مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: " نتنياهو يؤجل إعلان الهدنة الدائمة ووقف إطلاق النار لأنه يعلم أنه سيدفع الثمن الأكبر لنتائج العدوان على غزة وفشله في مواجهة ملحمة طوفان الأقصى"

العدد رقم 416 التاريخ: 2023-12-01

عناق الدب من قبل الولايات المتحدة.. لا توجد وجبات مجانية

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انضمت الولايات المتحدة إلى حرب إسرائيل منذ اللحظة الأولى. وفي أول خطاب للرئيس بايدن بعد الهجوم الذي شنته حماس، وعد بتقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل، وقارن حماس بداعش. وأعلن في خطابه عن مساعدات عسكرية إضافية لإسرائيل، بما في ذلك الأسلحة والصواريخ الاعتراضية للقبة الحديدية، وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستتأكد من أن إسرائيل لن تنفد من الموارد الضرورية للحرب.

وفي خطابه كان هناك أيضاً ارتباط ضمني باحتياجات الميزانية لأوكرانيا عندما دعا الكونغرس إلى تمويل المتطلبات الأمنية للشركاء المهمين. كما أمر الرئيس بايدن بإرسال قوة عمل برئاسة حاملة طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، ثم إضافة حاملة طائرات أخرى لاحقاً. وذلك بهدف إبراز القوة وردع إيران وحزب الله عن الانضمام إلى المعركة.

لا شك أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل بشكل مثير للإعجاب ومشجع جدا، وبشكل لا سابق له وبمميزات لم نعرفها في السابق. بالإضافة إلى زيارة وزيري الخارجية والدفاعي الأمريكيين، شارك وزير الخارجية الأمريكي باجتماع مطول مع القيادة الأمنية الإسرائيلية ضمن إطار كابينت (المجلس الوزاري المصغر) الحربي، وبعده أيضاً رئيس الولايات المتحدة الذي وصل إلى إسرائيل. أمن إسرائيل مهم جداً للولايات المتحدة وقد يكون من الصواب أن تقاتل إلى جانبها، إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

إضافة إلى ذلك، فإن وقوف الولايات المتحدة العسكري والسياسي المثير للإعجاب إلى جانب إسرائيل وفي البحر الأبيض المتوسط هو أيضاً رد ضروري للحفاظ على المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة وخارجها. ومن الواضح للإدارة الأمريكية أن توسع الصراع وامتداده إلى أبعاد إقليمية سيؤثر أيضاً على ساحات أخرى، مثل أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي. إيران، التي تقف وراء التهديد بتوسيع الصراع، تحظى بدعم روسيا والصين، وينعكس التعاون بين الثلاثة أيضاً في ساحة المعركة في أوكرانيا. إن احتواء الصراع في منطقتنا هو مصلحة أمريكية عليا، والسؤال المثير للقلق في هذا الوقت هو ما إذا كانت هذه المصلحة الأمريكية ستملي أيضاً إجراءات ضبط النفس التي ستجعل من الصعب على إسرائيل أن تنجح في إكمال مهمتها في قطاع غزة.

من المؤكد أن احتضان الولايات المتحدة لإسرائيل أمر مشجع، ولكن حتى لو كان لديه القدرة على إظهار القوة وربما الردع تجاه المنطقة، فإنه يعكس أيضاً نوعاً من الضعف. إن عمق التدخل الأمريكي وتصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين بشأن الالتزام الأمريكي بالتدخل إذا لزم الأمر، قد يعكسان عدم الثقة في قدرة إسرائيل المستقلة على الدفاع عن نفسها.

خصائص الدعم الأمريكي، خاصة في عمق انخراط كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، بمن فيهم الرئيس، تخلق شعوراً بأن هناك عدم ثقة في الولايات المتحدة فيما يتعلق بقدرة إسرائيل على الصمود، أو الخوف من رد الفعل الإسرائيلي الذي قد يؤدي إلى تصعيد يعرض المصالح الأمريكية للخطر. تحول الدعم الأمريكي إلى نوع من "عناق الدب" الذي قد يقلل بشكل كبير من حجم العمل الإسرائيلي سواء على المستوى العسكري أو في التعامل مع قضية المختطفين، ومن بينهم مواطنون أمريكيون أيضاً. على سبيل المثال، فكرة إطلاق سراح مواطنين أجانب فقط من بين المختطفين هي فكرة إشكالية من ناحية أخلاقية (منطق الاختيار المشوه) ومن الناحية العملية، وهدفها إضعاف أدوات الضغط على حماس. وقد أعلنت حماس بالفعل أنها ستبذل جهوداً لإطلاق سراح الرهائن من جنسيات أجنبية، وبالتالي تحسين شرعيتها بين الدول الغربية.

ومن المهم أن نتذكر أنه لا يوجد تداخل بين المصالح الإسرائيلية والمصالح الأمريكية ذات الطابع العالمي. وسوف تتغلب المصالح الأمريكية، كما حدث أيضاً في حرب يوم الغفران أثناء حصار الجيش المصري الثالث. إن الوجود الأمريكي وخصائصه في هذا الوقت مهم، لكنه يعكس أيضاً الضعف الإسرائيلي والإضرار بقدرة إسرائيل على الردع. قد يكون هناك من يشعر بمزيد من الأمان والراحة مع مثل هذا التدخل الأمريكي العميق، من بين أسباب أخرى بسبب انعدام الثقة الشديد تجاه القيادة الإسرائيلية الحالية، لكن هذا ينطوي على ثمن الضعف الموجه نحو المجتمع الإسرائيلي، والذي أصبح بالفعل في أزمة ثقة حادة تجاه قيادة الدولة ومؤسساتها.

مجال المناورة لدى إسرائيل محدود، ويدخل تحت مظلة الدعم الأمريكي. وتنبع هذه المحدودية من الثمن الضروري المرتبط بهذا النوع من التدخل، ومن الموقف المعلن والهام للولايات المتحدة نحو الجانب الإسرائيلي. "لا توجد وجبات مجانية". الأمريكيون موجودون هنا أيضاً لتأمين مصالحهم الحيوية في المنطقة وفي الساحات الأخرى التي ستتأثر بالتطورات الإقليمية. السياق العالمي واسع ومعقد، وإسرائيل تشكل جزءاً من معركة أوسع كثيراً تقودها الولايات المتحدة ومصالحها.

والولايات المتحدة ليست وحدها إلى جانب إسرائيل. فقد أعربت دول غربية أخرى عن تضامنها، وخصوصاً ألمانيا وفرنسا وبريطانيا العظمى. كل هؤلاء يدعمون، في الوقت الحالي، ضرورة سلب من حماس القدرات العسكرية. على الرغم من التشابه بين حماس وداعش، فإن حالة حماس مختلفة في كل ما تعلق الأمر بالمجتمع الدولي. يُنظر إلى داعش على أنها تهديد للعالم الغربي بأكمله، مقارنة بحماس التي يُنظر إليها على أنها تهديد لإسرائيل فقط. وفي ضوء ذلك فهي لا تزال تتمتع بالشرعية في بعض دول العالم الغربي. إن الفهم بأن التهديد الذي تواجهه إسرائيل هو قمة جبل الجليد من التهديد العالمي - الإسلام الراديكالي – لم يتغلغل بعد. يتعلق الأمر بتهديد واسع، وإسرائيل تحارب أيضاً بالحرب العالمية للمحور الغربي الحر وتضع حاجزاً أمام اجتياح بربري إلى قلب الحضارة الغربية.

إن المساعدة الأمريكية بوسائل القتال أمر بالغ الأهمية لنجاح الحرب، وخصوصاً للقدرة على إدارة الموارد استعداداً للمواجهة مع حزب الله. لكن من الأفضل أن يعطي القادة الإسرائيليون الأولوية للمصالح الحيوية لدولة إسرائيل. يبدو أن الولايات المتحدة لم تستوعب بعد الطبيعة الإشكالية لنظرتها التقليدية في سياق دور السلطة الفلسطينية كجزء من الحل، وهناك من يقول إن مسؤولي السلطة الفلسطينية سيتمكنون من تحمُّل المسؤولية عن غزة بعد تدمير حماس. سيكون من الصعب العثور على جهة مسؤولة في إسرائيل تقبل بهذا المفهوم بعد مذبحة عيد سمحات توراة (هجوم يوم السبت الذي شنته حماس والذي يصادف يوم عيد فرحة التوراة).

يتعين على صنّاع القرار في إسرائيل أن يلتزموا بمبدأين في التعامل مع حلفائهم في الولايات المتحدة. الأول: أن دولة إسرائيل ستواصل النضال حتى تدمير كافة القدرات العسكرية والحكومية لحماس وغيرها من التنظيمات الإرهابية في قطاع غزة، وستصر على القضاء على وجود حماس في قطاع غزة، أسوة بما فعل الحلفاء في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية في ألمانيا. المبدأ الثاني: المسؤولية الأمنية المطلقة في قطاع غزة ستبقى في أيدي إسرائيل لسنوات عديدة، على الرغم من كل ما يعنيه ذلك.

بالفعل لا توجد وجبات مجانية، وهناك ثمن لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل. ومع ذلك، في الواقع الذي نشأ بعد الهجوم على قطاع غزة، يجب ألا نساوم. الاختبار الأعلى سيكون عودة المستوطنات في قطاع غزة إلى مجدها السابق وتطوير مستوطنة جديدة في المنطقة، ولن يتم ذلك إلا من خلال الأمن الذي سيوفره الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية.

البروفيسور غابي سيفوني (خبير عسكري وأمني، سايبر وتكنولوجية عسكرية) – معهد القدس للاستراتيجية والأمن