الصين وروسيا تعطلان مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن جبهة الانحياز لفلسطين تتسع
ابتسام الشامي

فيما يصطف الغرب خلف الولايات المتحدة الأمريكية عارياً من أي قيم ادّعاها، في دعمه المطلق لحرب الكيان المؤقت الهمجية على قطاع غزة، يرتفع منسوب التأييد الشعبي العالمي المناصر لفلسطين بموازاة تشكُّل جبهة سياسية دولية مناهضة للعدو وجرائمه بحق غزة وأهلها.
الصين وروسيا: لوقف العدوان فوراً
لم تنجح سياسة التضييق الغربي على المتضامنين مع القضية الفلسطينية في تقييد الحراك الشعبي المتنامي نصرة لغزة في وجه العدوان الإسرائيلي، ولم تحل الإجراءات العقابية دون اكتظاظ المدن الأوروبية بمئات آلاف منهم. المجازر الوحشية الإسرائيلية بحق أطفال غزة، حركت مشاعر الغضب فيهم، بخلاف قادتهم الذين ظلوا يقدمون طقوس التأييد والدعم للجلاد الإسرائيلي، مشاركينه جريمته البشعة، بحقِّ العزَّل من أبناء القطاع المحاصر منذ عام 2006. وبالموازاة مع الحراك الشعبي المتنامي نصرة لغزة في وجه جريمة العصر الإسرائيلية بحقها، بدأت تتضح معالم جبهة سياسية منحازة لفلسطين على المستوى الدولي. وشكّلت جلسة مجلس الأمن لدراسة مشروع قرار أمريكي بخصوص ما يجري في فلسطين المحتلة مناسبة لتظهير معالم ما يمكن وصفه بمعسكرين، أحدهما تقوده الولايات المتحدة الأمريكية تحت شعار الدعم المطلق لتل ابيب، والآخر بقيادة الصين، يدعو إلى وقف فوري "للحرب" والعمل على الحل السلمي. فقد فشل المجلس المنوط به تسوية النزاعات الدولية، في تبنّي مشروع قرار أمريكي، لا يدعو لوقف العمليات العسكرية في غزة، بعدما استخدمت روسيا والصين حق النقض "الفيتو" ضد المشروع. ويوضح المندوب الصيني في مجلس الأمن سبب استخدام بلاده الفيتو، أن "مشروع القرار الأمريكي لا يذكر أن فلسطين محتلة منذ وقت طويل". أما نظيره الروسي، فقد اعتبر بدوره، أن مشروع القرار الأمريكي هو "بمثابة ترخيص من المجلس لمواصلة الهجوم الإسرائيلي"، ومن شأن السماح بتمريره "إفقاد المجلس مصداقيته تماماً".
الفيتو الصيني على مشروع القرار الأمريكي جاء معبِّراً عن السياسة الصينية حيال ما يجري في فلسطين المحتلة منذ السابع من تشرين الأول الجاري. وإذ خلا الخطاب الصيني من كلمة "إرهاب" في توصيف عملية طوفان الأقصى البطولية، كما يرد في نص مشروع القرار الأمريكي، حرصت الدبلوماسية الصينية على إدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ورأت أن ما سمّته "الضربات الانتقامية الإسرائيلية" على القطاع، تجاوزت ما هو مقبول في إطار القانون الإنساني الدولي. وفي سياق تأكيد الموقف أعلاه، اعتبر وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أن "تصرفات إسرائيل تجاوزت نطاق الدفاع عن النفس"، مشدداً في محادثة مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، أن ما قامت به حماس، لا يبرر ارتكاب عقاب جماعي بحق الشعب الفلسطيني. الوزير الصيني ذهب أبعد من ذلك في تظهير انحياز بلاده للمظلومية الفلسطينية عندما وصف القضية الفلسطينية "بالجرح المفتوح النازف" في عالم اليوم، لأن "أساس هذه القضية يكمن في انعدام تحقيق التطلع إلى إقامة دولة فلسطين المستقلة مدة طويلة، وانعدام تصحيح الظلم التاريخي الذي يعانيه الشعب الفلسطيني".
على المقلب الروسي، تكشف زيارة وفد من حركة حماس إلى موسكو، ارتياح الحركة للأداء الروسي سواء في مجلس الأمن او على مستوى تصريحات المسؤولين الروس حيال ما يجري. ومنذ الأيام الأولى لبداية العدوان على غزة، حمّلت روسيا الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية انطلاقاً من فشل "سياسات واشنطن في الشرق الأوسط". وبحسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "احتكرت – أمريكا - القرار بشأن التسوية، وأبعدت الأطراف الأخرى"، مضيفاً أن "جوهر المشكلة هو عدم السماح للشعب الفلسطيني بإقامة دولته". وشبّه بوتين الحصار الإسرائيلي لغزة بحصار ألمانيا النازية لمدينة لينينغراد الروسية، رافضاً معاقبة الأبرياء في القطاع من نساء وأطفال وشيوخ. وخلال اجتماع في الكرملين مع زعماء الطوائف الدينية في روسيا لفت بوتين إلى "وجود مئات الآلاف من الأشخاص من دون مأوى وطعام وماء ورعاية طبية" واصفاً ما يجري في غزة بأنه "كارثة إنسانية حقيقية". وفي تظهير مقاربة بلاده حيال ما يجري في فلسطين المحتلة في هذه الأيام، قال الرئيس الروسي "مهمتنا الرئيسية اليوم هي وقف إراقة الدماء والعنف، وإلا فإن المزيد من تفاقم الأزمة سيكون محفوفاً بعواقب وخيمة وخطيرة للغاية ومدمرة، وليس لمنطقة الشرق الأوسط فحسب، بل قد يمتد هذا إلى ما هو أبعد من حدود الشرق الأوسط". لافتاً إلى أنه أبلغ زعماء العالم في مكالمات هاتفية بأنه إذا لم تتوقف إراقة الدماء، فقد يندلع صراع أوسع نطاقاً بكثير.
بدوره أوضح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن روسيا تدعم "وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن" وكذلك الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سلمية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
أفريقيا تنحاز لفلسطين
وإلى روسيا والصين اللتين عبرت مواقفهما عن انحياز للموقف الفلسطيني، انضمت دول أخرى، إلى الجبهة المناهضة للعدوان الإسرائيلي الوحشي وداعيمه من الدول الغربية. وبرزت في هذا السياق الدول الافريقية. صحيح أن دول القارة السمراء التي خبرت نظام الفصل العنصري، تعدُّ في غالبيتها مناصرة تقليدية للقضية الفلسطينية، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة أن كيان العدو حقق خلال الأعوام الماضية بعض الخروقات في جدرانها، لاسيما في السودان التي انتقلت، على المستوى الرسمي من دون الشعبي، من دولة نصرة للمقاومة الفلسطينية إلى دولة مطبّعة مع العدو، بعدما سبقتها إلى ذلك المغرب، ومن خلال هذا التسلل رمى العدو إلى حجز مقعد مؤثر في القارة الأفريقية من خلال محاولة الانضمام، بصفة مراقب، إلى بعض المنظمات الإقليمية ومنها الاتحاد الأفريقي، متكئاً على علاقاته المستجدة مع عدد من دول الاتحاد، وتلك التي كان قد أقامها لاسيما مع أثيوبيا وإرتريا وجنوب السودان، غير أن تصدي دول وازنة لهذا التسلل وفي مقدمها الجزائر، حال دون تحقيق العدو أهدافه. ومع بداية العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، ارتفعت الأصوات الأفريقية المناصرة للفلسطينيين، وشهدت الدول العربية في القارة أكبر التحركات والاحتجاجات المناهضة للعدوان والمناصرة لأهل غزة ومقاومتها. ولم يقتصر التضامن على الدول العربية في القارة الأفريقية وإنما تعدتها إلى دول أخرى منها كينيا ونيجيريا، وتكفي في هذا السياق الإشارة إلى ما ذكرته صحيفة "Mail & Guardian" الجنوب أفريقية في عددها الصادر في السابع عشر من الشهر الجاري، أي بعد عشرة أيام فقط على بداية العدوان الإسرائيلي، إلى الجهود التي يقودها "مركز الادّعاء الجنوب أفريقي" حول مطالبة ثلاث وثلاثين دولة أفريقية من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، بالضغط من أجل قيام الأخيرة بتحقيقات كاملة في انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة وجرائم الحرب التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية في غزة. مشيرة الى أن هذه الدعوة لاقت تأييد عشرات المنظمات في القارة، بما فيها الأسقف الأنغليكاني لعموم أفريقيا الجنوبية، ثابو ماكجوبا، و"منظمة اليهود الجنوب أفارقة من أجل فلسطين حرّة".
خاتمة
بعد مضي نحو عشرين يوماً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تسقط الرواية الإسرائيلية ودعاية الدفاع عن النفس التي تجندت لها وسائل الإعلام الغربية. الإبادة الجماعية التي ينفّذها جيش العدو بحق قطاع غزة، حرّكت موجات التضامن الشعبي العابر للقارات، وهي إذ تستمر بوتيرة تصعيدية فإنها لا تعري موقف الغرب الداعم فحسب، وإنما تدفع دولاً عدة على امتداد العالم إلى مغادرة الحياد الذي اتسمت به مقاربتها للقضية الفلسطينية تاريخياً، وفي هذا الوقت الحساس من عمرها.