حماية المستوطنات المحيطة بغزة من تهديد صاروخي محدود، وحماية النقاط الاستراتيجية الرئيسية: المفاعل في ديمونا، قواعد سلاح الجو، محطات الطاقة، ومحطات تحلية المياه وغيرها من المواقع ضرورية لعمل الدولة، وربما للقوة المناورة. لا يوجد ولن يكون هناك ما يكفي من البطاريات من أجل الدفاع أمام كل تهديد، في كل مكان. عدد صواريخ اعتراض القبة الحديدية، "مقلاع داوود" وباقي منظومات الدفاع التي بحوزة إسرائيل هو سري للغاية، لكن من الواضح أن له قيوداً. ومن المتوقع أن يقوم حزب الله، خصوصاً إذا تلقى مساعدة استخباراتية من داخل إسرائيل - سواء من المتعاونين أو من المواطنين الأبرياء الذين يقومون بتحميل صور بطاريات الدفاع الجوي - بإطلاق وابل كثيف من الصواريخ على هذه البطاريات، على أمل "إشباعها" وبذلك لا يتم اعتراض كل الصواريخ. إذا نجح، سيحاول بالطبع استغلال ذلك وإلحاق ضرر أيضاً بمناطق غير محصّنة. ومع استمرار القتال وانخفاض عدد الصواريخ الاعتراضية، ستضطر إسرائيل إلى الحفاظ على أسلحتها والاكتفاء باعتراض الصواريخ والقذائف الموجهة نحو تجمعات سكانية كبيرة، وفي حالة أسوأ من ذلك، حماية أهداف البنية التحتية الحيوية فقط.

لقد اعتادت الجبهة الداخلية الإسرائيلية العيش في جنة من الوهم، عندما نجحت القبة الحديدية من ضرب الصواريخ والقذائف بنسب لا تصدق. ويمكن للمرء أن يأمل أن يستمر ذلك في المستقبل، ولكن ليس هناك يقين في هذا، إذا كان حزب الله سينجح بالفعل في إطلاق كمية كبيرة من الصواريخ كما ذكرنا أعلاه. إذا كانت إسرائيل محظوظة، لن تصاب أي منظومة بنية تحتية؛ وإذا كان حظها أقل، يمكن أن يتحقق السيناريو الذي يتحدث عن دراما متواصلة في مناطقة واسعة. صحيح أن لإسرائيل عدة محطات طاقة، لكن في حال إصابة لتوربينة في الخضيرة أو أشدود، فإن انخفاض الطاقة قد يؤدي إلى قطع مناطق بأكملها لعدّة أيام، من أجل الحفاظ على تيّار الكهرباء لقوات الجيش الإسرائيلي والمستشفيات والمنشآت الحيوية. الدمج بين هجوم كهذا مع هجوم سايبر يمكن أن يلحق أضراراً أكبر بكثير من كل واحدة من هذه الهجمات منفردة. ناهيك عن تأثير ضرب محطات توليد الكهرباء ومحطات تحلية المياه معاً، ونحو ذلك.

إضافة إلى هذا الوضع الصعب، هناك خوف من الجمع بين القتال ضد حزب الله وبين سيناريو على غرار "حارس الأسوار".  أعمال الشغب مثل تلك التي شهدناها في عام 2021، أو ما هو أسوأ من ذلك، يمكن أن تضر بتعبئة الاحتياطي بطريقتين مختلفتين. الأول، وهو الأكثر شيوعاً في الخطاب العام، هو الخوف من قطع الطرق من قبل مثيري الشغب، الأمر الذي سيجعل من الصعب على جنود الاحتياط الوصول إلى القواعد. منذ حارس الأسوار، بذل الجيش الإسرائيلي جهوداً للتحضير لمثل هذا الموقف، وسيكون "الحرس الوطني" المستقبلي أيضاً قادراً على المساعدة في هذا، ولكن ستظل هناك مشكلة: الأمر سيتطلب وقتاً لفتح حركة الطرقات، والدمج بين قطع الطرقات من قبل مثيري أعمال الشغب في أفضل الأحوال وبين مخربين مسلحين في أسوأ الأحوال (بما في ذلك محلقات مسلحة من انتاج محلي، سبق أن استخدمت لأهداف جنائية في إسرائيل)، سوية مع صليات صواريخ على مفترقات طرق كبيرة، يمكن أن تصعب جداً على حركة القوات وعلى تجنيد واسع.

المشكلة الثانية ستكون المعضلة الفعلية التي سيواجهها عناصر الاحتياط – هل الدفاع عن عائلاتهم في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، أو التجند للجبهة. من سيمتثل للخدمة على الحدود الشمالية، يعلم أن أبناء عائلته مكشوفين على مخاطر كبيرة، ربما أكثر منه، بشكل خاص إذا لم ينجح الجيش الإسرائيلي في تفكيك معظم منصات الإطلاق خلال أيام معدودة. إذا كانت عائلة تسكن في مدينة مختلطة، في مستوى معزولة وما شابه، الوالد قد يشعر أنه يتخلى عن أعزائه أمام خطر تعرضهم للأذى، خصوصاً إذا كانت مرحلة تجنيد الاحتياط تتم عندما تكون أعمال الشغب قد بدأت بالفعل.

بالإضافة إلى ذلك سيكون هناك حاجة إلى حماية عمال أساسيين: أعضاء الطاقم الطبي العرب، سائقي الشاحنات من الوسط العربي والذين قد يتغيبون عن العمل، إذا كان هناك خشية بأنهم هم أو عائلاتهم سيتعرضون للأذى من قبل مخربين ينظرون إليهم بأنهم "عملاء".  حماية الذين يتعرضون للتهديد ستستهلك المزيد من الموارد والقوة البشرية، التي ستعاني من نقص على أي حال.

ويجب أن نأمل، بالطبع، ألا تؤثر الأحداث السياسية في دولة إسرائيل اليوم على تماسكها في زمن الحرب، أو أن يتم حل الأزمة قبل اندلاع الصراع العسكري التالي.

ماذا يمكن لإسرائيل أن تفعل؟

بداية، يجب أن نكون على معرفة بخطورة التهديد. المعرفة لا يمكنها إزالة التهديد، لكنها تجعل من السهل إلى حد ما التعامل معه.

ثانياً، نظراً لأن دولة إسرائيل قد تكون مشغولة للغاية أو لا تملك الموارد الكافية للرد على أي ضرر أو محنة، فسيكون من واجب السلطة المحلية والمواطنين إعداد خططهم الخاصة. في حرب لبنان الثانية بعض السلطات المحلية في الشمال انهارت. في صفد، على سبيل المثال، 80% من عمال البلدية هربوا من المدينة، كذلك جزء كبير من المواطنين. في أماكن أخرى لم يكن الواقع مختلفا كثيراً. في وضع كهذا المواطنين الذين يبقون لا يمكنهم الاعتماد على السلطات، وأيضاً بقي في المدينة ما يكفي من العمال، سيجدون صعوبة في أداء العمل ومنازلهم تحت النيران. المستوطنات والمدن التي تجهّزت وناورت على خطط طوارئ محلية، وتعرف من تعتمد عليه ومن هم الأشخاص الأساسيون، ستكون على الأرجح قادرة على الاستجابة بشكل أفضل من السلطات المحلية التي لم تفعل ذلك. مشروع تدريب "المنقذين الخفيفين" وفرق تقديم المساعدة الأولية التابعة لقيادة الجبهة الداخلية، والذي يجري منذ عدة سنوات، هو مثال على هذا التخطيط، وهو ضروري حتى لو لم يكن كافياً في حدِّ ذاته. كلما زاد عدد الأشخاص المشاركين في التدريب، كلما كان الوضع أفضل في حالات الطوارئ. إن توفر أولئك الذين لديهم المعرفة الأساسية والمعدات الأساسية يمكن أن ينقذ الأرواح، ويقلِّل من عدد الإصابات الجسدية والصدمات. إن الاعتماد على المعدات التي ستشتريها البلدية سيؤدي إلى تحسين فرص التعامل عندما يكون هناك نقص من باقي أجهزة الدولة.

إلى جانب فرق تقديم الإسعاف الاولي، ستكون هناك حاجة أيضاً إلى فرق من وسط المعفيين من الاحتياط لحماية المستوطنات في حالة وقوع هجمات وتفريق أعمال الشغب. مراكز الطوارئ المحلية؛ تدريبات المواطنين؛ والتحضير لاستقبال اللاجئين في المدن التي ستكون أقل ضرراً. كل هذا يجب أن يتم على المستوى المحلي، دون انتظار "الدولة". إذا أرادت بلدية حيفا، على سبيل المثال، أن يلجأ الآلاف من مواطنيها إلى نفق "الكرمل" (بفرض أن الطريق لن يكون مطلوباً لحركة القوات)، فإنها لا يمكنها الاعتماد فقط على قيادة الجبهة الداخلية للتزود بالتجهيزات المناسبة، حجرات خدمات، والتهوية، وما إلى ذلك. يوجد للعديد من المستوطنات مجموعات استعداد وطواقم طوارئ؛ هناك ضرورة لأن تحذو مدن ومستوطنات حذوهم. ووحدة الاحتياط في إيلات للحرب على الإرهاب هي نموذج محتمل لذلك: على الرغم من أنها ولدت للتعامل مع بُعد منطقة إيلات عن بقية دولة إسرائيل وقوات الجيش والشرطة التابعة لها، إلا أن هناك حاجة اليوم أيضاً إلى مثل هذه الوحدات في المستوطنات الأقل بعداً، خصوصاً في ظلّ احتمالية الهجوم على بعض المستوطنات من جهة إلحاق ضرر بمحاور طرقات تحرك التعزيزات. وحدات كهذه يمكن أن ترد بسرعة وكسب الوقت الثمين إلى أن يستطيع الجيش إرسال تعزيزات للمستوطنة التي تهاجم. الحرس الوطني هو مسألة مطلوبة، لكن هو أيضاً بحاجة للوقت من أجل التجنيد: هناك حاجة إلى قوات محلية يمكنها الرد خلال وقت قصير.

من الأجدر للمستوطنات المحاذية للحدود أن تعد خطط فرار سريعة لمغادرة المستوطنة أو المدينة والتحرك جنوباً حتى يمر الغضب. لن يتعين على الدولة أن تفكر فقط في متى وكيف تقوم بإجلائهم؛ وسيتعين على المواطنين أنفسهم إيجاد الحلول – الحماية، وطرق ترك وتخزين الطعام والماء في حالة انهيار الخدمات العامة. خصوصاً إذا اندلعت حرب مصحوبة بهجوم على المستوطنات الإسرائيلية مصحوباً بوابل كثيف من الصواريخ، ففي البداية سيكون الجيش الإسرائيلي والهيئات الحكومية الأخرى مشغولة للغاية، ومن المرجح أن يتم تأجيل الإخلاء المنظم. إذا حدثت أعمال شغب واضطرابات وهجمات إرهابية في نفس الوقت داخل البلاد، فستواجه الشرطة والجهات الحكومية الأخرى أيضاً صعوبة في العمل.

لا يمكن الاعتماد على الدولة لتقديم حل سريع وكامل لكل مشكلة. وحتى لو أعطت البلدية قصارى جهداً، لا يمكن أيضاً الاعتماد عليها: يجب على السكان مسبقاً إعداد خطة لفرار سريع من أجل مغادرة المستوطنة أو المدينة والتحرك جنوباً إلى أن يمر الغضب. لن يكون هناك دائماً ما يكفي من الوقت لانتظار عملية إخلاء منظمة، وإذا كنتم تريدون حرمان حزب الله من القدرة على إلحاق الأذى بسكان خط المواجهة، فلن يتعين على الدولة فقط أن تفكر في متى وكيف تقوم بإجلائهم؛ يتوجب على المدنيين أنفسهم إيجاد حلول – تحصين (غرف محصنة، ملاجئ، غرف تحت الأرض يمكن الاختباء بها)، طرق مغادرة، وتجميع مؤن ومياه في حالة انهيار الخدمات العامة لعدة أيام. سيتعين على جنود الاحتياط التخطيط ليس فقط لكيفية الوصول إلى وحدتهم، ولكن أيضاً ما إذا كانوا سيرسلون العائلة إلى بر الأمان. هذا السيناريو بالتأكيد غير مفرح، لكن يمكن لإسرائيل التعامل معه.

معهد القدس للاستراتيجية والأمن – الدكتور يغيل هنكين (مؤرخ عسكريمختص في القتال في أراضي مبنية والحرب غير النظامية)

 

إخترنا لكم من العدد